«منافسة القوى العظمى» تحتم على أميركا التعلم من الدروس الصينية
تتحدى الصين وروسيا الدول والمؤسسات في جميع أنحاء العالم وعلى رأسها الولايات المتحدة في ما أصبح يُعرف باسم «منافسة القوى العظمى»، للسيطرة على العالم. وكما قال مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، كريستوفر راي، عام 2020: «تشارك الصين في جهد شامل على مستوى الدولة لتصبح القوة العظمى الوحيدة في العالم بأي وسيلة ضرورية». وهناك أدلة واسعة النطاق وموثقة جيداً ومتاحة للجمهور على مدار العام، ترسم معاً صورة واضحة بأن الصين تشكل تهديداً مباشراً ليس فقط للولايات المتحدة، ولكن لجميع الدول الليبرالية.
ولكي تفوز في «منافسة القوى العظمى» ينبغي أن تعيد الولايات المتحدة النظر في الطريقة التي تتعامل بها مع العالم، بما في ذلك الطريقة التي تنشر بها المساعدات الخارجية، حيث إنه اعتباراً من عام 2019، كانت الولايات المتحدة أكبر مانح للمساعدات الخارجية في العالم. وعلى الرغم من أن المساعدات الخارجية تمثّل نحو 1% من الميزانية الفيدرالية الأميركية اعتباراً من عام 2019، فإنها لا تزال تمثل عنصراً رئيساً في الجوانب الدبلوماسية والاقتصادية للقوة الأميركية. وينبغي للولايات المتحدة أن تتعلم من الاستثمارات الفعالة التي تقوم بها الصين، وتستفيد من الشركات الصينية، والشروط الأمنية. ومن خلال التعلم من هذه العناصر الثلاثة الأساسية التي تستخدمها الصين بفاعلية، يمكن للولايات المتحدة أن تجعل نسبة 1% تذهب إلى أبعد من ذلك بكثير.
المساعدات والأمن القومي
في عام 2013، أطلقت الصين برنامجاً عالمياً يسمى مبادرة الحزام والطريق. وهذه المبادرة التي يشار إليها أحياناً باسم «طريق الحرير الحديث»، تدمج معاً السياسة والتجارة والبشر والمؤسسات المالية، مع التركيز على تطوير البنية الأساسية. ولكن على الرغم من تسويق مبادرة الحزام والطريق باعتبارها محاولة لإنشاء طرق تجارية آمنة، وفرص اقتصادية في جميع أنحاء العالم، فإنها غالباً ما تنطوي على استثمار الصين في الدول الأجنبية بطرق تعود بالنفع على الصين أكثر من الدول المضيفة. إن الربط بين الأهداف الاقتصادية والجيوسياسية التي تسعى الصين إلى تحقيقها في هذا الجهد يذكّرنا بالربح الذي يمكن الحصول عليه من خلال الاستثمار المترابط.
ولكي تفوز أميركا باتفاقية الشراكة الاقتصادية والإنسانية، يتعين عليها أن تضمن تصميم وتنفيذ الأمن القومي والنتائج الاقتصادية والإنسانية في انسجام تام. ويتعين على جهاز التنمية الأميركي أن يتطور لتحقيق هذا التناغم. وبوسع الولايات المتحدة أن تتعلم مما نجحت فيه الصين، مع ضمان تنفيذ هذه الجهود بما يتماشى مع القيم الليبرالية.
التعاقد مع الشركات الأميركية
لقد انتقد المجتمع الدولي الصين لاستخدامها عدداً أقل كثيراً من الشركات المحلية في التعاقد، مقارنة بشركاء التنمية الآخرين. ومع ذلك، فإن استخدام الشركات الصينية في أغلب هذه المشاريع يعني أن إنفاق حكومتها عليها له تأثير إيجابي مباشر في الشركات الصينية. وتبلغ نسبة الشركات الصينية الممولة من الصين نحو 89%، وبالنسبة للمشاريع التي تموّلها بنوك التنمية المتعددة الأطراف، فإن 29% منها مملوكة للصين.
الولايات المتحدة قادرة على التعلم من الفوائد الاقتصادية التي تعود على اقتصادها من استخدام الشركات الأميركية، فضلاً عن الحاجة إلى إشراك الشركاء المحليين، من خلال اشتراط التعاقد على جميع دولارات التنمية مع شركات أميركية، بالشراكة مع شركة محلية لجميع السلع والخدمات، مع استثناءات على أساس كل حالة على حدة. وسيمكّن هذا النموذج الشركات الأميركية من توجيه المشاريع الخاصة في البلدان المضيفة، مع ضمان إعطاء الحكومة الأميركية الأولوية المناسبة للمصالح التجارية الأميركية.
هناك بالفعل متطلبات تفضيلية مماثلة سارية المفعول للرحلات الجوية الحكومية الأميركية والتعاقدات المحلية. ويمكن أن تكون هذه بمثابة نماذج لإطار مماثل، لمواءمة أموال الحكومة الأميركية التي يتم إنفاقها في الخارج مع المصالح التجارية الأميركية، من خلال تشجيع الشراكات مع البلد المضيف.
ويتعرض نهج مبادرة الحزام والطريق للانتقاد من طرف المجتمع الدولي، لعدم الالتزام بالمعايير الدولية، بما في ذلك إعادة الهيكلة للبلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، وفي أسوأ الأحوال، هيكلة الصفقات التي من المرجح أن تفشل عمداً. ويشار إلى هذا الأخير باسم «دبلوماسية فخ الديون»، لأن هذا الدين يُستخدم بعد ذلك كوسيلة ضغط لإجبار الدولة المضيفة على تقديم تنازلات لم تكن لتمنحها لولا ذلك. ويتم تشجيع البلدان غير القادرة على سداد هذه الديون على التنازل عن حقوق الأراضي أو الموارد الطبيعية في مقابل الإعفاء، أو كليهما، كما هو الحال في طاجيكستان. وقد تؤدي هذه الصفقات أيضاً إلى تنازل البلدان عن السيطرة على أغلبية الأسهم في الشركات المملوكة للدولة، لصالح الصين في مقابل الإعفاء من الديون، مثل منح لاووس جمهورية الصين الشعبية أغلبية ملكية في شبكة الكهرباء الخاصة بها. وعلى أقل تقدير، فإن قبول هذه الأموال يُلزم البلدان بدعم مواقف الصين علناً، مثل الملكية في بحر الصين الجنوبي أو في ما يتعلق بتايوان. إن مطالبة البلدان بإنشاء أو تغيير السياسات لتتماشى مع مصالح المانحين هو شيء تفعله الولايات المتحدة أيضاً، ويجب أن تستمر في القيام به. ويمكن لواشنطن أن تتعلم من مبادرة الحزام والطريق وتتبنّى الدروس المستفادة منها، مثل زيادة مشاركة الشركات الأميركية، مع تجنّب العناصر الخبيثة، مثل تحويل الديون.
إن الشروط الأمنية للاستثمار نفسه، والأفراد المشاركين فيه، لابد أن تُدرج في تخطيط كل مشاريع التنمية الأميركية المستقبلية. وهذه المتطلبات لابد أن تستند إلى أفضل الممارسات المقبولة على نطاق واسع في التنمية الاقتصادية للإسهامات المجتمعية. وفي هذا النموذج، يتعين على الدولة أو المجتمع الذي يتلقى المساعدة أن يوفر جزءاً من التمويل، إما بالدولارات أو الإسهامات العينية.
وهذا النموذج لا يساعد فقط على تعظيم مشاركة المجتمع في المشروع، بل أيضاً يضمن إعطاء المجتمع الأولوية للمساعدات الأجنبية بدلاً من مجرد هذه المشاريع التي تعكس أولويات الدول الأجنبية، كما تضمن هذه الممارسة أن المشاريع تجتذب أوسع نطاق ممكن من الخبرات والآفاق التنموية.
إن هذا التخطيط الأمني لابد أن يشمل أيضاً زيادة الاهتمام بالأجهزة والبرامج المستخدمة في المشاريع. ومن المعروف جيداً أن الصين تصدّر تكنولوجيا التعرف إلى الوجه والبنية الأساسية السيبرانية التي تنتهك الخصوصية، كجزء من مبادرة الحزام والطريق. كما تمنح الصين الأولوية للاستثمارات في الملكية والتشغيل، إلى حد كبير، من خلال مبادرة الحزام والطريق، في الموانئ البحرية. وينبغي للتنمية الاقتصادية في الولايات المتحدة أن تسعى إلى تطوير وتبني معايير البنية الأساسية، سواء المادية أو السيبرانية، بما يتماشى مع قدرات البلدان المضيفة، والعمل على تثقيف الشركاء والحلفاء حول أهمية الاتفاق على هذه المعايير على نطاق واسع، كشرط مسبق للاستثمار. عن «ناشيونال إنتريست»
• الولايات المتحدة قادرة على التعلم من الفوائد الاقتصادية التي تعود على اقتصادها من استخدام الشركات الأميركية، فضلاً عن الحاجة إلى إشراك الشركاء المحليين.
• يمكن لواشنطن أن تتعلم من مبادرة الحزام والطريق وتتبنى الدروس المستفادة منها، مثل زيادة مشاركة الشركات الأميركية، مع تجنّب العناصر الخبيثة، مثل تحويل الديون.