ماسك يثير غضب قادة أوروبيين لدعمه «اليمين المتطرف»
يمارس الملياردير الأميركي، إيلون ماسك، الذي أصبح أحد أعضاء فريق إدارة الرئيس المنتخب، دونالد ترامب، سياسة خارجية تجاه أوروبا تروّج للأحزاب اليمينية المتطرفة، ما أثار الغضب بين قادة الدول الأوروبية، وورطهم في مشكلة تتمثل بكيفية الرد عليه من دون إثارة غضب رئيسه ترامب.
ولا يمكن تجاهل ماسك أو استبعاده بسهولة، كونه يُعدّ شخصاً غير عادي، إذ إنه يملك بعض أكثر الشركات استراتيجية وتأثيراً في العالم، مثل: «تسلا» و«سبيس إكس»، كما يملك ويدير منصة «إكس» التي تُعدّ من بين أقوى منصات التواصل الاجتماعي.
ويسلّط ماسك الضوء على نفوذه الهائل كقوة شعبوية تحشد المحرضين السياسيين كنوع من القوة غير الوطنية التي لا تتبع أي دولة.
ويبدو أن ماسك، يستعرض الاضطراب الدولي، الذي على الأرجح ينتظر الرئيس المنتخب عندما يعود إلى البيت الأبيض قريباً، فضلاً عن الصراعات المحتملة على المصالح في المستقبل، وذلك لأن مالك «إكس» لن يكون وكيلاً حراً قوياً فحسب، بل سيكون مستشاراً داخلياً للحكومة الأميركية الجديدة على رأس وزارة الكفاءة الحكومية، لذلك سيكون من الصعب معرفة أين تنتهي سياسة ماسك، وتبدأ السياسة الخارجية الأميركية الرسمية.
وبالنسبة للخارج، فإن «هجمات» ماسك على المسؤولين الأوروبيين المنتخبين الذين يختلف معهم، تشكل خطراً بأن تصبح محاولة من قبل حكومة الولايات المتحدة المستقبلية للتدخل في سياسة مثيلاتها من الدول الديمقراطية، والدول ذات السيادة بغية زعزعة استقرار حكوماتها.
تساؤلات
وتثير تحركات ماسك، تساؤلاً مفاده، ما إذا كان يعمل بناء على توجيهات ترامب، الذي يعده قدوة في «الاضطراب» أو قد ينتهي به الأمر قريباً إلى إزعاج الرئيس الـ47 وهو يحاول وضع بصمته على العالم.
ويقول المدير الإداري والزميل البارز في صندوق «مارشال» الألماني، ليندسي غورمان: «هل يحمل ماسك أجندة السياسة الخارجية لترامب، ويعمل كسفير شخصي لترامب في جميع الأماكن؟ أو أن ماسك يطرح وجهة نظره حول القضايا العالمية التي قد تتوافق مع ترامب في بعض النواحي، لكن ليس في نواحٍ أخرى، وبعد ذلك، ما ديناميكيات القوة بينهما»؟
ويُعدّ استعداد ترامب لتحمّل «الهجمات الشرسة» التي يقوم بها ماسك ضد قادة عدد من الدول الحليفة، علامة على أن الأشهر المقبلة يمكن أن تكون أكثر صعوبة بالنسبة لأصدقاء أميركا من ولاية ترامب الأولى، وقد تجلى هذا الواقع أخيراً عندما أعلن رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو استقالته.
لقد أهدر ترودو منذ فترة طويلة ثقة الكنديين وحزبه الليبرالي، غير أن تهديدات ترامب بفرض تعريفات جمركية بنسبة 25% على الواردات الكندية، أدت إلى تفاقم الأزمة السياسية في أوتاوا، وربما عجلت برحيل خصم، وصفه ترامب بأنه «حاكم» الولاية الأميركية رقم 51. ويمثّل الشعور الواضح بالحرية التي يشعر بها ترامب وماسك في لعب السياسة بالخارج إشارة أيضاً إلى الثقة بالذات في حركة «اجعل أميركا عظيمة من جديد» قبل حفل تنصيب ترامب. وهما يظهران اعتقاداً بأن قوتهما تسمح لهما بالتنمر على الدول الصغيرة، وربما قد تنذر بتجسيد جديد وأكثر وقاحة لشعار «أميركا أولاً».
انتقادات
أدت «هجمات» ماسك على قادة أوروبيين من خلال منصة «إكس» الذي يتابعه عبرها 211 مليون شخص، إلى استياء شديد ونفاد صبر بعض قادة الدول التي تُعدّ من أقرب حلفاء أميركا التقليديين، وأثارت التوترات عبر الأطلسي قبيل بدء ولاية ترامب الثانية.
فقد حذّر رئيس الحكومة البريطانية كير ستارمر، الذي استهدفه ماسك قبل أسابيع عدة، بأن مالك «إكس»، تجاوز «حدوده»، بعد أن قال إن الوزير البريطاني المسؤول عن حماية الأطفال يجب أن يدخل السجن، وأنه كان يدافع عن الاغتصاب. وتعرّض ستارمر نفسه للانتقاد من ماسك بشأن قضية اعتداء جنسي تاريخية في المملكة المتحدة.
كما اتهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الملياردير الأميركي بأنه يغذي «حركة رجعية عالمية»، وأنه يتدخل في الانتخابات.
وندد المستشار الألماني أولاف شولتس، بدعم صاحب شركتي «تسلا» و«سبيس إكس» لحزب «البديل من أجل ألمانيا» المنتمي إلى أقصى اليمين والمعروف بدعمه لروسيا.
من جهته، قال رئيس الحكومة النرويجية يوناس غار ستور، إنه يجد «من المثير للقلق» أن يتدخل شخص لديه كل هذه الثروة والنفوذ في سياسة الدول الأوروبية.
إيديولوجية ترامب
ويظهر هذا الغضب الذي أثاره ماسك، جوهر إيديولوجية ترامب المتمثلة في حركة «اجعل أميركا عظيمة من جديد»، فهو يلاحق السياسيين المؤسسين، ويسعى إلى الترويج للشعبويين اليمينيين المتطرفين المنبوذين الذين تعكس آراؤهم وأمزجتهم آراء وتطلعات الرئيس المنتخب.
وفي أوروبا، كما هي الحال في الولايات المتحدة، أصبح العديد من الناخبين مستائين من الحكومات التي يعتقدون أنها فشلت في تحسين أوضاعهم الاقتصادية ووقف الهجرة.
ويرى العديد من الأميركيين أن ماسك يمارس حقوقه التي يكفلها له التعديل الأول في الدستور، لكن في أوروبا، وهي القارة المسكونة بهاجس الرعب من اليمينيين المتطرفين، فإن دعمه للشعبوية «الراديكالية» يعدها العديد من القادة بأنها مسيئة، وليست مثالاً على حرية التعبير، بل هي محاولة لخنق الحريات والديمقراطية.
السياسة الخارجية
لطالما كانت السياسة الخارجية لترامب متعارضة مع سياسات وتصرفات قادة الغرب من يسار الوسط، وهذا ربما يساعد على فهم الطريقة التي تعامل بها ترامب مع ترودو، الذي على الأرجح سيخلفه زعيم حزب محافظ، هو بيير بويليفير، الذي يتشارك مع ترامب ببعض السمات الشعبوية، لكنه يدين وصف ترامب لكندا بأنها الولاية الأميركية الـ51.
وبصورة مماثلة، إذا كان ماسك يحاول زعزعة ستارمر، فإن تصرفه هذا نابع من عدم فهم للديناميكية السياسية لبريطانيا.
ووجد ستارمر نفسه مجبراً على الرد على ماسك الذي لجأ إلى موقع «إكس» كي يتهمه بأنه شريك في فضيحة تاريخية لتعذيب الأطفال والتي تعامل معها عندما كان مديراً للمدعين العامين.
وقال ستارمر إن «الذين ينشرون الأكاذيب والمعلومات المضللة، هم غير مهتمين بالضحايا بقدر اهتمامهم بأنفسهم، وعندما تؤدي سموم اليمين المتطرف إلى تهديدات خطرة للآخرين، فإن ذلك يُعدّ تجاوزاً للخطوط الحمر».
وعلى الرغم من رد ستارمر فإنه لا يرحب، مثل بقية القادة الآخرين، في المبالغة، لأنه يريد إقامة علاقة مع ترامب كي تتجنب دولته أسوأ العواقب الناجمة عن السياسة الخارجية الجديدة المبنية على فرض القوة الأميركية على الأصدقاء والأعداء على حد سواء.
غير أن سوء العلاقات بين طرفي الأطلسي يمكن أن يواجه عواقبها ترامب نفسه، إذ إنه على الرغم من سوء تعامله مع أولئك القادة فإنه قد يحتاج إلى مساعدة حلفاء أميركا في يوم من الأيام، وتصرفات ماسك تجعل من الصعب عليهم استيعاب الرئيس الأميركي المقبل الذي لا يحظى بشعبية كبيرة في العديد من بلدانهم. عن «سي إن إن»
المعارضة أكثر انسجاماً مع ترامب
إذا كانت هناك استراتيجية في تحريض إيلون ماسك للحشود، فهي أن قوى المعارضة الأوروبية أكثر انسجاماً مع غرائز الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، المناهضة للهجرة والتجارة الحرة من القادة الحاليين على رأس هذه الدول، وربما يأمل ترامب في الترويج للمحاورين السياسيين الذين قد يكونون أكثر تعاطفاً معه.
وفي فرنسا، على سبيل المثال، يمكن أن يحظى حزب التجمع الوطني (المعروف سابقاً الجبهة الوطنية)، الذي تتزعمه مارين لوبان، بأفضل فرصة له للفوز في نظام الجولتين الانتخابيتين الرئاسيتين في عام 2027، في حين أنه من غير المرجح أن يشكل «حزب البديل من أجل ألمانيا» الحكومة في النظام الألماني الذي يشجع على الائتلافات، وربما يتزايد نفوذه بعد الانتخابات الفيدرالية في فبراير المقبل.
واستقبل ترامب زعماء اليمين المتطرف في أوروبا في منتجع «مارا لاغو»، بمن فيهم رئيس حكومة المجر فيكتور أوربان، ورئيسة حكومة إيطاليا جيورجيا ميلوني، التي ربما تكون أقوى زعيمة وطنية في الاتحاد الأوروبي في الوقت الحالي.
. ستارمر أكد أن ماسك تجاوز حدوده.. وماكرون اتهمه بأنه يغذي «حركة رجعية عالمية».