محللة روسية: برنامج بوتين الرئاسي ركّز على ما هو أبعد من أوكرانيا
ترى المحللة الروسية، تاتيانا ستانوفايا، أنه في الوقت الذي يعد فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين العُدة لخوض معركة إعادة انتخابه في غضون أقل من ثلاثة أسابيع للفوز بولاية رئاسية خامسة، لم يكلف نفسه عناء صياغة برنامج، واختار بدلاً من ذلك أن يستخدم منصّة خطابه السنوي الخاص بحالة الأمة، يوم الخميس الماضي، كفرصة مناسبة لتدشين حملته الانتخابية.
وقالت ستانوفايا، المتخصصة في مجال السياسة الروسية والسياسة الخارجية في تقرير نشرته مؤسسة «كارنيجي للسلام الدولي»، إنه «ليس مستغرباً أن بوتين بدأ بالأمر الذي يهمه كثيراً شخصياً وهو الحرب في أوكرانيا».
ونقل خطاب بوتين لمجلسي البرلمان الروسي شعوراً ملموساً بأن هذه لحظة محورية، فمن وجهة نظر القيادة الروسية، حققت روسيا نوعاً ما من الإنجاز الجيوسياسي، مرسّخة بذلك تفوقها الاستراتيجي الطويل المدى.
وفي خطاب العام الماضي، بدا أن بوتين يعتقد أنه لم يتم بعد حسم المواجهة. وكان ذلك الخطاب يتسم بالانفعالات العاطفية وملاحظات المرارة والاستياء. والآن، تصرف الرئيس كما لو كان متأكداً من أنه تم تجاوز الخط الحاسم، وكان خطابه ينم عن الشعور بالفخر والثقة. وأعلن بوتين أن روسيا ملكت زمام المبادرة العسكرية وتواصل الهجوم.
وقالت ستانوفايا إن «آفاق هذه (الحرب المقدسة) اتسعت الآن. وفي العام الماضي، ركز بوتين على حماية (أرضنا)، واعتمد على لغة دفاعية حتى تنم عن التضحية، وهذا العام، بدا منتصراً، ويتحدث ليس نيابة عن ضحية جيوسياسية، ولكن (كقوة هائلة ولا تقهر)».
وأضافت ستانوفايا أن «هذا التغيير يمكن تفسيره بإيمان الكرملين المتزايد بتفوق روسيا العسكري في الحرب ضد أوكرانيا، وشعور بضعف الغرب وتشرذمه». وأوضح الرئيس الروسي، أيضاً، أن «جدول أعماله لا يتوقف عند أوكرانيا». واستخدم الخطاب ليقدم روسيا «كمعقل للقيم التقليدية التي تعد الأساس الذي تقوم عليه الحضارة البشرية»، و«كايديولوجية جيوسياسية» تدعمها أغلبية الشعوب في العالم، بما في ذلك ملايين في الدول الغربية.
وتابعت ستانوفايا أن «التقليل من شأن طموح هذه الكلمات سيكون خطأ جسيماً. فهذه ليست دعاية جوفاء، ولكنها انعكاس لخطط التوسع الأيديولوجي وتصدير (العقيدة البوتينية) إلى الدول الغربية، والعمل النشط مع (الأصدقاء) المحتملين».
توجه سياسي
عندما يتحدث بوتين عن «الربيع الروسي الأسطوري» ونوفو روسيا (المنطقة الواقعة شمال البحر الأسود وشبه جزيرة القرم)، وعندما يمجد قتال الأفراد العسكريين في الحرب، ويفتخر بإخلاصهم لوطنهم وتضامنهم واستعدادهم للعمل على مدار الساعة وبذلهم كل ما في وسعهم، فإنه يحدد توجهاً سياسياً للتعبئة قبل الحرب.
وسيصبح ذلك النهج الاسترشادي للإدارة الرئاسية، وأجهزة الشرطة والأمن، والسلطات الإقليمية، ومديري المدارس والجامعات، والرؤساء التنفيذيين للشركات المملوكة للدولة، والإدارة العليا لوسائل الإعلام.
ويدعو الرئيس بالفعل هؤلاء إلى قمع أي مظهر لعدم الولاء والشعور المناهض للحرب أو التشكيك في إجراءات النظام. ورسالة بوتين واضحة تماماً، ومفادها «كل الأشخاص معنا»، وأن «كل شيء لا يتناسب مع صورة التضامن يتم تجريمه بالقوة».
وتقول المحللة الروسية إن «هديته الرئيسة قبل الانتخابات كانت ضمان الحماية من هزيمة استراتيجية، ومن خطط الغرب الغادرة لتحويل روسيا إلى (دولة تابعة) تتهاوى وفضاء يموت، حيث يمكنهم فعل ما يحلو لهم».
ويجسّد هذا الاقتباس من خطاب بوتين تعليقاً للنائب الأول السابق لرئيس الأركان، فياتشيسلاف فولودين، قال فيه: «بدون بوتين، لا وجود لروسيا». واليوم يمكن تحديثه إلى «بدون الحرب، لن تكون هناك روسيا».
وهذه الرسالة للغرب ربما كانت العنصر الأكثر أهمية لخطابه. وكان بوتين متحرراً في تهديداته، مشيراً إلى أن «القوى النووية في حالة استعداد قتالي كامل»، وأنه تم تسليم منظومة «سارمات» الصاروخية الاستراتيجية إلى القوات، كما أن أنظمة صواريخ «كينجال» و«تسيركون»، التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، يتم استخدامها بالفعل، من بين أمور أخرى.
وأوضحت السلطات الروسية بالفعل أنها مستعدة للدخول في حوار استراتيجي مع واشنطن على أساس شامل، في إطار البحث عن حل بشأن أوكرانيا. ويعني هذا في الواقع أن روسيا تطالب بأن توافق الولايات المتحدة على تقسيم أوكرانيا، وهذا أمر غير واقعي في ظل الظروف الحالية.
وفي خطابه، وصف بوتين المقترحات الخاصة بالحوار بأنها «ديماغوجية»، ونفى أن لديه أي خطط لنشر أسلحة نووية في الفضاء، مثلما ذكرت أخيراً، وسائل إعلام غربية، وقال إن «مثل هذه المزاعم محاولة من جانب الغرب لجر روسيا إلى مفاوضات، لن تفيد إلا الولايات المتحدة».
مخاوف متزايدة
ورأى بوتين، أيضاً، أنه من الضروري الرد على المخاوف المتزايدة بأن روسيا تعتزم مهاجمة أوروبا. وفي سياق رفض مثل هذه المخاوف بوصفها «هراء»، أطلق على الفور المزاعم نفسها على الغرب، متهماً إياه بالتخطيط لشن هجمات على الأراضي الروسية. وأشار الرئيس الروسي، أيضاً، إلى عدم استبعاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أخيراً، إرسال قوات من حلف شمال الأطلسي (ناتو) إلى أوكرانيا، قائلاً: «إن هذا الأمر ستكون له تداعيات أكثر خطورة، مما واجهه أعداء سابقون، نظراً لأن التهديد بنزاع نووي يعني من المحتمل نهاية الحضارة».
وكان يجب أن يكون خطاب بوتين مجرد إجراء شكلي قبل الانتخابات، ولكنه خلق انطباعاً مروعاً للغاية بانطلاق موجة تصعيد. وتدخل روسيا تدريجياً في تعبئة سياسية وعسكرية شاملة. ولا يتم إرسال الأشخاص بشكل جماعي إلى الجبهة (وفي الحقيقة ليس من المرجح أن يتم ذلك في المستقبل القريب)، ولكن إطار خط الجبهة بدأ يتغلغل في كل جوانب الحياة المدنية، من فرض «القيم التقليدية» إلى رعاية «أبطال العملية العسكرية الخاصة»، الذين يحاول بوتين الآن رفعهم إلى مصاف «النخبة الحقيقية». ويبدو أن الرئيس يقول لكل من العالم ولأولئك الروس العاجزين المنزويين الذين يعارضون الحرب: «نحن الذين بأيدينا الأمر والنهي هنا».
ووسط الوفاة الصادمة للزعيم المعارض السجين، آليكسي نافالني، والإجراءات المثيرة للسخرية لعرقلة جنازته، ازداد الشعور باليأس في كل مكان: في أوكرانيا وفي روسيا بين معارضي النظام والحرب، وفي الغرب بين أولئك الذين يخشون «نصراً» روسياً.
واختتمت ستانوفايا تقريرها بالقول إن «هذا في حد ذاته يُعدّ عنصراً آخر للتصعيد، لأن الشعور باليأس يمكن أن يؤدي إلى تداعيات مروعة».
• السلطات الروسية مستعدة للدخول في حوار استراتيجي مع واشنطن، للبحث عن حل بشأن أوكرانيا.
• نفى بوتين أن لديه أي خطط لنشر أسلحة نووية في الفضاء، مثلما ذكرت أخيراً، وسائل إعلام غربية.