اخبار الامارات

شُح المياه ينذر بتصاعد التوترات في فرنسا

بينما تكافح فرنسا ارتفاع درجات الحرارة وموجات الجفاف المدمرة بشكل متزايد، تتكشف أزمة مياه شاملة في البلاد. وتتصاعد التوترات بشأن استخدام خزانات الري الاصطناعية العملاقة التي يعتمد عليها المزارعون لمواجهة ندرة المياه، ولكن النقاد يقولون إن هذه الخزانات تزيد المشكلة سوءاً، وتُسرّع استنزاف موارد المياه الجوفية المحدودة لمصلحة حفنة من كبار المزارعين والمنتجين.

إنها واحدة من الصراعات العديدة حول الوصول إلى المياه المندلعة بوتيرة متزايدة في جميع أنحاء العالم، حيث يؤدي تغير المناخ إلى جفاف التربة وزيادة درجات الحرارة، وجعل الحقول أكثر حاجة للماء، ويقلل كتل الثلوج السنوية التي تغذي تقليدياً تدفقات المياه العذبة.

إن تحويل مسارات المياه في الصين يثير غضباً إقليمياً. وفي آسيا الوسطى، يؤدي الوصول إلى موارد المياه الشحيحة إلى تفاقم التوترات عبر الحدود. ويؤدي تغير المناخ وإقامة السدود عند المنبع، فضلاً عن سوء إدارة المياه إلى جفاف واسع في العراق وإيران، وهناك خلاف بين مصر وإثيوبيا منذ سنوات بشأن سد نهر النيل الذي يهدّد دول المصب، وتتنازع الولايات الغربية في الولايات المتحدة حول الموارد المتضائلة لنهر كولورادو الذي كان عظيماً ذات يوم، بينما يؤدي الخلاف حول الوصول إلى المياه في ألمانيا وتشيلي إلى تأجيج الصراع الداخلي. ويقول المتحدث باسم مجموعة الناشطين «لا للخزانات» في فرنسا، جوليان لوجيت: «الماء منفعة عامة، ولا يمكن لأحد أن يدعي أنه ملكه». وفي هذا الشهر تمت محاكمة لوجيت والعديد من المتهمين الآخرين، بسبب عدد من التظاهرات غير المرخصة ضد بناء خزان ضخم جديد في سانت سولين غربي فرنسا.

وتحولت مسيرة نُظمت في مارس إلى مواجهة عنيفة مع الشرطة، وأدت إلى إصابة 47 ضابطاً و200 متظاهر، كما استنكر بعض المزارعين المحليين الأضرار التي لحقت بمحاصيلهم والأنابيب التي تربط حقولهم بالحوض الجديد. ووقعت احتجاجات جديدة في موقع بناء آخر قريب من باريس خلال الأسابيع الماضية، مع التخطيط لمزيد من التحركات في المستقبل القريب.

تقليل الضغط

وتراوح تقديرات خزانات الماء في فرنسا بين 100 ومئات عدة، وهي عبارة عن حُفر عملاقة مبطّنة بالبلاستيك تمتد على مساحة 20 فداناً في المتوسط، ويتم ملؤها عن طريق ضخ المياه الجوفية في الشتاء لاستخدامها خلال أشهر الصيف الحارقة، ويتزايد عدد هذه الحفر. ويستلزم المشروع في منطقة دوكس سيفر، التي تضم سانت سولين، بقيادة تعاونية خاصة من المزارعين المحليين، بناء 16 خزاناً جديداً لتخزين أكثر من ستة ملايين متر مكعب من المياه، أي ما يعادل 1600 مسبح أولمبي. ومن المقرر بناء 30 خزاناً آخر في منطقة فيين القريبة.

ويقول المؤيدون إنه مع ازدياد حرارة الطقس وجفافه – شهد عام 2023 الصيف الأكثر سخونة على الإطلاق على مستوى العالم – تعد الأحواض ضماناً لا غنى عنه للمزارعين، وطريقة فعالة لتقليل الضغط على الموارد المائية، عندما تكون في أدنى مستوياتها. وقد شهدت فرنسا، أخيراً، أسوأ حالات الجفاف على الإطلاق. وفي يوليو كان أكثر من ثلثي احتياطات فرنسا الطبيعية من المياه الجوفية أقل من المستويات الطبيعية.

ويقول المنتقدون إن المشكلة هي أن الخزانات تسحب المياه الجوفية الثمينة لمصلحة أقلية صغيرة، وتم تجهيز 7% فقط من الأراضي الزراعية الفرنسية بقنوات الري، وبعض المزارع المروية المحيطة بالخزانات فقط متصلة بها فعلياً. وسيتم ربط الحوض الموجود في سانت سولين مباشرة بـ12 مزرعة من إجمالي 185 مزرعة في المنطقة. ومن بين جميع المزارع المروية في المنطقة المعنية بمشروع دو سيفر، فإن تلك التي سيتم ربطها بالأحواض الجديدة تستخدم ضعف كمية المياه في المتوسط، مقارنة بالمزارع الأخرى.

وسيلة إسراف

وقالت المتحدثة باسم اتحاد المزارعين في كونفيدرالية «بايزان» الذي يعارض بناء الأحواض العملاقة، لورانس ماراندولا: «هذا ليس مجرد صراع بين بعض المزارعين وجماعات حماية البيئة». وتابعت: «نحن جميعاً بحاجة إلى الماء».

وفي غضون ذلك، تتضاءل كميات المياه يوماً بعد يوم. وبسبب التأثيرات المجتمعة لظاهرة الاحتباس الحراري والإفراط في الضخ، تراجعت موارد المياه الجوفية في أوروبا بشكل مطرد في العقود الأخيرة، مع خسارة سنوية تبلغ نحو بحيرة أونتاريو في كندا، منذ مطلع القرن فقط مثل ما يحدث في أماكن أخرى من العالم، من معظم أنحاء الولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط. وينتقد المعارضون بمن فيهم دعاة الحفاظ على البيئة وصغار المزارعين والعلماء، الخزانات باعتبارها وسيلة إسراف بشكل خاص. وقال مدير الأبحاث في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، كريستيان أمبلارد، إن «إبقاء الماء في العراء وليس تحت الأرض يعني أن بعضاً منه يتبخر، بينما يسخن الجزء المتبقي، ويمتلئ بالبكتيريا السامة». وقال: «لقد حصلنا في الوقت نفسه على خسارة في الكمية والنوعية، وهذا ليس له أي معنى».

وتُتهم هذه الخزانات بإدامة ما يسميه المنتقدون النموذج الزراعي غير المستدام الذي يستهلك كثيراً من المياه ويعمل على تسريع ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي. ويتم استخدام أكثر من 60% من الأراضي الصالحة للزراعة في أوروبا لتغذية الماشية التي تعد مسؤولة على مستوى العالم عن أكثر من 30% من انبعاثات غاز الميثان في العالم، وهو أحد الغازات الدفيئة القوية. وتشمل المحاصيل التي تزرع لتغذية الحيوانات الذرة وتشغل ثلث إجمالي الأراضي المرويّة في فرنسا، وتتطلب كثيراً من المياه في الصيف، ومن هنا جاءت الحاجة إلى حلول مثل الخزانات. وقال أمبلارد: «إن الأحواض الضخمة تؤخر التحول إلى زراعة مسؤولة ومرنة وفاعلة في استخدام المياه»، ولكن حتى الآن لم تُظهر الحكومات الفرنسية المتعاقبة سوى قليل من الرغبة في ذلك، فقامت بدعم الخزانات بسخاء بدلاً من ذلك، وهو ما أشاد به وزير الزراعة الفرنسي الحالي مارك فيسنو، ووصفه بأنه «رائع». وسيتحمل دافعو الضرائب 70% من الفاتورة البالغة 76 مليون يورو للمشروعات المقررة في دوكس سيفر. وإذا كان المزارعون يتمتعون بنفوذ سياسي ومالي ضخم في الاتحاد الأوروبي ككل، فإنهم في فرنسا يشكلون قوة سياسية في حد ذاتها.

نقاش مألوف

كما اتخذت السلطات الفرنسية إجراءات صارمة بحق الحركة المناهضة للأحواض. وتعرضت الشرطة لانتقادات شديدة بسبب تعاملها مع احتجاج سانت سولين، حيث أدانت رابطة حقوق الإنسان – وهي منظمة فرنسية غير حكومية – إطلاق الرصاص المطاطي بشكل عشوائي، وإعاقة قوات الأمن لعمال الإسعافات الأولية، في محاولة لقمع الاحتجاجات، ومنع الوصول إلى موقع الحوض مهما كانت التكلفة البشرية.

وقال لوجيت المتحدث باسم مجموعة الناشطين «لا للخزانات»: «نحن هدف متزايد للإجراءات القانونية والتحقيقات والمراقبة»، متابعاً: «على مدى العام الماضي انهالت الاستدعاءات إلى المحكمة»، مضيفا أن الحركة ستستمر في عرقلة بناء حوض جديد على الرغم من ذلك. إن النقاش الذي يلوح في الأفق بفرنسا هو نقاش مألوف من الغرب الأميركي إلى منابع نهر النيل. وقال مراقبون إن الأحواض يتم تسييسها وعزلها عن سياقها، حيث يتم تصنيف المزارعين الذين يدعمونها بشكل غير عادل على أنهم أشرار، لكن ماراندولا المتحدثة باسم اتحاد المزارعين قالت: «ببساطة لا يوجد ما يكفي من المياه في الاحتياطات الجوفية للاستمرار على هذا المنوال، ويتعين استخراج هذه الكميات من المياه لأغراض الزراعة»، موضحة: «ما يجب فعله بالمياه المستخرجة يجب أن يتم تحديده بطريقة ديمقراطية لكل قطرة». عن «فورين بوليسي»

• %7 فقط من الأراضي الزراعية الفرنسية تم تجهيزها بقنوات الري.

• %60 من الأراضي الصالحة للزراعة في أوروبا يتم استخدامها لتغذية الماشية.

• تُتهم الخزانات بإدامة النموذج الزراعي غير المستدام الذي يستهلك كثيراً من المياه، ويعمل على تسريع ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى