استهداف الكابلات البحرية يستدعي جهوداً دولية لحمايتها
شهد العالم في الأسابيع الماضية زيادة مقلقة في حوادث الكابلات البحرية، ففي بحر البلطيق، تم قطع روابط الاتصالات وخطوط الطاقة، كما تعرضت الكابلات المتجهة إلى تايوان للتخريب في الأيام الأخيرة، كجزء من سلسلة من الحوادث التي تمتد إلى سنوات عدة.
هذه الهجمات هي أمثلة على تكتيكات «المنطقة الرمادية» أو محاولات الضغط على الخصوم. ورغم صعوبة توجيه اللوم لجهة محددة، فإنها تفرض تكاليف حقيقية، ويمكن أن تكون مزعزعة للاستقرار، مثل الهجوم العسكري الفعلي. وفي بعض الحالات، تكون هذه التكتيكات بمثابة مقدمة للعمل العسكري.
واعتُبرت أهمية هذه الكابلات وأمنها أمراً مسلماً به، ولم يستيقظ العالم إلا الآن على ضعفها. وحمايتها تبدو شبه مستحيلة، فهي كثيرة ومتناثرة للغاية، ومن الصعب مراقبتها باستمرار، ولكن لايزال يتعين علينا أن نستعد، وهناك خطوات يمكن اتخاذها للحد من تأثير هذه الهجمات وتحسين فرص ردعها.
وكابلات الاتصالات البحرية لها تاريخ طويل، فقد تم وضع أول كابل عبر القناة الإنجليزية في عام 1850 لنقل رسائل التليغراف بين إنجلترا وفرنسا. وحصلت اليابان على أول كابل لها في عام 1872. واليوم، تشير التقديرات إلى أن هناك 529 نظام كابل تمتد لمسافة 1.6 مليون كيلومتر تقريباً، تحمل كل حركة الإنترنت والبيانات والاتصالات الصوتية بين القارات، أي ما يقدر بنحو 99% تقريباً.
هذه الكابلات هي العمود الفقري للمجتمعات الحديثة، إذ تسهل المعاملات المالية الإلكترونية اليومية التي تقدر بتريليونات الدولارات، والاتصالات الدولية، ونقل مقاطع الفيديو والرسائل الحكومية الحساسة، فهي حقاً بنية أساسية حيوية.
أسباب طبيعية
ستصبح الكابلات البحرية أكثر أهمية في المستقبل، إذ تشير التقديرات إلى أن حركة البيانات العالمية ستنمو بنسبة 28% كل عام حتى عام 2030، لتصل إلى 603.5 ملايين تيرابايت شهرياً.
ومع ذلك، يقدر الخبراء أن هناك نحو 150 إلى 200 عطل في الكابلات البحرية كل عام، معظمها نتيجة لأسباب طبيعية، مثل الانهيارات الجليدية تحت الماء، أو الزلزال الذي ضرب اليابان في مارس 2011، أو حوادث تسبب فيها الإنسان. وفي الغالبية العظمى من الحالات، يمر الضرر دون أن يلاحظه أحد، لأن المزودين يوفرون البدائل، وعندما ينقطع كابل ما، يتم توجيه حركة المرور تلقائياً إلى كابل آخر.
ومع ذلك، في عدد متزايد من الحالات، يبدو أن الضرر متعمد. ومنذ عام 2022 وبداية حرب أوكرانيا، كانت هناك ثلاث حالات على الأقل تم الإبلاغ عنها من التخريب المحتمل لكابلات الاتصالات وخطوط أنابيب الغاز التي تمر عبر بحر البلطيق، وهو ممر مائي مهم للغاية في شمال أوروبا، تحده ثماني دول من حلف شمال الأطلسي (ناتو)، إضافة إلى روسيا.
وفي أكتوبر 2023، ألحقت سفينة شحن صينية أضراراً بالكابلات وخط أنابيب يربط إستونيا بفنلندا والسويد. وفي نوفمبر من العام الماضي، قطعت سفينة شحن صينية أخرى، يقودها قبطان روسي، كابلين بحريين في المياه السويدية. وفي حادثة وقعت في ديسمبر 2024، يُعتقد أن ناقلة تحمل نفطاً روسياً أتلفت كابلين في قاع البحر، أحدهما يربط فنلندا بألمانيا، والآخر السويد وليتوانيا.
وفي كل حالة، تم رفض الوقائع باعتبارها حادثاً، وكان إثبات العكس أمراً صعباً، حتى عندما تم فحص السفن من قبل خفر السواحل أو سلطات إنفاذ القانون، ومع ذلك، فإن الأدلة مقنعة. وفي إحدى الحالات، تم إيقاف تشغيل جهاز الإرسال والاستقبال الخاص بالسفينة، قبل الحادث مباشرة. وفي حالة أخرى، تُركت المرساة في البحر لمسافة 180 كيلومتراً، وهي مسافة كبيرة جداً. ويمكن للمرساة أن تلحق أضراراً جسيمة بالكابلات عندما تكون السفينة في حالة حركة.
التركيز الأكبر
والتحدي بالقدر نفسه، إن لم يكن أكثر خطورة، في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، حيث ربما يكون تركيز الكابلات هو الأكبر في العالم. ويوجد تحت بحر الصين الجنوبي ما لا يقل عن 11 نظام كابلات ذات أسلاك متعددة، وهي تشكل نقاط اتصال رئيسة لجنوب شرق آسيا وشمال شرق آسيا والبر الرئيس الآسيوي.
ووفقاً للجنة الدولية لحماية الكابلات، فإن حركة المرور الكثيفة في بحر الصين الجنوبي، بما في ذلك تريليونات الدولارات من الشحن والصيد المكثف، تجعل الكابلات هناك أكثر عرضة للتلف من أي مكان آخر تقريباً. ويتم الإبلاغ عن عطل كابل على الأقل في الممر المائي كل بضعة أسابيع، وفي أجزاء أخرى من العالم، يُسجل حادث كل سنة.
وفي هذا السياق، حددت الحكومة التايوانية 12 حالة من أضرار الكابلات البحرية بسبب «قوى خارجية» في عام 2023 وحده. وفي ذلك العام، تم قطع كابلين يربطان تايوان وجزر «ماتسو»، من قبل سفينتين مدنيتين صينيتين، ما أدى إلى فصل الجزر عن الإنترنت لمدة شهرين تقريباً. وفي الأسبوع الماضي، أتلفت سفينة شحن مملوكة للصين كابلاً بحرياً بالقرب من الساحل الشمالي الشرقي لتايوان، وهو عمل قال المسؤولون في تايوان إنه «تخريب». كما أشاروا إلى تورط الصين في حوادث أخرى، على الرغم من أن خفر السواحل التايواني أقر بأنه «من غير الممكن تأكيد النية الحقيقية (للسفن التي قامت بإتلاف الكابلات)».
كما أدى ادعاء الصين ملكيتها لبحر الصين الجنوبي بالكامل، إلى تعقيد أعمال الصيانة وإصلاح الكابلات المتضررة، ومحاولات وضع أخرى جديدة. وأشارت الشركات المعنية إلى أن الأمر يستغرق وقتاً أطول للحصول على الموافقات على العمل في المنطقة، وهناك قلق في بعض العواصم بشأن قيام الصين ببناء أو تشغيل أنظمة الكابلات، وتخشى هذه العواصم أن تتم مراقبة حركة المرور في الكابلات أو حظرها.
هيئة استشارية
ولمعالجة هذه المشكلة، أنشأت الأمم المتحدة، العام الماضي، أول هيئة استشارية لها بشأن شبكات الكابلات البحرية، وهي الهيئة الاستشارية الدولية لمرونة الكابلات البحرية. ويتلخص هدفها الأساسي في إيجاد أرضية مشتركة بشأن «ممارسات مرونة الكابلات الأساسية»، مثل الحماية من الحوادث، وسبل تسهيل الموافقات على التصاريح من الحكومات عندما يحدث الضرر في المياه الإقليمية. وعقدت الهيئة أول اجتماع افتراضي لها الشهر الماضي، وستعقد أول قمة بشأن الكابلات البحرية الشهر المقبل في نيجيريا. وستتجنب المجموعة الموضوعات الصعبة، مثل الأمن، وهو ما يعني الحاجة إلى بذل جهود إضافية.
وقد ترغب اليابان والدول ذات التفكير المماثل في الاستفادة من تجربة الحكومات الأوروبية. فقد أطلق حلف شمال الأطلسي، في مايو الماضي، المركز البحري لأمن البنية الأساسية الحيوية تحت الماء، الذي يهدف إلى رسم خرائط لجميع البنية الأساسية الحيوية في المياه الخاضعة لسيطرة حلف شمال الأطلسي، وتحديد النقاط الضعيفة.
ويعمل مركز حلف شمال الأطلسي للبحوث والتجارب البحرية على إيجاد طرق لرسم خرائط لقاع البحر. وينبغي أن يكون هناك مبدآن رئيسان في الحسبان بالمقام الأول. أولاً، خلق المرونة لتقليل الضرر إذا تم قطع كابل أو أكثر، وهذا يعني إنشاء روابط اتصالات بديلة. وثانياً، ينبغي للحكومات ذات التفكير المماثل أن تنشئ أنظمة مراقبة ورصد وإصلاح بحيث تكون مستعدة عندما تقع مثل هذه الحوادث، وهذا من شأنه أن يساعد في تحديد «المتسبب»، وهو ما من شأنه في حد ذاته أن يعزز الاستجابة. عن «جابان تايمز»
مهمة صعبة
حماية الكابلات البحرية تبدو شبه مستحيلة، فهي كثيرة ومتناثرة للغاية، ومن الصعب مراقبتها باستمرار.
. منذ عام 2022 وبداية حرب أوكرانيا، كانت هناك 3 حالات على الأقل من التخريب المحتمل تم الإبلاغ عنها.