اخبار الامارات

كيف ترى بكين تردد واشنطن بين «الغموض الاستراتيجي» والوضوح بشأن تايوان

احتفظت الولايات المتحدة على مدار عقود بسياسة «الغموض الاستراتيجي» في ما يتعلق بالتعامل مع تايوان، لإيجاد حالة من عدم اليقين المتعمدة لدى بكين وتايبيه بشأن ما إذا كانت واشنطن ستتدخل في حرب محتملة، لكن واشنطن تخلت أخيراً عن هذا الغموض، وكشفت عن موقف واضح من جانبها حال حدوث غزو صيني للجزيرة التي تتمتع بالحكم الذاتي.

ويقول جوردون جي تشانغ، وهو أستاذ جامعي وكاتب ومؤرخ أميركي، اشتهر بكتابه «الانهيار القادم للصين»، في تقرير نشره معهد جيتستون الأميركي، إن بكين خفضت بشكل كبير منطقة حظر طيران مدتها ثلاثة أيام، كانت أعلنتها شمال شرق تايوان. وتم تقليص المنطقة، التي كان من المقرر أن تمتد من 16 إلى 18 من هذا الشهر، إلى 27 دقيقة فقط يوم 16 أبريل.

وقالت إدارة السلامة البحرية الصينية إن الإغلاق كان بسبب أنشطة فضائية. وستعود المرحلة الأولية من مركبة إطلاق فضائية صينية إلى الأرض في ذلك الوقت، على ما يبدو.

وقالت تايوان إنها اعترضت على مدة المنطقة الصينية التي أعلنت في البداية. واشتكى آخرون، بما في ذلك سلطات الطيران، إلى بكين أيضاً.

استجابة للضغط

ويظهر الخفض الكبير في المدة أن الصين تستجيب للضغط. ويتساءل تشانغ: هل يستطيع المجتمع الدولي الضغط على الصين للتخلي عن مساعيها لاستيعاب جمهورية الصين (تايوان)، كما تعرف الجزيرة رسمياً؟

وتقول بكين إن موقفها لا يتزعزع بشأن تايوان. وكما أعلنت وزارة الخارجية الصينية في أغسطس الماضي: «لا يوجد سوى صين واحدة في العالم، وتايوان جزء لا يتجزأ من أراضي الصين، وحكومة جمهورية الصين الشعبية هي الحكومة الشرعية الوحيدة التي تمثل الصين بالكامل».

وعلى مدار تاريخ «الجمهورية الشعبية»، كانت السياسات الخارجية للبلاد مرتبطة بشدة بالمؤامرات السياسية الداخلية، وكانت تتغير وفقاً لذلك. وفي الوقت الحالي، فإن الشكل المفضل للدبلوماسية بالنسبة للرئيس شي جين بينغ هو الترهيب، لذلك يحاول أن يجعل الأمر يبدو وكأنه لن يغير مواقفه أبداً.

ويرى تشانغ أنه يمكنه أن يتغير، حتى في تايوان. ونظراً للسياسات الأميركية الصحيحة، من الممكن ردع النظام الصيني.

ويتساءل تشانغ: هل لدى واشنطن الآن سياسات صحيحة؟ ويرد بأن الولايات المتحدة حاولت على مدى عقود إدارة الوضع عبر مضيق تايوان من خلال عدم إثارة غضب بكين. وقد حافظت واشنطن على سياسة «الغموض الاستراتيجي»، وبعبارة أخرى، لم تخبر الصين أو تايوان بما ستفعله أميركا في حالة نشوب صراع وشيك.

وتم تطوير «الغموض الاستراتيجي» جزئياً لحماية تايوان من غزو الصين، ولكن بعد إضفاء الطابع الديمقراطي على الجزيرة لم يكن ذلك مصدر قلق. وعلى الرغم من تغير الظروف، أبقت واشنطن على هذه السياسة.

مدافعون

ويشير المدافعون إلى أن «الغموض الاستراتيجي» أبقى في الواقع السلام عبر مضيق تايوان ، لكن السياسة نجحت في فترة حميدة بشكل عام. ولسوء الحظ ، فإن تهديدات الرئيس الصيني المستمرة تقريباً توضح أن العصر الحالي ليس حميداً على الإطلاق.

والآن، يدعو كثيرون إلى «الوضوح الاستراتيجي»، ويخبرون القادة الصينيين بعبارات لا لبس فيها أن الولايات المتحدة ستدافع عن تايوان من هجوم صيني.

وتخلى الرئيس الأميركي جو بايدن في أربع مناسبات عن «الغموض الاستراتيجي»، وصرّح بوضوح بأن الولايات المتحدة ستقاتل. وفي برنامج «60 دقيقة» في سبتمبر الماضي، على سبيل المثال، رد بايدن على سؤال من سكوت بيلي، معلناً أن الولايات المتحدة سترسل قوات للدفاع عن تايوان إذا كان هناك في الواقع هجوم غير مسبوق.

تراجع فوري

ولسوء الحظ، تراجعت الإدارة على الفور عن بيان الرئيس الواضح. وذكرت شبكة «سي بي إس نيوز» أن مسؤولاً في البيت الأبيض قال بعد المقابلة إن سياسة الولايات المتحدة بشأن تايوان لم تتغير. وكانت كلمات بايدن، التي لا لبس فيها، في الواقع تغيراً صارخاً لسياسة «الغموض الاستراتيجي» الأميركية التي استمرت عقوداً، وفقاً لتشانغ.

وناقض مسؤولو البيت الأبيض والإدارة، سواء دون الكشف عن هويتهم أو بشكل رسمي، الرئيس في جميع المناسبات الأربع. ومن المؤكد أن الصينيين لا يرون الحزم في إدارة بايدن بل التشوش.

ويكاد يكون من المؤكد أن هذا التشوش قد شجع بكين على التصرف بشكل أكثر عدوانية.

إذاً، يتساءل تشانغ: ما الذي يجب على بايدن فعله في هذا التاريخ المتأخر لإعادة تأسيس الردع؟

ويقول إنه يجب على واشنطن أن تعرض الاعتراف بتايبيه كحكومة شرعية لـ«تايوان» إذا أرادت أن تفعل أميركا ذلك، وأن تقدم معاهدة دفاع مشترك لتايبيه، وأن تبدأ بشكل طارئ نقل الأسلحة والإمدادات إلى الجزيرة.

وسيقول كثيرون إن هذه الخطوات محفوفة بالخطر، وقد نجحت خطوات مماثلة في شبه الجزيرة الكورية. نعم، هي كذلك، لكن بايدن سمح للوضع عبر مضيق تايوان بالتدهور، لذلك عليه أن يفكر في السياسات التي كانت تعتبر متطرفة ذات يوم.

الحرب

وماذا ستفعل الصين رداً على هذه الخطوات التي يوصى بها؟ تقول بكين دائماً إن استقلال تايوان يعني الحرب.

ويقول تشانغ إن هذا البيان، في جوهره، سخيف. و«جمهورية الصين» هي بالفعل دولة مستقلة، وفقاً للمعايير المنصوص عليها في اتفاقية مونتيفيديو بشأن حقوق وواجبات الدول. وتقول بكين إن أي إعلان من تايبيه تتخلى فيه رسمياً عن مطالبها للصين هو «استقلال»، لأن ذلك سيكون بمثابة إعلان أن هناك دولتين منفصلتين، واحدة «الصين» والأخرى «تايوان».

وفي نهاية المطاف، يجب على إدارة بايدن، من أجل تأسيس الردع، امتلاك القوات في الميدان لإلحاق خسائر بالصين.

ويمكن للتاريخ أن يعيد نفسه. وفي الحرب الباردة في أوروبا، ردعت أميركا الاتحاد السوفييتي، المتفوق عسكرياً، باستعداده المعلن لاستخدام الأسلحة النووية. لذلك، من الأفضل أن يأتي بايدن بخطة سريعة.

وأعلنت قيادة المسرح الشرقي للجيش الصيني للتو أنها الآن مستعدة للقتال.

من ناحية أخرى، لا يبدو بايدن مستعداً لإعادة تأسيس الردع في عصر العدوان والعداء الصيني.

الولايات المتحدة حاولت على مدى عقود إدارة الوضع عبر مضيق تايوان من خلال عدم إثارة غضب بكين.

تم تطوير «الغموض الاستراتيجي» جزئياً لحماية تايوان من غزو الصين، ولكن بعد إضفاء الطابع الديمقراطي على الجزيرة لم يكن ذلك مصدر قلق. وعلى الرغم من تغير الظروف، أبقت واشنطن على هذه السياسة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى