فيضانات إسبانيا تكشف عن الاستقطاب العميق في البلاد
لم تتسبب الفيضانات المدمرة التي ضربت شرق إسبانيا، الأسبوع الماضي، في إحداث أضرار بشرية ومادية هائلة فحسب، بل كشفت أيضاً عن استقطاب عميق في البلاد، وتسببت في تآكل ثقة الإسبانيين المتزعزعة بالفعل بقادتهم السياسيين.
وأودت هذه الكارثة الطبيعية بحياة أكثر من 200 شخص، حتى الآن، وتسببت في فقدان العشرات، وتركت عواقبها على العديد من سكان فالنسيا من دون كهرباء ومياه شرب وخدمات اتصالات.
وكانت هناك حالة من الإحباط العام إزاء الفشل الملحوظ للسلطات في إدارة الأزمة، فقد تعرّض الملك فيليبي السادس، والملكة ليتيزيا، ورئيس الوزراء بيدرو سانشيز، ورئيس منطقة فالنسيا، كارلوس مازون، للدفع والرشق بالطين، وتم وصفهم بـ«القتلة» من قبل سكان بايبورتا، المدينة الأكثر تضرراً بالفيضانات.
ومنذ جائحة «كورونا»، استمر الإسبان في تحديد السياسيين باعتبارهم المشكلة الرئيسة للبلاد، وأنهم أسوأ من البطالة واستقلال كتالونيا والفساد أو أي شيء آخر، كما قال رئيس قسم إسبانيا في شركة استطلاعات الرأي «إيبسوس»، باكو كاماس، مضيفاً: «هذا يساعد في تفسير رد فعل الناس تجاه قادتهم في بايبورتا».
شكاوى المتضررين
ومن أهم شكاوى المتضررين من الفيضانات، عدم حصولهم على تحذير كافٍ من الحكومة الإقليمية قبل وقوع الحالة الجوية، على الرغم من توافر المعلومات من وكالة الأرصاد الجوية الوطنية، كما أن الاستجابة للمأساة كانت بطيئة، وغير فعالة، حيث كان على المتطوعين تعويض النقص بسبب عدم نشر العدد الكافي من عمال الإنقاذ وأفراد الجيش في المناطق المتضررة.
وكانت هذه الإخفاقات والتقصير الملموس من قبل السلطات، محل تدقيق في ظل المطالبات بإعادة النظر في نظام تنبيهات الأزمات في البلاد ونموذجها الإقليمي. وتتكون البلاد من 17 منطقة، بدرجات متفاوتة من الحكم الذاتي.
وقارنت المُعلقة السياسية في صحيفة «لافانجارديا»، لولا غارسيا، استجابة إسبانيا الحالية بما حدث خلال فيضانات عام 2021 في ألمانيا، وهي دولة لديها أيضاً هيكل إقليمي لا مركزي.
وقالت غارسيا: «اللامركزية السياسية في الحالة الألمانية تستند إلى فرضية تعاونية، مع حد أدنى من الولاء المؤسسي، الذي كان يختفي هنا (في إسبانيا) بمعدل ينذر بالخطر».
رد فعل عنيف
ويقارن العديد من المعلقين رد الفعل الحكومي على أزمة الفيضانات بتفجيرات قطارات مدريد عام 2004، التي شهدت رد فعل عنيفاً ضد إدارة حزب الشعب المحافظ، بعد تضليل الناخبين بشأن المسؤول عن الهجوم. وأدى التذمر العام إلى التصويت المبكر وهزيمة الحزب.
لكن في الحالة الراهنة، يبدو الوضع السياسي أكثر تعقيداً. وكما أظهرت المشاهد في بايبورتا، فإن كلاً من الحكومة الإقليمية بقيادة حزب الشعب، والحكومة المركزية بقيادة الاشتراكيين، يتحمل اللوم على سوء التعامل مع الأمور.
وقام الحاكم المحلي ورئيس الوزراء بإظهار الوحدة بعد وقوع الكارثة، حيث شكر الحاكم الإقليمي، رئيس الوزراء «لحضوره في وقت قياسي»، وبقائه على اتصال وثيق. ونادراً ما أظهر الحزبان الرئيسان في البلاد مثل هذه الوحدة في السنوات الأخيرة.
غير أنه في اليوم نفسه، شكك زعيم حزب الشعب الوطني، ألبرتو نونيز فيجو، في المعلومات التي قدمتها وكالة الأرصاد الجوية الإسبانية، وأشار إلى أن الحكومة المركزية، التي اتهمها بعدم إبقاء حزبه على اطلاع بالأحداث، هي المسؤولة. وقال فيجو: «لن أطلب من الحكومة المركزية المزيد من التعاون».
عدم إصدار تنبيهات
مع انهيار الوحدة السياسية قصيرة الأمد، ناشد الملك في بيان متلفز «الإدارات والمؤسسات» أن تتكاتف. ومنذ ذلك الحين، سار المسؤولون المحليون على خطى فيجو، وألقوا باللوم على وكالة الأرصاد، التي تشرف عليها الحكومة المركزية، لعدم إصدار تنبيهات، وهو الأمر الذي نفته مدريد.
وتعيد هذه الضغينة السياسية أذهان الإسبان إلى فترة الوباء، التي صاحبها إلقاء اللوم بين حزب الشعب والاشتراكيين.
ومع ذلك، فإن الطبيعة المادية لأحداث الأسبوع الماضي لا تشبه الاشتباكات اللفظية، أو تلك التي كانت وسائل التواصل الاجتماعي مسرحاً لها، التي شهدتها إسبانيا أثناء الوباء. وعرض اتحاد عمالي مرتبط بحزب «فوكس» اليميني المتطرف تقديم المساعدة القانونية للأفراد الذين هاجموا سيارة سانشيز الرسمية في بايبورتا.
وقالت الحكومة إنها تعتقد أن عناصر متطرفة كانت متورطة في اضطرابات الأحد الماضي. ونشرت وسائل الإعلام الإسبانية منشوراً على «واتس أب» من قبل أحد المهاجمين المزعومين، وهو عضو في مجموعة «ريفويلتا» اليمينية المتطرفة، جاء فيه: «لا أعرف ما حدث، لكن سانشيز خرج من منطقتنا حياً».
وقال رئيس قسم إسبانيا في «إيبسوس»، باكو كاماس: «إسبانيا بلد شديد الاستقطاب، وشهدنا ارتفاعاً في الاستقطاب العاطفي، على وجه الخصوص، الأمر الذي يلحق الضرر المباشر بالوحدة الاجتماعية، ويقوض الثقة بالمؤسسات». عن «بوليتيكو» الأميركية
تنبيه متأخر
اعترفت حكومة فالنسيا الإقليمية، المسؤولة عن تنسيق خدمات الطوارئ في المناطق المتضررة، بأنها أرسلت رسالة نصية قصيرة، تحذّر السكان من الكارثة الوشيكة في الساعة 8:12 مساءً، بعد ثماني ساعات من الإبلاغ عن الفيضانات الأولى، وبعد 10 ساعات من إصدار وكالة الأرصاد الجوية الوطنية الإسبانية تنبيهاً يسلّط الضوء على «الخطر الشديد» في جميع أنحاء منطقة فالنسيا.
وقال مسؤول من وزارة التحول البيئي، إنه بحلول الوقت الذي تحركت فيه السلطات في فالنسيا «كان الوضع قد تصاعد بالفعل بشكل كبير».
وأضاف المسؤول، الذي سُمح له بعدم الكشف عن هويته للحديث عن هذه المسألة «المتفجرة سياسياً»، أن «الحكومات الإقليمية في إسبانيا هي التي تتعامل مع أنظمة التحذير، وتملك سلطة إرسال تنبيهات إلى الهواتف المحمولة للمواطنين لتقييد الحركة عند الضرورة»، متسائلاً: «لماذا هذا التأخير الكبير في إرسال رسائل التنبيه إلى الهواتف المحمولة، التي تنصح بعدم السفر أو الذهاب إلى أماكن العمل؟ لا نعرف».
لكن الرسالة القصيرة التي أرسلتها الحكومة الإقليمية، والتي حذرت من هطول أمطار غزيرة، ونصحت السكان المحليين بالبقاء في منازلهم، جاءت متأخرة للغاية بالنسبة للعديد من الأشخاص الذين وجدوا أنفسهم محاصرين في منازل منخفضة ومتاجر وطرق غمرتها مياه سريعة الحركة.
. العديد من المعلقين يقارنون رد الفعل الحكومي على أزمة الفيضانات بتفجيرات قطارات مدريد عام 2004.
. أبرز شكاوى المتضررين من الفيضانات، عدم حصولهم على تحذير كافٍ قبل حدوث الحالة الجوية.