ترامب يُصعّد حربه التجارية على الحلفاء والخصوم بلا مبرر
![](https://sharqobserver.com/wp-content/uploads/2025/02/1739585526_image.jpg)
الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الصلب والألمنيوم، تخفي حقيقة أشد قتامة، إذ إنها تهدد بتقويض الاستراتيجية الأميركية الأوسع نطاقاً في كل مسرح بالعالم تقريباً من خلال استهداف الحلفاء عمداً بقيود تجارية «تعسفية».
وقد ازداد الأمر سوءاً مع اتخاذ إدارة ترامب خطوة أخرى لفرض رسوم جمركية أوسع نطاقاً ومتبادلة على كل دولة تقريباً في العالم، حيث وقع الرئيس الأميركي أخيراً، أمراً تنفيذياً يسمح بفرض رسوم جمركية متبادلة على شركاء بلاده التجاريين ومنافسيها في آن معاً، في تصعيد جديد لحرب تجارية بلا مبرر، حذر خبراء اقتصاديون من تداعياتها التضخمية داخل الولايات المتحدة.
فقد تتسبب هذه الرسوم في مشكلة دولية كبيرة، لاسيما بالنسبة للشركاء المحتملين لأميركا في جنوب آسيا وجنوب شرق آسيا، فضلا عن إفساد العلاقات مع أوروبا.
وبالطبع، لا تقتصر تحركات إدارة ترامب على التجارة فقط، فقد أدى تفكيك الوكالة الأميركية للتنمية الدولية إلى فتح الباب بالفعل أمام نفوذ صيني أكبر في العالم النامي.
حماية الأمن القومي
وأكدت رئيسة المخابرات الوطنية الأميركية، تولسي جابارد، أن هذا من شأنه أن يحد على الأرجح من تبادل المعلومات الاستخباراتية بين الحلفاء، فقد أثارت خطة ترامب للاستيلاء على غزة حفيظة الحلفاء والشركاء في الشرق الأوسط، كما أثارت خططه الأخرى للاستيلاء على أراض أخرى في العالم قلق الحلفاء والشركاء في أوروبا والأميركتين.
لكن الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على واردات الصلب والألمنيوم بنسبة 25%، والتي من المقرر أن تدخل حيز التنفيذ الشهر المقبل، تشكّل مثالاً واضحاً على كيف أن السياسات الاقتصادية لترامب لن تعمل ضد كل تعهداته الاقتصادية فحسب (من خلال رفع الأسعار، وشح الوظائف، وإبطاء النمو)، بل ستكون أيضاً غير فعالة على المستوى الاستراتيجي. وهذا أمر مثير للسخرية بشكل خاص، لأن الرسوم الجمركية تم تنفيذها باسم حماية الأمن القومي الأميركي.
وعلى الرغم من أن قلق ترامب المعلن في ما يتعلق بصناعتي الصلب والألمنيوم، ينبع من إغراق الصين للأسواق الأميركية بالصلب الرخيص، فإن معظم هذه الرسوم موجهة مباشرة إلى حلفاء الولايات المتحدة وشركائها، مثل المكسيك وكندا والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبية. ففي الأسبوع نفسه الذي أعلن فيه ترامب فرض تلك التدابير على الاقتصادات الأوروبية ودول حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ذهب وزير دفاعه بيت هيغسيث، إلى بروكسل لحث الدول الأعضاء على تشكيل تحالف عسكري أكثر قوة، الأمر الذي يتطلب اقتصادات صحية لدعم الإنفاق الدفاعي الأكبر.
أهداف مزعومة
وقالت نائبة رئيس معهد سياسات جمعية آسيا، ويندي كاتلر، «إن حماس حلفائنا وشركائنا للعمل معنا في مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية العالمية العديدة سيتضاءل أسبوعاً بعد أسبوع مع كل إصدار تهديدات جديدة بالرسوم الجمركية».
وأضافت: «لكي نفهم حقاً كيف أن الرسوم الجمركية الأخيرة التي فرضها ترامب غير ذات جدوى بالنسبة لأهداف الأمن القومي الأميركي المزعومة، فما علينا إلا أن ننظر إلى أوكرانيا التي مزقتها الحرب».
لقد سعت إدارة ترامب إلى زيادة الضغوط على روسيا والعمل نحو إنهاء الحرب التي استمرت ثلاث سنوات عن طريق التفاوض، بما في ذلك العمل على ضمان استمرار الدعم الأوروبي لأوكرانيا المستقلة بعد الحرب.
تجربة مريرة
وقال وزير دفاع ترامب، لـ«الناتو» الأربعاء الماضي، إن «أوكرانيا المزدهرة هي الهدف والمحور للدبلوماسية الأميركية لإنهاء الحرب». ومع ذلك، فإن قطاع الصلب الصغير في أوكرانيا، الذي انكمش بالفعل بشكل سيئ بسبب الحرب الروسية، يتعرض لتجربة مريرة في أحدث أمر تنفيذي لترامب، حيث رفع ترامب الإعفاء الذي منحته إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن لكييف لدعم أحد المحركات الرئيسة للاقتصاد الأوكراني المجهد بالفعل بسبب الحرب، مبرراً ذلك بقوله: «لقد رأيت أن واردات المواد الفولاذية من أوكرانيا تهدد بإضعاف الأمن القومي».
ويأتي هذا التهديد الخطير على صادرات تشكل أقل من مليون طن من الحديد الأوكراني (المستخدم في إنتاج الصلب) و100 ألف طن من الأنابيب الفولاذية.
والسبب في أن هذه هي المنتجات الوحيدة التي تصدرها أوكرانيا إلى الولايات المتحدة، يتمثل في أن كل قطاع آخر كان تحت تعريفات أميركية منفصلة في بعض الحالات منذ القرن الماضي. وتنتج الولايات المتحدة نحو 80 مليون طن من الصلب سنوياً.
قطرة في بحر
وقال الرئيس التنفيذي لشركة «جي إم كيه» الأوكرانية للاستشارات الصناعية، ستانيسلاف زينتشينكو، إن «صادرات أوكرانيا من الصلب إلى الولايات المتحدة تمثل 0.3% من واردات الولايات المتحدة من هذه المنتجات.. نحن لا نمثل شيئاً في هذا الخصوص، لكن يبدو أن ترامب وضع حواجز ضد أوكرانيا».
وأوضح أن مبيعات الصلب والحديد الأوكرانية إلى الولايات المتحدة لا تشكل سوى قطرة في بحر السوق الأميركية، غير أنها تشكل صفقة ضخمة بالنسبة لأوكرانيا، حيث تمثل أكثر من نصف صادرات البلاد إلى الولايات المتحدة.
وأضاف زينتشينكو: «إذا أوقفنا الصادرات، فسننتج كميات أقل من الصلب، وشركات الصلب لدينا هي أكبر مصدر للضرائب، حيث درّت أكثر من ستة مليارات دولار في السنوات الخمس الماضية، لذلك ستحتاج أوكرانيا فقط إلى المزيد من الدعم المالي من أوروبا والولايات المتحدة».
وأشار إلى أنه إذا تمكنت واشنطن وكييف وموسكو من التوصل إلى حل تفاوضي للحرب، فإن التحدي الكبير سيكون إعادة بناء بلد تكبد ما لا يقل عن نصف تريليون دولار من الأضرار جراء الحرب، وسيتطلب ذلك صناعة صلب جيدة في أوكرانيا، وليس تلك التي تقيدها الحواجز «التعسفية».
وأكد زينتشينكو الحاجة إلى ضمان عدم انكماش صناعة الصلب بالفعل في أوكرانيا، قائلاً: «إن المواد اللازمة للتعافي بعد الحرب هي الطاقة والأسمنت والصلب والزراعة، والصلب هو أحد أهم المواد، ولا يمكننا الاعتماد في ذلك على الصلب المستورد».
حروب تجارية
وأقرت وزيرة الاقتصاد الأوكرانية، يوليا سفيريدينكو، بأن التعريفات الجمركية وفقدان الإعفاءات الأميركية «سيؤثران بشكل طبيعي على صناعة الصلب». لكن هذا لا يمنع حلفاء الولايات المتحدة من الضغط، فقد طلبت اليابان بالفعل تخفيف الرسوم، وتحاول كوريا الجنوبية ذلك.
وتتشبث أستراليا بالأجواء المتفائلة من الدردشة مع ترامب، لكنها قد لاتزال تشعر بخيبة أمل.
أما المكسيك وكندا، فإنهما بالفعل في حكم من شملتهم زيادة الضرائب مع وقف التنفيذ بسبب تهديدات سابقة بالرسوم الجمركية.
ولا تعرف المملكة المتحدة ماذا تفعل في حين يخطط الاتحاد الأوروبي بالفعل للانتقام، ويحذر من العواقب الواضحة لحرب ترامب على الحلفاء عندما لا يكون التهديد المشترك الكبير حتى في مرمى النيران.
وقالت رئيسة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كاجا كالاس: «إن الطرف الذي يضحك على الجانب الآخر هو الصين، بينما تشتبك أوروبا والولايات المتحدة في حروب تجارية مدمرة للطرفين».
ضغوط مضادة
حتى الدول التي ليست حليفة رسمية تشعر بضغوط مضادة. ولسنوات سعت الولايات المتحدة إلى إبعاد الهند عن علاقاتها الاقتصادية والعسكرية المستمرة مع روسيا، وجعلها محور التحالف المتوازن ضد الصين في منطقة المحيط الهندي. عن «الفورين بوليسي»
. السياسات الاقتصادية لترامب لن تعمل ضد تعهداته الاقتصادية فحسب، بل ستكون غير فعالة على المستوى الاستراتيجي.
. شكوك حول جدوى الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب بالنسبة لأهداف الأمن القومي الأميركي المزعومة.