اخبار الامارات

أوكرانيا تقترب من نهاية طريق مسدود لتحقيق النصر في الحرب

لقد رسم الاجتماع المتوتر الأخير في المكتب البيضاوي بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، والذي أعقبه توقفٌ للمساعدات والدعم الأميركي، مساراً جديداً لكيفية مشاركة الولايات المتحدة في إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا. باختصار، تلتزم الإدارة الأميركية (والرئيس زيلينسكي أيضاً، وفقاً لرسالةٍ وُجِّهت إلى الرئيس ترامب) بالسلام والتوصل إلى تسوية تفاوضية، بيد أن الفهم الواقعي للخيارات الممكنة لأوكرانيا أمرٌ صعب، لكنه ضروري.

فكلما طال أمد الحرب زادت فرصة مواجهة الجيش الأوكراني انهياراً كارثياً سيؤدي إلى مكاسب روسية أكبر بكثير مما كان يمكن أن تحققه روسيا في تسوية تفاوضية.

وكما قال ترامب بدقة، فإن زيلينسكي لا يملك أوراق القوة، ويدرك الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، أن مثل هذه الأوراق لا يمكن شراؤها بأموال دافع الضرائب الأميركي.

ولسنوات خلت، ضلل خطاب إدارة بايدن أوكرانيا، بتوهمها أن الولايات المتحدة قادرة على دعم مجهودها الحربي إلى أجلٍ غير مسمى، وأن الأميركيين سيكونون على استعداد لضمان أمن أوكرانيا بقوات أميركية. ويجب على أوكرانيا الآن التوقف عن تصديق مثل هذه المفاهيم الخطأ، ويجب أن تضع حداً لهذه الحرب.

أساليب ذكية

وبعد أن أوقفت إدارة بايدن مؤقتاً اتباع الأساليب الدبلوماسية لحل الصراع تحت ذريعة أن المفاوضات معقدة وصعبة، أظهرت إدارة ترامب حتى الآن أساليب ذكية عندما يتعلق الأمر بإدراك حقيقة الوضع.

أوكرانيا تقترب من نهاية طريق مسدود لتحقيق النصر، لقد قاتل جيشها بشجاعة، لكنه أصبح منهكاً، ومعنويات جنوده منخفضة، في وقت بدأت معداتها وأسلحتها تنفد، ناهيك عن تقلص عديد قواتها المحاربة.

ويفقد الغرب القدرة على تعويض هذا النقص في العتاد الحربي بأعداد كافية، بسبب تدهور قاعدته الصناعية العسكرية.

أما بالنسبة للقوى المقاتلة، فتواجه أوكرانيا هرباً جماعياً، وحملة فاشلة لتجنيد مواطنيها، وتعريض مستقبلها للخطر، من خلال تجنيد الشباب الذين تراوح أعمارهم بين 18 و22 عاماً. وقد أسفرت الحرب بالفعل عما يقدر بمليون من الخسائر البشرية، وهذه حقائق مُرّة، وعلى العالم أن يواجهها.

وبالمثل، يجب على العالم أن يتقبّل عدم قدرة أوكرانيا على الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، حيث إن أي محاولة لجعل عضوية «الناتو» جزءاً من اتفاق سلام لن تؤدي إلا إلى إطالة أمد معاناة أوكرانيا وتفاقمها، من خلال زيادة حافز روسيا لمواصلة القتال، بدلاً من السعي لوقف إطلاق النار.

شركاء أوكرانيا

وتتحمل روسيا مسؤولية واضحة عن شن هذه الحرب، ومع ذلك، فإن صناع القرار في الغرب ليسوا بمنأى عن بعض اللوم.

فالسياسيون على جانبي الأطلسي لديهم تاريخ من الخطابات التي شجعت أوكرانيا على اتخاذ مواقف أكثر صرامة، على الرغم من أنهم أثبتوا مراراً وتكراراً عدم رغبتهم في تعريض قوات «الناتو» للخطر. وكان إعلان قمة بوخارست عام 2008 بأن أوكرانيا وجورجيا ستصبحان يوماً ما عضوين في حلف «الناتو» مثالاً على ذلك.

وقبل مجيء إدارة ترامب، لجأ صناع القرار الغربيون لممارسة الكذب على أوكرانيا بشأن إمكانية انضمامها للتحالف، على الرغم من أنهم لم يكونوا مستعدين أبداً لتمديد عضوية «الناتو» لتشمل أوكرانيا.

وعندما اندلعت الحرب، شجع شركاء أوكرانيا الغربيون كييف على تجاهل الفرص المبكرة للتفاوض، ورحبوا بهجوم مضاد متسرع وغير مُعدّ له جيداً، مُبددين بذلك فرصاً سابقة لكييف للتفاوض، عندما كانت لاتزال تتمتع بقدرة أكبر على المقاومة.

الآن، أوكرانيا في حالة خراب، وروسيا تواصل تقدمها ببطء، وتستولي في كل لحظة على المزيد من الأراضي الأوكرانية.

حرب نووية

ويتمثل الاهتمام الأميركي الرئيس في حرب أوكرانيا في الحيلولة دون تفاقم الصراع ليصبح مواجهة إقليمية مع روسيا المُسلحة نووياً، فبدلاً من تحسينها أمن الولايات المتحدة، فإن عضوية أوكرانيا في «الناتو» ستجعل الحرب النووية أكثر احتمالاً بكثير، وستجعل الحلف ينشغل بالدوام بتخصيص مئات الآلاف من قواته لأوكرانيا، في وقت تحتاج فيه الولايات المتحدة للتحوّل نحو أولويات أكبر مثل آسيا.

وحتى مع التقدم الملحوظ الذي أحرزته إدارة ترامب في تحويل المزيد من عبء الأمن الأوروبي إلى الدول الأوروبية، ستظل الولايات المتحدة الضامن الرئيس لأي شيك يُحرره «الناتو» بشأن عضوية أوكرانيا في الحلف، حيث تُعدّ هذه العضوية شيكاً مفتوحاً عالي التكلفة، وخطراً للمنطقة بأكملها.

اختبار واقعي

الاعتراف بأن الوقت ليس في مصلحة أوكرانيا هو اختبار واقعي متأخر، تجاهله صانعو السياسات لسنوات، ما أدى إلى إطالة أمد معاناة الأوكرانيين والإضرار بمصالح الولايات المتحدة في هذه العملية.

ومن أهم هذه المصالح ترتيب أمني أوروبي مستقر وقابل للتنبؤ، ونادراً ما يتحقق ذلك دون مفاوضات صعبة وواقعية، كما أكد الرئيس الأميركي الراحل، دوايت د. أيزنهاور. ويبدو أن إدارة ترامب مُحقة في سعيها لمفاوضات وقف إطلاق النار لإنهاء الصراع بسرعة، وجعلها ضرورة ملحّة.

وينبغي على البيت الأبيض أن يواصل مساره الصريح بشأن المصالح الأميركية، وأن يضع في حسبانه تصريحات وزير الدفاع بيت هيغسيث، في فبراير الماضي، عندما قال إن الولايات المتحدة غير مستعدة لتقديم ضمانات أمنية أو دعم عضوية أوكرانيا في «الناتو» كجزء من تسوية سلمية. وأخيراً، فإن الحياد الأوكراني المُسلح جيداً، واستعداد أوروبا لإعطاء الأولوية لأمنها، هما أفضل الفرص لاستقلال كييف على المدى الطويل.

أفضل خيار

وفي الوقت الراهن لا تملك أوكرانيا خيارات مثالية، لكنها في وضع جيد يُمكّنها من ضمان سيادتها، وإعادة بناء مجتمعها المدني، وضمان سلام قابل للدفاع عنه. لقد أساءت السياسة الأميركية في عهد بايدن لأوكرانيا، بتشجيعها على إطالة أمد صراع دموي يُهدد مستقبلها، في حين أن الخيار الأكثر ترجيحاً كان دائماً هو التوصل إلى تسوية تفاوضية. ويجب على الولايات المتحدة أن تُشجع كييف على البحث عن أفضل خيار مُتبقٍ لمستقبل أوكرانيا على المدى الطويل، وأن تدرك أن وقف إطلاق النار القائم على الحياد، وليس عضوية «الناتو»، هو الخيار المستقبلي الأفضل.

جون فيك*

*المدير التنفيذي لمنظمة «المحاربون القدامى»، وضابط استخبارات في احتياطي البحرية الأميركية، ومحارب قديم في سلاح مشاة البحرية الأميركية.

عن «الفورين بوليسي»


تفوق روسي

الحقيقة الصارخة هي أنه بغض النظر عن الدعم المعنوي والمادي الذي قد ترغب الولايات المتحدة في تقديمه لأوكرانيا، فإن القيام بذلك على أساس مفتوح يستنزف ترسانتها من الأسلحة بطرق تجعل الحرب أكثر احتمالية في أماكن أخرى. وفي حين أن قوة دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) الاقتصادية الكامنة تفوق بكثير قوة روسيا في هذا المجال، فإن اقتصادات «الناتو» ليست موجهة للإنتاج الحربي، وتتفوق روسيا على هذه الدول في إنتاجها بشكل كبير الذخائر الرئيسة مثل قذائف المدفعية.

. كلما طالت الحرب زادت فرصة مواجهة الجيش الأوكراني انهياراً كارثياً سيؤدي إلى مكاسب روسية أكبر مما كان يمكن أن تحققه موسكو بالمفاوضات.

. الاهتمام الأميركي الرئيس في حرب أوكرانيا يتمثل في الحيلولة دون تفاقم الصراع ليصبح مواجهة إقليمية مع روسيا المُسلحة نووياً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى