اخبار الامارات

تصاعُد اليمين في أوروبا يقدم درساً لحزب العمال البريطاني

على الرغم من أن حزب العمال البريطاني حقق فوزاً ساحقاً في المملكة المتحدة، فإنه يواجه الآن المهمة الصعبة التي لا ترحم في كيفية إدارة البلاد التي تواجه العديد من الأزمات التي تنتظر الحل.

وتركز سخط عدد كبير من الناخبين على الحالة المزرية للخدمات العامة المفرغة، خصوصاً هيئة الخدمات الصحية الوطنية. ومع وجود قوائم الانتظار الطويلة دائماً للحصول على مواعيد في المستشفيات، يشعر الناخبون من اليسار واليمين بقلق بالغ بشأن الخدمات الصحية، ويبدو زعيم حزب الإصلاح اليميني في المملكة المتحدة نايجل فاراج مستعداً لاستغلال أي استياء عام إزاء حالة الخدمات العامة المنهارة، وتحدث بصوت عالٍ عن رغبته في كسب أصوات الناخبين من حزب العمال.

ويعتبر رئيس حزب العمال كير ستارمر أول زعيم سياسي من يسار الوسط يفوز في الانتخابات في المملكة المتحدة منذ فترة رئيس الحكومة السابق توني بلير الذي فاز بتفويض شامل لتحديث بريطانيا، ولكن هذه المرة الأمور مختلفة. وعلى الرغم من فوز حزب العمال بثلثي المقاعد البرلمانية، فإنه حصل على ما يزيد قليلاً على ثلث أصوات الناخبين، وجاء جزء كبير من نجاح حزب العمال نتيجة السخط الواسع النطاق على حكم المحافظين لمدة 14 عاماً.

التغييرات ستبدأ

ووعد ستارمر الناخبين البريطانيين بأن التغييرات ستبدأ الآن، لكن عندما يتعلق الأمر بالخدمات الصحية الوطنية، يواجه حزب العمال مهمة شاقة، إذ إن استعادة الثقة في النظام الصحي ستكون طريقاً طويلاً وصعباً ومكلفاً في بلد يواجه مزيجاً من النمو البطيء ونقصاً في العمالة وضعفاً في المالية العامة.

وقامت دراسة حديثة تم إجراؤها في جامعة بوكوني الإيطالية وكلية لندن للاقتصاد بفحص النتائج السياسية لتردي الخدمات الصحية البريطانية، وعن طريق تحليل البيانات الحكومية حول إغلاق مرافق الرعاية الصحية المحلية وربطها بالبيانات المتعلقة بالتفضيلات العامة ونوايا التصويت، وجدنا أن عمليات الإغلاق زادت من استياء الناس من الخدمة الصحية، وأدت إلى زيادة الدعم لحزب الإصلاح.

وعلاوة على ذلك، فإن العلاقة بين إغلاق مرافق الرعاية الصحية المحلية ودعم حزب الإصلاح هي الأعلى في المناطق التي شهدت زيادة الهجرة وتسجيل المهاجرين في عيادات الأطباء العامين المحليين، وقد تؤدي هذه النتائج إلى مشكلات خطيرة لحزب العمال إذا استمرت خدمات الصحة الوطنية في مواجهة المواعيد الملغاة والتخفيضات والإغلاقات.

نجاح الأحزاب اليمينية

وشاهدنا النتائج المترتبة على تخفيض الخدمات العامة في أماكن أخرى في أوروبا، ففي إيطاليا تمتعت الأحزاب اليمينية المتطرفة بنجاح انتخابي لفترة أطول من أي مكان آخر في أوروبا، وأظهرت دراسة أجريت عام 2023 أن مكاسب اليمين المتطرف في الحكومة في إيطاليا حدثت بالتزامن مع خفض الخدمات العامة وإغلاقها.

وفي عام 2010 أجبر الإصلاح الإداري البلديات على إغلاق ودمج الخدمات العامة المحلية على حساب السكان، ثم رأى بعض المواطنين (المولودين في البلاد) أنفسهم في مواجهة المهاجرين، في منافسة محصلتها «صفر» للوصول إلى الخدمات العامة الأساسية.

ووجد هذا البحث أن الوعود غير المحققة والخدمات العامة غير الممولة بشكل كافٍ تعمق السخط، وإذا شعر الناس بأن الدولة لم تعد قادرة على تلبية احتياجاتهم كما يجب، فسيعانون استياءً عميقاً، وقد ثبت أن هذا يشكل أرضاً خصبة لليمين المتطرف يتم استغلالها على أكمل وجه من خلال التعهد بتقييد الهجرة ووصول المهاجرين إلى الخدمات العامة المحلية، وهذا ما يعزز مكانة الأحزاب اليمينية في المجتمع.

تدهور الخدمات العامة

وهذا لم يحدث في إيطاليا والمملكة المتحدة فقط، حيث يشعر الناس بتدهور الخدمات العامة، وإنما تسود أيضاً في مختلف أنحاء الريف الفرنسي حالة من الشعور بالإهمال، ما أدى إلى تأجيج التحول إلى اليمين، وبالتالي حدوث ارتفاع كبير في تحول الناخبين لصالح حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف الذي تقوده مارين لوبان، وعلى نحو مماثل في هولندا تتضمن خطابات زعيم حزب الحرية الفائز بالانتخابات خيرت فيلدرز معارضة لخفض الخدمات العامة إلى جانب المشاعر المناهضة للهجرة.

ويرى حزب الإصلاح، كما هي الحال لدى العديد من الأحزاب الشعبوية المتطرفة في أوروبا، أن الوصول إلى الخدمات العامة بمثابة لعبة محصلتها «صفر» بين السكان المواطنين الأصليين والسكان المهاجرين، ويتم تحميل المهاجرين مسؤولية تدهور حالة الخدمات العامة، ولهذا فإن حل المشكلات الأكثر إلحاحاً في هيئة الخدمات الصحية الوطنية سيكون مفتاحاً لوقف موجة اليمين الشعبوي في بريطانيا.

وتتمثل المشكلة التي تواجه حزب العمال في عدم وجود حل سريع أو سهل للتحديات التي تواجهها الخدمة الصحية، وكان أحد إجراءاته الأولى هو الاتفاق على صفقة أجور مع قادة الأطباء المبتدئين لإنهاء نزاع دام 20 شهراً وأدى إلى تأجيل 1.5 مليون موعد، وزيادة أجور موظفي هيئة الخدمات الصحية الوطنية الآخرين، ولكن في الوقت نفسه قرر سحب التمويل لاستبدال المستشفيات المنهارة لدعم المالية العامة.

مهمة شاقة

وهذا بدوره لن يمنح الناخبين الكثير من الثقة لأن الخدمات الصحية في أيدي حزب العمال، وطالما أن الأحزاب الرئيسة عاجزة عن نشر الثقة بين الناخبين بأن هيئة الخدمات الصحية الوطنية آمنة في أيدي حزب العمال، ستواصل الأحزاب الشعبوية الحصول على دعم المواطنين الساخطين الذين يشعرون بأنه يتم تجاهلهم.

ومع ذلك فإن تأمين خدمات صحية بنوعية جيدة ومواكبة الاستثمار العام سيكون مهمة شاقة في ظل توقف النمو الاقتصادي وتوتر المالية العامة، وستكون قدرة حكومة ستارمر على تلبية توقعات الجمهور أحد الأسئلة الرئيسة خلال فترة ولايته كرئيس للوزراء، وقد يكون حاسماً لقدرته على الفوز بولاية ثانية.

وإذا بدأ الشعب البريطاني يشعر باهتمام الحكومة الجديدة به، وهي قادرة على استعادة خدمات عامة جيدة تسد حاجياته المتزايدة، فعندها سيتم الابتعاد عن الأحزاب اليمينية المتطرفة.

وفي الوقت الذي تكون فيه الثقة بالسياسة منخفضة، يجب على حزب العمال تحقيق النتائج المطلوبة المرجوة منه أو مواجهة غضب الناخبين الذين يرغبون في التغيير، بل ويطالبون به، وقد يتجهون إلى اليمين الشعبوي على أمل تحقيقه. عن «الغارديان»

• يرى حزب الإصلاح، كما هي الحال لدى العديد من الأحزاب الشعبوية المتطرفة في أوروبا، أن الوصول إلى الخدمات العامة في بريطانيا بمثابة لعبة محصلتها «صفر» بين المواطنين الأصليين والمهاجرين.

• الابتعاد عن الأحزاب اليمينية المتطرفة يتم إذا بدأ الشعب البريطاني يشعر باهتمام الحكومة الجديدة به، وهي قادرة على استعادة خدمات عامة جيدة تسد حاجياته المتزايدة.

البروفيسورة كاثرين دو فرايز أستاذة في جامعة بوكوني الإيطالية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى