ما بعد الطوفان| كيف تغير مشهد الشرق الأوسط؟ “ملف”
04:44 م
الأحد 19 يناير 2025
كتب- أسماء البتاكوشي- محمود عبد الرحمن- سلمي سمير- سهر عبد الرحيم
بدأت إسرائيل قصف غزة في 7 أكتوبر 2023، عقب هجوم غير مسبوق شنته حركة حماس عليها أدى إلى مقتل نحو 1200 شخص واحتجاز 251 آخرين كأسرى. ومع بدء العمليات البرية بعد أسبوع من القصف، توقع معظم المراقبين أن يستمر القتال لأسابيع قليلة، لكنه امتد لـ15 شهرًا حتى إعلان وقف إطلاق النار يوم الأربعاء، ما جعلها أطول حرب تشهدها إسرائيل منذ حرب 1948.
وخلال وقف إطلاق النار القصير في نوفمبر 2023، تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بمواصلة القتال لتحقيق “انتصار كامل” على حماس، مشيرًا إلى أن الحرب لم تحقق أهدافها بعد.
لكن وبعد أكثر من عام على انطلاق عملية “طوفان الأقصى”، التي أطلقتها حماس في أكتوبر 2023، توصل الطرفان إلى صفقة شاملة لتبادل الأسرى ووقف إطلاق النار. ومع ذلك، يظل السؤال الملح: ما هي المكاسب التي حققتها تل أبيب من دخولها في حرب طويلة ومعقدة، خاصة مع خوضها مواجهات على جبهات أخرى دعمت المقاومة الفلسطينية؟.
يرى الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني عبد المهدي مطاوع أن إسرائيل حققت مكاسب توسعية جراء دخولها الحرب. ففي قطاع غزة، تمكنت القوات الإسرائيلية من التوغل في المنطقة العازلة، التي زادت مساحتها في بعض المناطق إلى كيلومتر ونصف على امتداد الحدود الشرقية.
كما تمكنت إسرائيل من تدمير قطاع غزة بشكل شبه كامل، بما في ذلك تدمير كافة مؤسساته وإفقاد حركة حماس قدرتها على حكم القطاع الفلسطيني، نظرًا لوجود قرار دولي يقضي بعدم استمرار وجود الحركة في اليوم التالي للحرب. وقد تربط إسرائيل إعادة إعمار القطاع بشرط استبعاد حماس من الحكم، وهو ما قد يُعتبر إنجازًا استراتيجيًا لتل أبيب، بحسب ما صرّح به مطاوع.
لقراءة المزيد:- كيف حقق نتنياهو انتصارًا وغيّرَ 3 دول عربية بعد “طوفان الأقصى”؟
وفي ظل التوصل إلى هذا الاتفاق، تبقى الأنظار مشدودة إلى مستقبل غزة، التي تحولت إلى ساحة حرب نتيجة العدوان الإسرائيلي المستمر، في وقت يتطلع فيه العالم إلى ما ستسفر عنه المرحلة المقبلة في ظل محاولات إعادة بناء القطاع المدمّر.
يقول العميد الركن المتقاعد والمحلل العسكري سعيد القزح، إنه يتوقع أن يكون قطاع غزة عقب وقف إطلاق النار تحت الإدارة المباشرة والفعالة للسلطة الفلسطينية المعترف بها دوليًا، وهي السلطة الممثلة للشعب الفلسطيني ومنظمة التحرير الفلسطينية.
وأكد القزح أن هذا التوجه مدعوم عالميًا، خاصة من قبل الولايات المتحدة وأوروبا والدول العربية، مشيرًا إلى أن هذه الخطوات تأتي في إطار التمهيد لإعادة إعمار القطاع الذي سيتطلب استثمارات ضخمة، على أن تتولى أوروبا ودول الخليج مسؤولية تمويل هذا الإعمار، مشيرا إلى أن السلطة الفلسطينية هي الجهة الوحيدة القادرة على إدارة القطاع في هذه المرحلة.
لقراءة المزيد:- بعد 466 يومًا من العدوان.. كيف يرى الخبراء مستقبل قطاع غزة المدمّر؟
بعد الهجوم الذي شنته الفصائل الفلسطينية في 7 أكتوبر 2023 على المستوطنات الإسرائيلية المحيطة بقطاع غزة، دخل القطاع مرحلة جديدة من الصراع، لم تقتصر على الجانب العسكري فحسب، بل امتدت لتشمل تأثيرات عميقة على مختلف الأصعدة. فقد شهدت هذه المرحلة موجات نزوح واسعة، وارتفاعًا كبيرًا في أعداد الشهداء المدنيين، إلى جانب الدمار الهائل الذي لحق بالبنية التحتية. هذه التداعيات تترك أثرًا كبيرًا على الأجيال المقبلة، مما يبرز التحديات الإنسانية والتنموية التي سيواجهها القطاع في المستقبل.
تحمل المدنيون في قطاع غزة العبء الأكبر من الهجوم الغاشم الذي شنه الاحتلال الإسرائيلي، حيث أسفر عن استشهاد نحو 47 ألف شخص، إضافة إلى إصابة حوالي 110,453 آخرين. جاء ذلك في ظل تكثيف الاحتلال عملياته في القطاع، خاصة في منطقة جباليا شمالًا، التي تعد موطنًا لأحد مخيمات اللاجئين التاريخية الثمانية في قطاع غزة.
وفقًا لتحليل صور الأقمار الصناعية “كوبرنيكوس سنتينل 1″، الذي أجراه كوري شير من مركز الدراسات العليا في جامعة مدينة نيويورك، و جامون فان دين هوك من جامعة ولاية أوريغون، تشير النتائج إلى أن ما يقرب من 59% من المباني في مختلف أنحاء غزة قد تعرضت لأضرار.
لقراءة المزيد:- كيف تغير قطاع غزة بعد هجوم 7 أكتوبر؟
نزح حوالي 1.9 مليون شخص، أي ما يعادل 90% من سكان غزة، واضطر العديد منهم إلى التنقل باستمرار. يعيش مئات الآلاف منهم الآن في مدن الخيام والملاجئ المكتظة، والتي تفتقر إلى أنظمة صرف صحي ملائمة ومياه نظيفة. للأسف، حتى تلك الملاجئ لم تكن بعيدة عن الخطر، إذ تعرض بعضها للهجوم، مما زاد من معاناة النازحين.
كما خلفت الحرب أكثر من 40 مليون طن من الحطام، تتخللها مواد متفجرة مثل الأفخاخ والقنابل غير المنفجرة. فيما حذر مسؤول كبير في الأمم المتحدة متخصص في إزالة الألغام، في الربيع الماضي، من أن إزالة هذا الحطام قد تستغرق أكثر من عقد.
مزاعم جيش الاحتلال دائما كانت عبارة عن أن عملياته تستهدف حماس فقط وليس المدنيين أو البنية التحتية في غزة. وأكد أن قصفه يتناسب مع التهديدات، وأنه يبذل أقصى الجهود لتحذير المدنيين قبل شن الهجمات.
لقراءة المزيد:- هروب وشتات ودماء مُهدرة.. ماذا جرى في غزة طيلة 15 شهرًا؟
رغم الدمار الواسع الذي لحق بقطاع غزة، بدءًا من تدمير أكثر من 50% من البنى التحتية في القطاع أو أعداد شهداء تجاوزوا عتبة الـ40 ألف بكثير و100 ألف في صفوف المصابين، إلا أن المقاومة الفلسطينية استطاعت هي الأخرى تحقيق مكاسب على عدة أصعدة سواء محليًا أو دوليًا.
في هذا الشأن يقول الدكتور علي الأعور، المحلل المختص في الشأن الإسرائيلي، في تصريحات خاصة لـ “مصراوي”، إن المقاومة الفلسطينية دائمًا ما حققت مكاسب في كل جولة من جولاتها، مؤكدًا أنه لا يمكن حصر هذه القضية في معادلة حسابية بين الربح والخسارة.
وتابع الأعور، أن كل مواجهة تثبت وجود الشعب الفلسطيني وصموده، بعد الـ7 من أكتوبر، والدليل أن من يتفاوض الآن هم ممثلون عن قوى عالمية وإقليمية مثل قطر وجمهورية مصر العربية وإسرائيل، وهؤلاء يتفاوضون مع حركة حماس، التي ما زالت تؤكد خيار المقاومة.
لقراءة المزيد:- اتفاق غزة.. مكاسب المقاومة الفلسطينية تضع إسرائيل في مأزق دولي ومحلي