اخبار الامارات

تكرار أخطاء الحرب الباردة يهدّد حلم القوة العظمى للصين

لا جدال في أن الولايات المتحدة والصين تخوضان حالياً حرباً باردة جديدة، لذلك يرى رونالد إتش ليندن، أستاذ فخري العلوم السياسية في جامعة بيتسبرغ الأميركية، أن السؤال الأهم الآن هو: «هل يمكن للبلدين تجنب أخطاء الحرب الباردة السابقة؟».

ويرى ليندن في تقرير نشرته مجلة «ناشيونال إنتريست» الأميركية، أنه في حين تحدث الرئيس الصيني شي جين بينغ، خلال زيارته لروسيا في الشهر الماضي، بقدر كبير من التفاخر عن قدرة الصين على «حماية النظام العالمي»، فإن العديد من المؤشرات تقول إن الصين اليوم إذا دخلت أي مواجهة مع الولايات المتحدة والغرب معاً ستكون أضعف كثيراً من الناحية الاقتصادية والسياسية، مما كانت عليه طوال السنوات الـ10 الماضية.

مؤشرات النفوذ

وإذا كانت الاستثمارات الأجنبية المباشرة هي أحد مؤشرات النفوذ الاقتصادي للدولة العظمى، فإن الأرقام تشير إلى تراجع وليس تنامي النفوذ الصيني. فبعد النمو السريع للاستثمارات الصينية المباشرة في الخارج مدفوعاً باستراتيجية «الاستثمار في الخارج» عام 2001، ومبادرة «الحزام والطريق»، التي أطلقها الرئيس شي جين بينغ عام 2013، حيث ارتفعت من 10 مليارات دولار عام 2005 إلى أكثر من 170 مليار دولار بحلول 2017، سجلت هذه الاستثمارات الصينية المباشرة في الخارج خلال أربع من آخر خمس سنوات تراجعاً، بما في ذلك تراجعها بنسبة 15% العام الماضي، بحسب تقديرات «معهد أميركان إنتربرايز ».

تراجع

كما تراجعت الاستثمارات الصينية المباشرة في أوروبا بشدة، بعد أن كانت خياراً مفضلاً للشركات الصينية، بفضل القدرات التصنيعية ذات القيمة المضافة، وضعف القيود المفروضة على صفقات الاستحواذ. في المقابل ورغم تراجع الاستثمارات الأوروبية المباشرة في الصين منذ 2018 وحتى العام الماضي، تشير أرقام «مؤسسة روديوم غروب» إلى أن هذه الاستثمارات أصبحت أكثر تركيزاً، حيث يأتي نحو 90% منها من أربع دول أوروبية فقط. وكانت النتيجة تراجع حصة الاستثمارات الأوروبية من 7.5% من إجمالي الناتج المحلي للصين عام 2018 إلى 2.8% خلال السنوات الثلاث التالية.

ليس هذا فحسب، بل إن الاستثمارات الصينية في آسيا وإفريقيا تتراجع باطراد خلال السنوات الأخيرة، حيث تراجعت تلك الاستثمارات في دول مبادرة «الحزام والطريق» اليوم إلى أقل من نصف حجمها منذ خمس سنوات. كما أن معظم الدول التي استثمرت فيها الصين في آسيا وإفريقيا تعاني مشكلات الديون.

وبعيداً عن الاقتصاد، فإن الصين لا تقدم حالياً النموذج الملهم لشعوب العالم، رغم تقدمها الاقتصادي. وبحسب استطلاع رأي أجراه «معهد بيو الأميركي للأبحاث»، تراجعت شعبية الصين في العالم بشدة نتيجة إجراءاتها القمعية وإجراءات الإغلاق الصارمة الفاشلة أثناء جائحة فيروس «كورونا » المستجد، ودعمها للحرب الروسية ضد أوكرانيا.

أقل حدة

وفي حين ظلت أوروبا أقل حدة من الولايات المتحدة، في التعامل مع الصين، يبدو أن الأخيرة قررت التضحية بسنوات من العلاقات الاقتصادية المزدهرة مع القارة العجوز ، مقابل الحصول على النفط الرخيص من روسيا، التي سماها المحلل الروسي ألكسندر جاوب: «التابع الجديد» للصين.

وفي القمة الأوروبية – الصينية في أبريل 2022، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لايين، إن «الصين كعضو دائم في مجلس الأمن الدولي عليها مسؤولية خاصة. لا يمكن أن يتفهم مواطن أوروبي واحد أي دعم لقدرة روسيا على شن الحرب». وفي فبراير 2023، نشر مؤتمر ميونيخ للأمن تقريراً عن استطلاع رأي عالمي، أظهر أن نحو ثلثي سكان العالم يشعرون بالقلق من الطموحات الصينية بعد دعم الصين للحرب الروسية.

وإذا كان إضعاف بنية التحالف الغربي هو هدف الصين، فالواضح أنه أصبح الآن أبعد من ذي قبل. فالحرب الروسية لأوكرانيا، والدعم الصيني لموسكو، أعطى حلف شمال الأطلسي (ناتو) قبلة حياة جديدة بعد فترة من التراجع، خصوصاً في سنوات حكم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. الأسوأ من ذلك من وجهة نظر الصين، إعلان حلف «الناتو » رسمياً في العام الماضي، أن منطقة المحيطين الهندي والهادئ أصبحت جزءاً من المصالح الأمنية المشتركة لدول التحالف، وهو ما يعني توسيع نطاق نشاط التحالف إلى منطقة الجوار الصيني.

تطوّرات غير مواتية

كما تتواصل التطوّرات غير المواتية بالنسبة للصين، مع تنامي النزعة العسكرية لدى اليابان بمباركة من الدول الغربية، خوفاً من الخطر الصيني والكوري الشمالي. ويبدو أن الشعار الذي رفعه رئيس الوزراء الياباني الراحل شينزو آبي (منطقة المحيطين الهندي والهادئ حرة ومفتوحة)، في إشارة إلى ضرورة التصدي للنفوذ الصيني، يكتسب شعبية واسعة في اليابان.

وأخيراً ضاعفت اليابان ميزانيتها العسكرية، وأعادت صياغة (معنى الدفاع) لديها، وحصلت على أسلحة جديدة شديدة التطوّر. ورغم أن بعض تطوّرات الموقف الياباني كانت رداً على ممارسات كوريا الشمالية، فإن استراتيجية الأمن القومي الجديدة لليابان، التي تم تبنيها في ديسمبر 2022، أوضحت تماماً أن الصين تمثل التحدي الاستراتيجي الأكبر وغير المسبوق بالنسبة لليابان.

أنباء جيدة

ورغم ذلك، هناك أنباء جيدة بالنسبة للصين، حيث سجلت التجارة الخارجية للصين، بما في ذلك مع الولايات المتحدة أكبر شركائها التجاريين، زيادة كبيرة. كما حققت السياسة الخارجية للصين إنجازاً كبيراً بنجاحها في التوسط لإعادة العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران، وسحبت هندوراس اعترافها الدبلوماسي بتايوان، وأعادت علاقاتها الدبلوماسية مع الصين، ومازال قادة أوروبا يزورون بكين يرافقهم الكثير من رجال الأعمال والمستثمرين. ولكن بشكل عام لا يبدو أن تدهور الأوضاع الدولية، مشجعاً للرئيس شي والحزب الشيوعي الحاكم، خصوصاً في ظل تباطؤ الاقتصاد الصيني، وتداعيات السياسة الكارثية لمكافحة فيروس «كورونا » المستجد، مع تراجع معدل المواليد وارتفاع نسبة المسنين في الصين. وأخيراً، فإذا كانت الكلمات الرنانة التي يرددها القادة الصينيون تجد آذاناً صاغية في الداخل، فإنها لن تكون بنفس التأثير على الخارج، خصوصاً مع تدهور المؤشرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للصين. لذلك فإنه على جميع الأطراف العمل على ضمان بقاء الحرب الباردة الجديدة بين الصين وأميركا باردة.

مؤشرات تقول إن الصين اليوم إذا دخلت أي مواجهة مع الولايات المتحدة والغرب معاً، ستكون أضعف كثيراً من الناحية الاقتصادية والسياسية، مما كانت عليه طوال السنوات الـ10 الماضية.

حرب روسيا ضد أوكرانيا والدعم الصيني لموسكو، أعطى حلف شمال الأطلسي (ناتو) قبلة حياة جديدة بعد فترة من التراجع، خصوصاً في سنوات حكم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.

الاستثمارات الصينية المباشرة في أوروبا تراجعت بشدة بعد أن كانت خياراً مفضلاً للشركات الصينية بفضل القدرات التصنيعية ذات القيمة المضافة، وضعف القيود المفروضة على صفقات الاستحواذ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى