بعد عام من الحرب الروسية الأوكرانية.. مزيد من الاستقطاب والاستنزاف
نزال رمزي وتبادل للاتهامات، والتأكيد على الاستمرار على النهج ذاته، هو ما ميز الأيام التي سبقت حلول الذكرى الأولى للحرب الروسية على أوكرانيا، ما يشي بأنه لا نهاية في الأفق لهذه الحرب.
فمن جهته، بدا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مصمماً على المضي قدماً لتحقيق ما هو أبعد من أهداف «العملية العسكرية الخاصة» التي أطلقها في 24 فبراير الماضي، مؤكداً في كلمة مقتضبة أمام مهرجان وطني كبير بمناسبة «يوم المدافع عن الوطن» في ملعب بالعاصمة موسكو، أن بلاده تحارب حالياً في أوكرانيا من أجل «أراضيها التاريخية»، ما اعتبره مراقبون إفصاحاً عن الرغبة في الاستيلاء على المزيد من الأراضي الأوكرانية بعد ضم أربع مقاطعات في العام الأول للحرب.
على الجانب الآخر، أكد الرئيس الأميركي جو بايدن التزام بلاده بالدفاع عن «كل شبر» من أراضي حلف شمال الأطلسي (ناتو)، خلال اجتماع له في بولندا مع تسع دول تمثل الجناح الشرقي للحلف، وتتشاطر المخاوف من امتداد العملية العسكرية الروسية إليها.
وجاءت زيارة بايدن لبولندا عقب زيارة رمزية لم يعلن عنها مسبقاً لأوكرانيا، في خطوة قال مراقبون إن الهدف منها هو إعطاء دفعة معنوية لكييف مع حلول الذكرى السنوية لتعرضها للهجوم الروسي، والتأكيد على ثبات موقف واشنطن وحلفائها من استمرار الدعم طالما اقتضت الضرورة ذلك، مع الإعلان عن حزمة مساعدات عسكرية أميركية إضافية بقيمة نصف مليار دولار.
مشكلات مستترة
ويرى محللون أن إصرار بوتين وبايدن على موقفيهما، لم يخف مشكلات ربما تواجه الجانبين منذ أسابيع أو أشهر، فالرئيس الروسي يواجه انتقادات لعدم تطرقه إلى العثرات التي واجهت قوات بلاده في الحرب، أو الخلافات التي طفت على السطح أخيراً، حتى مع رفاق الحرب كمجموعة فاغنر العسكرية.
وعلى الجانب الآخر، حاول الرئيس الأميركي إبداء صلابة في الموقف الداعم لأوكرانيا دون التطرق إلى الخلافات في صفوف معسكر الحلفاء، وعدم وجود رؤية موحدة بشأن أفق الاستمرار في تزويد أوكرانيا بمختلف أنواع الأسلحة، متناسياً أنه نفسه خلال الفترة المقبلة ومع اقتراب موعد الانتخابات لن يكون بمقدوره التعامل بكرم زائد في مسألة إمداد أوكرانيا بالأسلحة، في ظل تحفظ ملحوظ من قبل الجمهوريين.
وهنا يثار التساؤل المهم عن الطرف المستفيد من إطالة أمد الحرب بهدف استنزاف موارد الآخر، ومن ثم خسارته لحرب لم تقتصر تداعياتها على الطرفين المتحاربين أو حلفائهما، بل تركت أثراً كبيراً على الاقتصاد العالمي ككل.
ولفتت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية إلى أن بوتين، في خطابه بشأن حالة الأمة، لم يبد أي مؤشرات على التراجع عن نهجه، بل إنه استخدم الخطاب للكشف عن خطة لحرب طويلة الأمد، مشيرة إلى وعوده بتغيير نظام التعليم، وسياسة العلوم والتكنولوجيا لمساعدة روسيا على تجاوز العقوبات الغربية.
وأشارت الصحيفة كذلك إلى إعلان بوتين الانسحاب من معاهدة ستارت الجديدة للحد من الأسلحة النووية، «آخر اتفاقية قائمة للسيطرة على الأسلحة بين واشنطن وموسكو».
تحقيق أهداف الحرب
كما ركزت صحيفة «فايننشال تايمز» على دفاع بوتين عن قراره بالهجوم على أوكرانيا، وتعهده بتحقيق أهدافه من الحرب «خطوة بخطوة»، واتهامه للغرب باستخدام أوكرانيا أداة لتقويض روسيا.
ولم يفت الصحيفة البريطانية الإشارة إلى تزامن حلول الذكرى السنوية الأولى للحرب مع دخول الصين على الخط وتحذير وزير خارجيتها للغرب من «صب الزيت على النار» في أوكرانيا، وكذلك ذهاب كبير دبلوماسييها وانغ يي إلى موسكو، في أول زيارة لمسؤول صيني بارز منذ بداية الحرب، «ما يلقي الضوء على تعزيز العلاقات بين رئيس روسيا ونظيره الصيني شي جين بينغ».
ونقلت الصحيفة عن المسؤول الصيني قوله عقب لقائه بوتين قبل أيام، إن الجانبين سيعززان «الثقة السياسية المتبادلة والتعاون الاستراتيجي»، مشيرة إلى الدور الذي لعبته بكين لتخيف آثار العقوبات الغربية على موسكو بسبب الحرب.
وأشارت الصحيفة إلى تشكك الغرب بشدة في ضلوع الصين في الصراع وتحذير وزير الخارجية الأميركي أخيراً من أن بكين «تدرس بجدية تزويد موسكو بأسلحة فتاكة قبيل هجوم جديد تستعد لشنه القوات الروسية»، معتبرة أنه «لا سبيل لإنهاء الحرب قريباً في أوكرانيا».
إلا أن الصحيفة البريطانية نقلت في الوقت نفسه عن يو جي، الباحث البارز في «معهد تشاتام هاوس للأبحاث» ومقره لندن قوله إن «وانغ يي في تصريحاته لم يذكر جملة شريك (بلا حدود).. وهذا يعد تحولاً إلى حد ما يظهر سعي بكين إلى الإبقاء على مسافة بينها وبين موسكو».
وبشأن تعليق روسيا مشاركتها في معاهدة ستارت الجديدة، نقلت صحيفة «الغارديان» البريطانية عن الباحث البارز في برنامج أسلحة الدمار الشامل والأسلحة الاستراتيجية الأخرى في «معهد الأمم المتحدة لأبحاث نزع السلاح» أندريه باكليتسكي قوله: إن «تعليق المعاهدة لا يساوي الانسحاب منها ولكن في الواقع، يمكن أن يصبح قريباً بالفعل بمرور الوقت».
وأضاف: «من المحتمل أن تلتزم روسيا بحدود معاهدة ستارت الجديدة.. لكن سيكون من الصعب على الولايات المتحدة التحقق من الامتثال فقط باستخدام الوسائل التقنية الوطنية، وأتوقع أن تعلق الولايات المتحدة أيضاً التزاماتها».
وفي ظل مواقف متباعدة بعد 12 شهراً من الحرب، جاءت توقعات الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش متشائمة إلى حد كبير حيث حذر من اتساع الصراع واستخدام الأسلحة النووية.
وأضاف: «على مدار العام الماضي لم نشهد فقط تزايد المعاناة والدمار، بل أصبح من الواضح أيضاً إلى أي مدى يمكن أن يصبح الأمر أسوأ. العواقب المحتملة لصراع متصاعد تشكل خطراً واضحاً وقائماً».
وتابع: «في الوقت نفسه، سمعنا تهديدات ضمنية باستخدام الأسلحة النووية. إن ما يسمى بالاستخدام التكتيكي للأسلحة النووية، أمر غير مقبول على الإطلاق. لقد حان الوقت للتراجع عن حافة الهاوية»، في إشارة إلى تهديدات روسية باستخدام جميع الأسلحة، بما فيها النووية، للدفاع عن أمنها القومي.
في ظل مواقف متباعدة بعد 12 شهراً من الحرب، جاءت توقعات الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش متشائمة إلى حد كبير، حيث حذر من اتساع الصراع واستخدام الأسلحة النووية.