عواقب قانونية للفكاهة بالصور والمقاطع المعدلة
تغيب الحدود على وسائل التواصل الاجتماعي أحياناً بين الفكاهة والاحترام، ليتحوّل ما قد يعده طرف ما مجرد نكتة إلى نوع من التنمر الإلكتروني، من وجهة نظر الطرف الآخر.
ومن بين أبرز الأدوات الحديثة المستخدمة في هذا الإطار ما يعرف بـ«الميمز»، وهي صور أو مقاطع فيديو معدلة ومرفقة بنصوص ساخرة.
وتبدو «الميمز» في ظاهرها وسيلة للضحك والتسلية، إلا أن استخدامها بشكل غير مسؤول قد يمس بخصوصية الآخر، ويقلل من شأنه، لأنها تعتمد على تعديل الصور بأسلوب فكاهي ساخر، متجاوزة حدود المزاح لتصبح وسيلة للتشهير أو الإضرار النفسي.
وحذّر مختصون من تأثير «الميمز» في العلاقات الاجتماعية.
وأفادوا بأنها قد تعرض ناشريها أو منشئيها لعواقب قانونية، لافتين إلى أنها قد تدخل في خانة الجرائم الإلكترونية التي يُعاقب عليها القانون بالإدانة والسجن والغرامة، ما يفتح الباب لمراجعة كيفية استخدام الأدوات التكنولوجية الجديدة.
ويُعد الاستهزاء أحد الأسلحة القوية المستخدمة في التنمر، وهو يهدف إلى زعزعة استقرار الضحية وإذلالها، وقد تكون له آثار ضارة على صحته العقلية.
وتفصيلاً، تنتشر على منصات التواصل الاجتماعي مثل «إنستغرام» و«تويتر» و«فيس بوك» صور مشهورة لشخصيات عامة أو لقطات من أفلام ومسلسلات، أو حتى مشاهد مأخوذة من الحياة اليومية، بعد تعديلها وإضافة تعليق ساخر أو طريف، بهدف إثارة الضحك أو الاستهزاء.
وتصنع «الميمز» باستخدام برامج أو تطبيقات تتيح تعديل الصور والفيديوهات، وإرفاق التعليقات بها.
وذكرت المستشارة القانونية والمحامية، سارة البقيشي، أن «استخدام الصور أو الفيديوهات المعدلة للسخرية من الآخرين، حتى إن كان بقصد المزاح، يُعتبر مساساً بالكرامة»، موضحة أن المادة (44) من قانون مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية تنصّ على أن «كل من استخدم تقنية المعلومات لتعديل أو معالجة صور أو تسجيلات بقصد الإساءة أو التشهير يُعاقب بالحبس والغرامة».
وأضافت أن «القانون يحمي الأشخاص الذين يتعرضون للإساءة النفسية أو الأدبية من خلال هذه التصرفات»، مشيرة إلى أنه «يحق للمستهدفين بها رفع دعاوى جزائية، والمطالبة بتعويضات مالية، بعد صدور حكم بالإدانة».
وأكد المستشار القانوني والمحامي، راشد الحفيتي، أن استخدام صور الأشخاص، أو انفعالاتهم العفوية، بأسلوب ساخر أو تغيير ملامحهم دون علم منهم، ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي، يُعد إساءة شخصية، تعرض مرتكبيها للمساءلة.
وأشار إلى أن «القانون الإماراتي يحرص على حماية حق الأفراد في الخصوصية ويحفظ لهم كرامتهم، ويجرّم الممارسات التي تسبب ضرراً نفسياً أو أدبياً»، مضيفاً أنه «في حال تعرّض شخص لنشر صورته بتعديل ساخر أو دون موافقته، يحق له اتخاذ إجراء قانوني».
وأكّد الحفيتي أن «التعامل مع مقاطع أو صور (ميمز) الساخرة يستلزم وعياً بأثرها في الآخرين، إذ يمكن أن تتحوّل من وسيلة للترفيه إلى أداة قد تترك تأثيرات سلبية على المشاعر».
بدورها، أشارت المستشارة القانونية والمحامية فاطمة آل علي، إلى أن «مشاركة أي محتوى، سواء كان مقطع فيديو أو ردّ فعل، دون إذن من صاحبه، قد يؤدي إلى حدوث مشكلات، خصوصاً في المجموعات العائلية والمهنية، ما يسبب تدهوراً في العلاقات أو بيئة العمل».
وأضافت أن التعليقات الساخرة يمكن أن تؤثر سلباً في الحالة النفسية للضحية، وتسبب له القلق والعزلة والاكتئاب، ما يؤثر في صحته النفسية ويؤذي مشاعره.
وتابعت آل علي، أن القانون الإماراتي يجرم التنمر الإلكتروني، ويعاقب عليه بالحبس أو الغرامة أو كليهما، وفقاً لمرسوم القانون الاتحادي رقم 34 لعام 2021.
وأضافت أن بعض الأفعال التي ترتكب بدافع المزاح قد تعتبر جرائم يُعاقب عليها القانون.
وذكرت المستشارة التربوية، الدكتورة بدرية الظنحاني، أن تعديل صورة شخص ما بطريقة هزلية، يشعره بتقليص قيمته الذاتية أو يتأثر بما يراه الآخرون عنه، ما قد يسبب له الإحراج أو انعدام الثقة بالنفس، مشيرة إلى أن «السخرية المستمرة قد تزيد من مشاعر القلق الاجتماعي لدى الأفراد، وتؤدي إلى ضيق نفسي مستمر».
وأضافت أنه على الرغم من أن هذه التأثيرات قد تكون مؤقتة في البداية، فإن تكرار التعرض للصور المعدلة قد يعمق آثارها السلبية، ما يسهم في زيادة الإحراج وفقدان الثقة بالنفس، لافتة إلى ضرورة مراعاة مشاعر الآخرين، وعدم الاستهانة بهم.
مواقف «موثقة»
تحوّلت لحظة عائلية طريفة إلى جدل بين الأصدقاء في المدرسة، بعدما وثّقت فتاة انفعال والدها العفوي عبر مقطع فيديو، ونشرته في حسابها على «سناب شات».
وبينما كانت الفتاة ترى الأمر «مزحة بريئة»، استغلت بعض صديقاتها الفيديو وحولنه إلى «ميمز» ساخر، رافقه كثير من التعليقات المسيئة، ما تسبب في انزعاجها الشديد، فتوجهت إلى معلمتها لطلب المساعدة ووضع حد لسيل التعليقات.
وقالت الطالبة إن «ما بدأ كمزحة عابرة، انتهى إلى إساءة غير متوقعة، مؤكدة أهمية الوعي بما يتم مشاركته على وسائل التواصل».
وفي موقف آخر يعكس تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في حياة مستخدميها، تعرضت امرأة للسخرية الشديدة، بعدما وثّقت تعرض مركبتها الكهربائية لعطل عبر فيديو شاركته في مجموعتها العائلية على «واتس أب» طلباً للمساعدة، إذ تسرب المقطع إلى منصات التواصل الاجتماعي، ليتم تداوله بشكل واسع مع موجة من التعليقات الساخرة. وبادر أحد الأشخاص بتعديل بعض مقاطعه مظهراً إياه في شكل مثير للسخرية، ولم ينسَ اللمز من قناة النساء مقللاً من أهليتهن للتصرف في مثل هذه المواقف. وأكدت المرأة، بدورها، شعورها بالندم الشديد على توثيق العطل بالفيديو، شارحة أنها كانت في لحظة من التوتر وعدم القدرة على التصرف، عند نشره.
وأعربت عن أملها أن يدرك الناس أن مثل هذه المواقف تستدعي الدعم النفسي ومراعاة الآخر ومساعدته، بدلاً من إشعار النساء بأنهن غير جديرات بقيادة المركبات.