هجوم أوكرانيا على كورسك فشل في تحويل مسار الزحف الروسي نحو بوكروفسك
تعرّضت مغامرة الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، المتمثلة في هجومه على منطقة كورسك الروسية، لانتقادات شديدة في الوقت الذي تواصل فيه موسكو تقدمها نحو مدينة بوكروفسك الحيوية. فعلى بعد خمسة أميال فقط من المنطقة، يتقدم الروس، غير عابئين بالحملة الجريئة التي أطلقتها القوات الأوكرانية، بغزوها الأراضي الروسية في منطقة كورسك، على أمل أن تنسحب قوات موسكو من شرق أوكرانيا.
وعلى الرغم من كل النجاح السياسي الذي تحقق نتيجة للاستيلاء على أراضٍ روسية، فإن كورسك تبدو وكأنها اختيار خطأ لإشغال القوات الروسية عندما ننظر إليها من دونباس. أول من أمس، سخر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من الأوكرانيين، لفشلهم في تحقيق هدفهم، المتمثل في تعطيل الزحف الروسي نحو بوكروفسك. وقال: «كان حسابهم هو وقف عملياتنا الهجومية في أجزاء رئيسة من دونباس. والنتيجة معروفة، لم ينجحوا في وقف تقدمنا في دونباس».
خط المواجهة
وفي كلمة ألقاها أمام تلاميذ إحدى المدارس في سيبيريا، تعهد بوتين بوقف هجوم كورسك أيضاً. وقال: «يتعين علينا بطبيعة الحال أن نتعامل مع هؤلاء اللصوص الذين دخلوا الاتحاد الروسي». وتقع مدينة بوكروفسك، التي بلغ عدد سكانها قبل الحرب 60 ألف نسمة، عند مفترق طرق حيوي لخطوط السكك الحديدية، وهي مركز يتم من خلاله إمداد القوات الأوكرانية عبر شريط من خط المواجهة من فوهلدار في الجنوب حتى حدود منطقتي خاركيف ودونيتسك.
إن خسارة هذه المدينة، ستنعكس على طول خط المواجهة بالكامل، فضلاً عن تمهيد الطريق للقوات الروسية للسيطرة على منطقة دونيتسك بالكامل، وهو أحد الأهداف المعلنة منذ فترة طويلة للكرملين، بعد فشله في الاستيلاء على كييف في عام 2022.
لقد ظهرت بوكروفسك في الأفق الروسي بعد معركة أفدييفكا، على بُعد 24 ميلاً إلى الشرق، والتي انتهت بانسحاب أوكراني في فبراير. وجاءت الهزيمة هناك، عندما نفدت ذخيرة الحامية الأوكرانية، وهي نتيجة مباشرة للتأخير الطويل في المساعدات من واشنطن إلى أوكرانيا من قبل الكونغرس الأميركي. وتدور أسئلة الآن حول سبب استخدام تلك المساعدات، عندما وصلت أخيراً، لغزو كورسك، وليس لإنقاذ بوكروفسك.
ويصر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على أن عملية كورسك أبطأت القتال حول بوكروفسك، إلا أن المحللين العسكريين والجنود العاديين يختلفون معه، قائلين إن التقدم الروسي تسارع على مدى الأسابيع القليلة الماضية. وكتب فريق استخبارات الصراع، وهي مجموعة استقصائية في كييف، «لقد تجاوزت وتيرة تقدم القوات الروسية توقعاتنا، ولم تتباطأ مع اقترابها من المدينة، بل تسارعت أيضاً». وأضاف «لم يفشل الهجوم في منطقة كورسك في دفع إعادة نشر بعض القوات الروسية من دونيتسك فحسب، بل أدى أيضاً إلى تفاقم نقص الأفراد الأوكرانيين».
أما المحلل العسكري في مجموعة المعلومات «مقاومة»، أوليكساندر كوفالينكو، التي تتخذ من كييف مقراً لها، فوصف التقدم الروسي السريع نحو بوكروفسك بأنه «فشل دفاعي كامل بالنسبة للقوات الأوكرانية». وكتب على «تليغرام»، «ليس خطأ الجنود العاديين الذين يشغلون مناصبهم، وإنما تكمن المشكلة في أولئك الذين يتخذون القرارات نيابة عن هؤلاء الجنود».
وقدم زينيا، وهو جندي من «اللواء الآلي 93» الذي قاتل في المعركة الخاسرة من أجل باخموت العام الماضي، تقييماً قاتماً من الجبهة. وكتب «بصراحة، لم أرَ شيئاً كهذا من قبل، كل شيء ينهار بهذه السرعة، ستسقط بوكروفسك بشكل أسرع بكثير مما حدث لباخموت». وأشار القائد المؤقت لـ«لواء آزوف»، بوهدان كروتيفيتش إلى خريطة تُظهر الطليعة الروسية وهي تتقدم نحو بوكروفسك، وهي عبارة عن مخالب من الدروع، تمتد من دونيتسك التي تسيطر عليها روسيا. لقد تم إرساله هو ورجاله إلى الجبهة من ليمان قبل أسبوعين مع تسارع التقدم الروسي نحو بوكروفسك بشكل خطر، ولا يستطيع أن يفهم قرار الجنرالات بمحاولة وقف طليعة القوات الروسية بشكل مباشر في نايو-يورك.
ويقول كروتيفيتش، «تقول الخطة يجب علينا أن نقطع الطريق هنا من نايو- يورك، عبر النتوء، ونحاصرهم، لكن بدلاً من ذلك، سنحاصر أنفسنا». إن الميزة الروسية في القوة البشرية هنا ساحقة، حيث إنهم يتفوقون في العدد على الأوكرانيين بأكثر من ثلاثة إلى واحد.
ويضيف، «الروس عادة يرسلون وحدات صغيرة من جنديين أو أربعة جنود، لتقييد العدو على الأرض، وبينما نركض وراء أربعة رجال، يتقدمون في مكان آخر. إن هذا التكتيك انتحاري ولكنه فعّال، وهم قادرون على تحمله، لديهم 120 مليون نسمة».
ويعرض كروتيفيتش صوراً التقطتها طائرات بدون طيار لحادثة قريبة لجأ فيها رجاله إلى إشعال النار في الإطارات، لإخراج الجنود الروس من القبو إلى بنادقهم المنتظرة. وأضاف كروتيفيتش واصفاً كيف تتناثر جثث الجنود الروس في المدينة المدمرة جزئياً، ما يتسبب في تعفن الهواء، «إنهم يخسرون الكثير من الرجال هنا، أكثر بكثير منا».
ويضيف، «مازالوا يأتون. في كورسك، يقصفون بالمدفعية، وينشرون الألوية فقط للحفاظ على مواقعهم. أفضل ما يمكنهم فعله في كورسك، هو الاستيلاء على كل شيء والخروج والقدوم إلى هنا».
مغادرة
في بوكروفسك، يجد المدنيون الذين يؤجلون اتخاذ قرار المغادرة أو البقاء أن وقتهم ينفد. تم إغلاق مبنى الإدارة، وأغلقت السلطات المحلية أبوابها. وتُظهر لوحة إعلانية كُتب عليها «المساعدة في الإخلاء» بأحرف حمراء داكنة، رقم الهاتف الذي يمكن الاتصال به، للحصول على المساعدة.
كانت تامارا، (61 عاماً)، تجهز سيارتها استعداداً للمغادرة إلى كييف، حيث انتقل أطفالها بالفعل، بعد أن أصيب المنزل وتضرر بسبب القصف. وتقول «لا أعرف ما يحدث، ولا أعرف ما إذا كان الروس سيأتون حقاً أم لا، لكنني أريد أن أغتنم هذه الفرصة».
عند أنبوب عام، كان الناس يملأون حاويات المياه، للاحتفاظ بها في الأقبية، حيث يخططون للاحتماء من التقدم. «لقد عملت طوال حياتي لشراء منزلي»، قال سيرهي، (37 عاماً)، «لن أتركه لهؤلاء».
ويقول كروتيفيتش، إن خسارة بوكروفسك لا تعني بالضرورة خسارة أوكرانيا أو حتى دونباس، لكن الوقت ينفد أمام الجانب الأوكراني لتغيير مساره. ويضيف «إذا لم يتغير شيء، فإن الروس سيواصلون بعد بوكروفسك إلى سلوفيانسك وكراماتورسك»، وهما مدينتان سيطر عليهما وكلاء روسيا لفترة وجيزة في صراع دونباس عام 2014. واختتم بقوله «لقد كانت المرة الأولى احتلالاً ناعماً، لكن لن يكون الأمر ناعماً هذه المرة». عن «التايمز» اللندنية
• سخر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من الأوكرانيين، لفشلهم في تحقيق هدفهم. وقال: «كان حسابهم هو وقف عملياتنا الهجومية في أجزاء رئيسة من دونباس. والنتيجة معروفة، لم ينجحوا في وقف تقدمنا».
• يصر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على أن عملية كورسك أبطأت القتال حول بوكروفسك، إلا أن المحللين العسكريين والجنود العاديين يختلفون معه، قائلين إن التقدم الروسي تسارع على مدى الأسابيع القليلة الماضية.