وزير بريطاني سابق: المستشار الألماني القادم وحده القادر على إنقاذ أوروبا
قبل سنوات قالت لي أنجيلا ميركل (المستشارة الألمانية السابقة): «عليك أن تفهم أن كلمة (ديون) في اللغة الألمانية تعني أيضاً الشعور بالذنب، فالدين والشعور بالذنب مرتبطان ارتباطاً وثيقاً في أذهاننا».
وأكدت الأحداث التي شهدتها الأسابيع الأخيرة صحة هذا الرأي، فقد كان انهيار الحكومة الائتلافية المكونة من ثلاثة أحزاب في برلين نتيجة لجدال حول «كبح الديون» في الدستور الذي يحد من الاقتراض الحكومي. ورغم أن إجمالي الدين الوطني في ألمانيا يبلغ 63% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بنحو 100% في بريطانيا و110% في فرنسا، فإن أي فكرة لرفعه إلى مستويات أعلى من ذلك تجلب الصدمة. وأصبحت ألمانيا ضعيفة حتى الانتخابات التي ستجرى في فبراير.
نموذج وطني
المستشار الألماني، أولاف شولتس، غير محبوب على الإطلاق في الداخل، كما كان غير مؤثر في الخارج، فقد أجرى مكالمة هاتفية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأظهر الضعف في قلب أوروبا.
كما أن حكومة برلين، مع نشر مذكرات ميركل أخيراً، تتعرض للهجوم بسبب سوء تقديرها في ما يتعلق بالتعامل مع بوتين، وإنهاء استخدام الطاقة النووية، وقبول أعداد كبيرة من اللاجئين.
والواقع أن النموذج الوطني الذي اعتمد على الطاقة من روسيا، والنمو من الصين، والأمن من أميركا، يواجه فجأة خطر الحرمان من هذه العناصر الثلاثة. والواقع أن الدولة التي كانت القوة الدافعة للقارة لعقود من الزمان أصبحت الآن في حالة من الاكتئاب والانقسام.
ومع ذلك، فإن ذكرياتي المبكرة عن زيارتي لميركل عندما ظهرت كزعيمة في أواخر التسعينات من القرن الماضي، ترتبط بذكريات منافسها آنذاك، فريدريش ميرتس، الأكثر محافظة على نحو كلاسيكي.
وكان ميرتس أقل توافقية من ميركل، وأكثر ميلاً إلى اليمين، وكان أقل ملاءمة لبناء الائتلافات الدائمة في بلاده، فتراجع إلى عالم الأعمال. والآن عاد في سن الـ69، ليقود المعارضة، ومن المرجح أن يصبح المستشار الجديد لألمانيا، وإذا تم ذلك فإن أوروبا على وشك أن تستريح من عبء تاريخي يتمثل في قيادة أوروبا.
لحظة محورية
إن القارة الأوروبية تنزلق بسرعة إلى أزمة حادة، ولا يوجد بلد آخر غير ألمانيا لديه القدرة على إنقاذها. وإذا تم انتخاب ميرتس، فسيكون شخصية ذات أهمية كبيرة. ومع اقتراب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب من دفع العلاقات التجارية والدفاعية عبر الأطلسي إلى حالة من عدم اليقين، بينما تبدو فرنسا مشلولة بسبب الجمود الذي قد يستمر حتى الانتخابات الرئاسية المقبلة في عام 2027، وبريطانيا محدودة التأثير على جيرانها من خارج الاتحاد الأوروبي – فإن المستشار الألماني القادم وحده قادر على تغيير مسار الأحداث الأوروبية.
وهذا المزيج يجعل الانتخابات العامة الألمانية المقبلة لحظة محورية في مستقبل القارة، وتذكر أن أمن بريطانيا وازدهارها مرتبطان حتماً بهذه القارة، سواء أحببنا ذلك أم لا.. لقد غادرنا الاتحاد الأوروبي لكننا لم نتحرك.
إن حقيقة أن الانتخابات الألمانية أصبحت حاسمة للمستقبل ليست في ظاهرها فكرة مشجعة، حيث أنتجت الانتخابات المحلية الأخيرة موجات من الدعم لحزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتشدد وحزب جديد هو حزب «العمال من أجل ألمانيا»، الذي يجمع بين أفكار اليسار المتشدد واليمين المتشدد في مزيج رهيب.
والنمط المعتاد بعد الانتخابات الفيدرالية هو أن تمر أشهر قبل أن يتسنى تشكيل حكومة في ظل نظام نسبي يبدو أنه سيجعل الاتفاق بين الحزبين الرئيسين ضرورياً لتشكيل ائتلاف جديد. ورغم أن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي بقيادة ميرتس يتقدم بفارق كبير، فإنه قد يصل إلى السلطة ببرنامج مُخفف، لكن بعد تصويت قياسي لصالح التطرف السياسي، وبعد فوات الأوان للتأثير على سياسات واشنطن أو الأحداث في أوكرانيا، وهذا لا يبدو واعداً.
3 أزمات منفصلة
إن أوروبا ـ وأعني بذلك القارة بأكملها، وليس الاتحاد الأوروبي فحسب ـ تواجه ثلاث أزمات منفصلة، تطورت ببطء، لكن كل منها تتسارع، وهي: النمو المنخفض، و«روسيا العدوانية»، وتصاعد الهجرة الجماعية. وما لم يتم التمكن من السيطرة على هذه الأزمات الثلاث، فإن النظام الأوروبي واستقراره السياسي، ونموذجه الاجتماعي، وأمنه العسكري، ومجتمعاته السلمية؛ كل ذلك معرض لخطر الانهيار.
ولا تستطيع أي دولة بمفردها حل مثل هذه الأزمات، لكن لا يمكن حلها أيضاً حتى من قِبَل الاتحاد الأوروبي من دون دولة قوية وذكية تتولى زمام المبادرة. وهذا يقودنا إلى دولة واحدة، ومن المرجح جداً أن يكون لها زعيم واحد مقبل هو فريدريش ميرتس، فانتخابه سيعطي دفعة قوية لتخلص القارة من أزمتها.
بحلول الوقت الذي تتاح فيه الفرصة لميرتس لتولي السلطة في عام 2025، ربما يكون ترامب قد فاقم مصائب الاقتصادات الأوروبية بالرسوم الجمركية. وتتعرض صناعة السيارات الألمانية للخطر بشكل خاص. وفي أوكرانيا من شأن المفاوضات التي سيرعاها ترامب أن تؤدي إلى تصعيد الحرب، أو قد تؤدي إلى فرض هدنة مهينة وغير مستدامة، وقد تكون سياسات الهجرة التي تنتهجها الدول الأوروبية، وعقد الصفقات مع دول شمال إفريقيا وإغلاق الحدود، فوضوية للغاية.
تخفيف حدة الديون
هل سيصل ميرتس بتفويض كافٍ وسياسات قوية بما يكفي لمعالجة الأزمات الثلاث الكبرى وتوفير بعض الأمل؟
نعم.. إذا حقق فوزاً انتخابياً كبيراً بما يكفي وحصل على الثقة اللازمة لإطلاق مبادرة دولية، فهذا ممكن. وخلال هذا الشهر، فتح ميرتس الباب للمرة الأولى أمام إمكانية تخفيف حدة الديون، ما قد يسمح لأكبر اقتصاد في أوروبا بالاستثمار بشكل أكبر في البنية الأساسية والأبحاث والدفاع. ويعيد حزبه النظر في التخلي عن الطاقة النووية، وقد دعا منذ فترة طويلة إلى خفض الضرائب وتقليل البيروقراطية وتوفير طاقة أرخص لألمانيا من أجل استعادة قدرتها التنافسية.
لقد دعم ميرتس تسليم الصواريخ طويلة المدى إلى أوكرانيا، بما في ذلك صاروخ «توروس» الألماني الذي كان مطلوباً بشدة لفترة طويلة، وكان واضحاً في أن «أوكرانيا يجب أن تفوز بهذه الحرب». وهناك كل الأسباب للاعتقاد بأنه سيضيف تحسناً كبيراً.
إن أوروبا بأكملها بحاجة إلى دفعة ضخمة للاستثمار في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الرقمية وإلا فإنها ستتخلف عن الركب.
إنها بحاجة إلى تغيير تدريجي في عمل الصناعات الدفاعية، مثل اتفاق ترينيتي هاوس بين لندن وبرلين بشأن أسلحة الضربة الدقيقة، بغض النظر عما يحدث في أوكرانيا. كما أنها بحاجة إلى قواعد وسياسات جديدة للسيطرة على الهجرة وإلا فإن حرية التنقل داخل أوروبا ستنتهي. عن «التايمز»
ويليام هيغ*
*وزير الخارجية البريطانية السابق
وقف انهيار القارة
كانت حكومة حزب العمال في بريطانيا محقة في تحديد ألمانيا باعتبارها الدولة الرئيسة التي يجب أن تعزز العلاقات معها، والسؤال الآن هو ما إذا كانت ألمانيا ستحدد نفسها باعتبارها الدولة الوحيدة القادرة على وقف انهيار القارة.
إن كتاب أنجيلا ميركل، وهو أول دفاع حقيقي عن سجلها، يستحق القراءة والمناقشة، لكن الرجل الذي زُرته عندما التقيت به للمرة الأولى (فريدريش ميرتس)، بدا حاسماً وواضحاً، وسيعود إليه القرار في ما يخص قدرة ألمانيا على التخلص من يأسها، وخوفها من الديون والشعور بالذنب، وأخذ زمام القيادة إذ لم يعد بوسع أي شخص آخر أن يقوم بذلك.
• ميرتس عاد في سن الـ69 ليقود المعارضة، ومن المرجح أن يصبح المستشار القادم لألمانيا.