استطلاعات الرأي في صالحه.. ماذا يعني صعود اليمين المتطرف بال
بروكسل – (د ب أ)
يتأهب اليمين المتطرف لتحقيق مكاسب كبيرة في انتخابات البرلمان الأوروبي، المقرر إجراؤها من غد الخميس وحتى الأحد المقبل، حسبما تشير استطلاعات الرأي، مع تزايد نفوذ الأحزاب التي كانت في وقت من الأوقات هامشية في الاتحاد الأوروبي.
من ثم؛ إلى أي مدى يمكن أن يكون حجم هذا التحول إلى اليمين؟ وإلى أي مدى سيكون هذا التحول مزلزلا بالنسبة للاتحاد الأوروبي ؟
طوال أشهر، توقع محللون سياسيون أن نخسر أحزاب يسار الوسط والخضر مقاعد لصالح أحزاب يمين الوسط واليمين المتطرف في انتخابات البرلمان الأوروبي.
وحتى المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية توقع في بداية العام أنه سيكون هناك “تحول حاد إلى اليمين” وفوز أحزاب مناهضة للاتحاد الأوروبي في تسع دول من دول الاتحاد من بينها بلجيكا وإيطاليا وفرنسا .
ويمكن أن يهدد هذا الأغلبية التي تتمتع بها أحزاب من المجموعات التقليدية الثلاث، وهي حزب الشعب الأوروبي (يمين الوسط) وتحالف الاشتراكيين والديمقراطيين (يسار الوسط) وتحالف تجديد أوروبا (الوسطي الليبرالي).
ويسعى تحالف الهوية والديمقراطية القومي اليميني المتطرف وتحالف “المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين” الأقل تطرفا ولكن الأكثر تشككا في الاتحاد الأوروبي، إلى تحقيق أقصى استفادة من الانتخابات.
وتشير بيانات مؤسسة “يوروب إيليكتس” لجمع نتائج استطلاعات الرأي في نهاية مايو إلى أن تحالف الهوية والديمقراطية- الذي طرد مؤخرا حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف – يمكن أن يفوز بـ68 مقعدا، بينما سيفوز “المحافظون والإصلاحيون الأوروبيون” بـ75 مقعدا.
وبذلك سيحصلان على 143 مقعدا، وهي زيادة كبيرة بأكثر من 25 مقعدا ، مقارنة بعدد مقاعدهما في البرلمان الحالي، الذي يبلغ إجمالي عدد مقاعده 720 مقعدا.
ومن المتوقع أن تحصل الأحزاب الأكثر وسطية مثل حزب الشعب الأوروبي وتحالف الاشتراكيين والديمقراطيين وتحالف تجديد أوروبا على 404 مقاعد معا، وهي أغلبية أقل من الأغلبية التي تتكتع بها حاليا والتي تبلغ 417 مقعدا، لكنها لا تزال تأمل في أن تكون كافية للاحتفاظ بالأغلبية العاملة التي تتمتع بها منذ عام 2019.
وإذا كانت هذه التوقعات دقيقة، فإن البرلمان سيشهد كتلة قومية أكبر وأكثر تأثيرا، وكذلك تحولا كبيرا في النقاش بشأن القضايا الرئيسية التي تواجه أوروبا.
ما الذي تسبب في صعود تيار اليمين المتطرف؟
من الأسباب المتعددة التي وضعها المحللون لتفسير صعود تيار اليمين المتطرف، رد الفعل إزاء سياسات تغير المناخ وتزايد الهجرة والغموض الاقتصادي والغضب ضد المؤسسات الرسمية.
وتجمعت كل الأسباب السابقة بالإضافة إلى حملات التضليل الروسية على الإنترنت لتشكل مزيجا قويا لتغذية صعود اليمين المتطرف وقلب النظام السياسي في الحكومات الوطنية- مثلما حدث مؤخرا في هولندا- وربما أيضا من المحتمل في الاتحاد الأوروبي.
وشكت فيرا جوروفا نائبة رئيسة المفوضية الأوروبية، وفقا لصحيفة فاينانشيال تايمز، من أن الاتحاد الأوروبي يكافح “سيلا من المعلومات المضللة” من روسيا تستهدف الانتخابات الأوروبية.
وتكشف تحقيقات في مختلف أنحاء الاتحاد الأوروبي عن أدلة على عمليات تأثير مزعومة، ومن بينها تحقيق يشمل سياسيين ألمان من حزب البديل من أجل ألمانيا، تردد أنهم يعملون لصالح روسيا والصين.
وكشف رئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر دي كرو في مارس أن أجهزة الاستخبارات في بلاده اكتشفت شبكات روسية في” العديد من الدول الأوروبية” للتأثير على انتخابات البرلمان الأوروبي.
في غضون ذلك، صورت أحزاب اليمين المتطرف مؤسسات الاتحاد الأوروبي على أنها تهيمن على الحياة اليومية للشعوب في حين أنها عاجزة في الوقت نفسه عن مساعدتها.
كيف سيؤثر اليمين المتطرف على سياسة الاتحاد الأوروبي؟
من المرجح أن يعوق تأثير اليمين المتطرف تعاون الاتحاد الأوروبي بشأن سياسات شاملة مثل المناخ والهجرة، وهو ما يتماشى مع هدفه المتمثل في إعادة التأكيد على الدور السيادي لعواصم دول الاتحاد.
ولذلك فمن المستبعد أن ترى سياسات الاتحاد الأوروبي الطموحة التي تتطلب مستوى مرتفعا من التعاون بين الدول الأعضاء النور في ولاية المفوضية الأوروبية الجديدة. ومن الأمثلة على هذا النوع من السياسات التي تمت الموافقة عليها في الولاية المنتهية، “الاتفاق الأخضر” أو “ميثاق الاتحاد الأوروبي للهجرة واللجوء”.
وعلى سبيل المثال، انتقد جوردان بارديلا زعيم حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف في فرنسا، بشدة سيادة قانون الاتحاد الأوروبي على فرنسا، خاصة في قضايا الهجرة، ويدفع من أجل سياسات ديمقراطية مباشرة مثل الاستفتاءات على الهجرة لكي تتمكن فرنسا من استعادة “التحكم في مصيرها”.
غموض مستقبل أورسولا فون دير لاين
ربما يؤثر التحول نحو اليمين حتى على اختيار الرئيس المقبل للمفوضية الأوروبية، وهو أقوى منصب في الاتحاد الأوروبي وأكبر رمز على الاتجاه المستقبلي للاتحاد الأوروبي.
وتسعى السياسية الألمانية المحافظة أورسولا فون دير لاين من حزب الشعب الأوروبي حاليا للفوز بولاية ثانية كرئيسة للمفوضية الأوروبية، إلا أن إيجاد أغلبية برلمانية لدعمها ربما يكون صعبا للغاية مع تعديل المجموعات السياسية لخطواتها المقبلة لاستيعات الدعم المتزايد لليمين.
وقالت مارين لوبان، زعيمة حزب التجمع الوطني الفرنسي لصحيفة “كورييري ديلا سيرا” الإيطالية إنها تريد التعاون بشكل أوثق مع حزب “إخوة إيطاليا” بقيادة رئيسة وزراء إيطاليا جورجا ميلوني.
وقالت لوبان “إذا نجحنا، يمكننا أن نصبح ثاني أكبر مجموعة في البرلمان الأوروبي. أعتقد أنه لا يجب إضاعة هذه الفرصة”.
وتنتمي السياسيتان إلى مجموعتين سياسيتين مختلفتين في البرلمان الأوروبي، حيث يتفق حزب التجمع الوطني مع تحالف الهوية والديمقراطية اليميني المتطرف، في حين يتفق حزب إخوة إيطاليا، الذي لديه جذور من الفاشية الجديدة، مع تحالف “المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين”.
وقد يكون الاندماج بين تحالف الهوية والديمقراطية وتحالف المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين حاسما لتعيين رئيس المفوضية الأوروبية المقبل وتشكيل المفوضية الأوروبية المقبلة.
وفي أبريل الماضي، لم تستبعد فون دير لاين التعاون مع تحالف المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين كما سعت إلى الحصول على دعم رئيسة وزراء إيطاليا.
وقد تكون هذه استراتيجية خطيرة، حيث حذر المستشار الألماني أولاف شولتس فون دير لاين من محاولة السعي للفوز بولاية جديدة بمساعدة المتطرفين اليمينيين.
تيار اليمين المتطرفين منقسم
هناك تحذير مهم في هذا الشأن وهو أن اليمين المتطرف ليس قوة متجانسة لصنع القرار.
وهناك سبب رئيسي وراء هذا الانقسام وهو روسيا. إن حزب القانون والعدالة البولندي، في تحالف المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين، يعارض بشدة موقف حزب فيدس المجري الموالي للكرملين بشأن حرب أوكرانيا. في الوقت نفسه، اتخذت ميلوني موقفا واضحا مؤيدا لأوكرانيا.
كما توجد منطقة استقطاب أخرى وهي محاولات اليمين المتطرف لجذب التيار السائد والرغبة في عدم التسبب في اغضاب مجموعات معينة من الناخبين.
طوق صحي في حالة يرثى لها
إن نجاح اليمين المتطرف أو إعادة انتخاب فون دير لاين ليس مؤكدا.
الأمر الواضح هو أن “الطوق الصحي” ، وهو عبارة عن اتفاق غير رسمي بعد الحرب لاستبعاد اليمين المتطرف من السلطة، هو في الواقع في حالة يرثى لها، حيث يدخل الحكومات المزيد والمزيد من الأحزاب اليمينية المتطرفة.
وبعدما تجنبتها الحكومات الأوروبية في البداية، تسافر رئيسة وزراء إيطاليا ميلوني الآن بجانب فون دير لاين لإبرام اتفاقات مع قادة في تونس ومصر لوقف المهاجرين من الوصول إلى أوروبا.
وبعد انتهاء انتخابات البرلمان الأوروبي في التاسع من الشهر الجاري، ربما تلعب السياسية الإيطالية المتطرفة دورا حاسما في مستقبل الاتحاد الأوروبي.