بدعوة لمكافحة الجوع والفقر.. الرئيس البرازيلي يكسر نسق اجتماعات قمة الـ 20
الأسبوع الماضي، كسر الرئيس البرازيلي، لويز إيناسيو لولا دا سيلفا، نسق اجتماعات مجموعة الـ20 من خلال استخدامه القمة السنوية كنقطة انطلاق لجهود جديدة لمعالجة الجوع والفقر المدقع، حيث قدم للعالم فرصة أخيرة لبث حياة جديدة في أجندة أهداف التنمية المستدامة المحتضرة. وطرح أمام المجموعة قضية كادت أن تنزلق إلى حالة من فقدان الأهمية.
وبالنسبة للمملكة المتحدة، يمثل إنشاء التحالف العالمي ضد الجوع والفقر فرصة لاستعادة سمعتها المشوهة للغاية في مجال التنمية الدولية، فقد تعهد وزير الخارجية ديفيد لامي، بوضع التعاون مع الجنوب العالمي في قلب أجندة «الواقعية التقدمية». حيث يُشكل الوقوف خلف لولا والمبادرة البرازيلية نقطة انطلاق جيدة.
وعلى الرغم من أن مجموعة الـ20 ليست منصة واضحة للتعامل مع المشكلتين المتمثلتين في الجوع والفقر، فإن هذا المنتدى يتمتع بقدر وافر من العضلات الاقتصادية والسياسية، حيث يمثل أعضاؤه أكثر من ثلاثة أرباع الناتج الاقتصادي العالمي، لكنه بلا اتجاه، فمنذ عام 2009، عندما استغل رئيس وزراء المملكة المتحدة السابق غوردون براون، قمة مجموعة الـ20 للتحذير من الكساد الاقتصادي العالمي، أصبحت الاجتماعات مجرد حوارات مشاكسة.
الآن أمام هذا المنتدى فرصة في معالجة هذا الوضع البائس، وفي عالم متعدد الأقطاب، ينبغي لمجموعة الـ20 أن تكون ركيزة أساسية للتعددية والتعاون الدولي، وصياغة الحلول للتحديات المشتركة، ولكنها بدلاً من ذلك، فإنها تتعامل مع الاتصالات المهدئة المصممة لتغطية التشققات السياسية.
وتمخضت القمة الأخيرة، التي استضافتها الهند، عن 30 صفحة تسرد سلسلة لا نهاية لها من الالتزامات السابقة بشأن أهداف التنمية المستدامة، وأزمة المناخ، وسيادة القانون، وإدارة الاقتصاد الرقمي، والقلق من أن الحرب في أوكرانيا قد أصبحت مصدراً لـ«الآثار السلبية» على الاقتصاد العالمي.
لقد حدّد لولا اتجاهاً جديداً، وقال في خطابه أمام مجموعة الـ20 الأسبوع الماضي: «لا شيء غير مقبول في القرن الـ21 مثل استمرار الجوع والفقر»، إن هدف التحالف العالمي بسيط للغاية، ويتوخى اتباع نهج شراكة تقوم بموجبه الحكومات بوضع خطط وطنية لتسريع التقدم نحو القضاء على سوء التغذية والفقر، مع قيام أعضاء التحالف بحشد الدعم والتمويل الميسور الكُلفة.
وتظهر بيانات الأمم المتحدة أن التقدم المحدود بالفعل لإنهاء الفقر والجوع قد توقف، حيث يتأثر أكثر من 700 مليون شخص بالجوع، بما في ذلك واحد من كل خمسة من إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ووفقاً للاتجاهات الحالية، فإن مستويات الفقر المدقع في عام 2030 ستكون ضعف تلك المستهدفة في إطار أهداف التنمية المستدامة.
وفي واقع الأمر، فإن التحالف العالمي استعرض على المسرح العالمي الضرورات الأخلاقية والسياسية والاقتصادية، التي اقتضت تنظيم حملة «القضاء على الجوع» في البرازيل، والتي أطلقها لولا للمرة الأولى في عام 2003 ثم أعاد إطلاقها بإعادة انتخابه العام الماضي.
وبُنيت الحملة على مزيج من النمو الشامل، وإعادة توزيع التحويلات النقدية، والاستثمار في المزارعين، وبرنامج الوجبات المدرسية الشامل، واستطاعت البرازيل بذلك أن تطلق واحدة من قصص النجاح العظيمة في مجال التنمية البشرية في ذلك العصر، والتي يمكن الآن تنفيذها على مستوى العالم.
فبعد انتهاء عهد الانعزالية التي تبناها الرئيس البرازيلي يائير بولسونارو اليميني، أصبح هذا التحالف العالمي بمثابة قوة برازيلية ناعمة ذات هدف، حيث أعادت التأكيد، على حد تعبير لولا، على أن «البرازيل عادت».
إن ترجمة أجندة التحالف العالمي إلى ممارسة واقعية لن تكون بالمهمة السهلة، وتحدد ورقة بحثية حديثة أصدرها معهد التنمية الخارجية للحكومة البرازيلية بعض التحديات، فالمساعدات الحالية لمكافحة الجوع والفقر – نحو 75 مليار دولار سنوياً – لا تنخفض لصالح البلدان المنخفضة الدخل فحسب، بل إنها مجزأة ويتم إرسالها من خلال آليات تعمل على إضعاف الملكية الوطنية، حيث يمر نحو 8% فقط من خلال الميزانيات الوطنية، وتؤدي الديون غير المستدامة إلى مزاحمة الإنفاق العام على التغذية والصحة والحد من الفقر، وفي تكرار لأزمات الديون السابقة، فإن الفشل في توفير «مخفف» فعال لأعباء الديون يدفع العديد من البلدان الأكثر فقراً نحو الإعسار وضياع عقود من التنمية.
لكن على الجانب الآخر يوجد العديد من الفرص، فقد قدمت مجموعة من الخبراء المستقلين مقترحات عملية لمجموعة الـ20 للإفراج عن 500 مليار دولار من التمويل الجديد الميسر، ثلثه بشروط ميسرة، مع لعب بنوك التنمية المتعددة الأطراف دوراً أكثر بروزاً، وعلى الرغم من أن الإطار المشترك لمجموعة الـ20 بشأن تخفيف أعباء الديون يُشكل دراسة لحالة من الفشل والجمود السياسي، إلا أن الزعماء السياسيين قادرون على تغيير هذه الصورة، خصوصاً من خلال تبني موقف أكثر قوة بشأن الديون التجارية.
وتحدّد ورقة معهد التنمية الخارجية المجالات التي يمكن للمبادرات العملية أن تحقق نتائج كبيرة قبل الموعد النهائي لأهداف التنمية المستدامة في عام 2030، ويمكن للكميات الصغيرة من المساعدات الموجهة بكفاءة والموجهة نحو صحة الطفل والأم، والتحويلات النقدية، وزراعة الحيازات الصغيرة أن تحقق تأثيرات كبيرة.
ومع سعي الحكومات في جميع البلدان الفقيرة إلى توسيع برامج الوجبات المدرسية، فإن استثمار 1.2 مليار دولار من المساعدات يمكن أن تصل إلى أكثر من 230 مليون طفل لمكافحة الجوع، وتحسين نتائج التعلم والحد من عدم المساواة.
وهذا يعيدنا إلى دور بريطانيا. وحتى في البيئة المالية المقيدة التي ورثتها، تستطيع حكومة حزب العمال الإشارة إلى النيات، وسيأتي الاختبار المبكر مع الالتزام المالي الذي ستقدمه لمؤسسة التنمية الدولية التابعة للبنك الدولي، التي تمثل المصدر الرئيس لتمويل التنمية الميسر للدول الفقيرة.
ويمكن لوزارة الخزانة أن تلعب دوراً حاسماً في ما يتعلق بالديون، فقد كانت وزارة الخزانة في المملكة المتحدة في عهد حكومة براون هي التي قادت العالم في معالجة أزمة الديون الأخيرة، ومن الممكن أن يؤدي ذلك مرة أخرى إلى تعزيز الحجة لمصلحة تخفيف أعباء الديون بشكل أكثر شمولاً.
فبعد 14 عاماً اتسمت بخفض المساعدات، والقرار المتهور بدمج وزارة التنمية الدولية في وزارة الخارجية، وثقافة عدم الكفاءة، والسياسة الانغلاقية، والحنين إلى مكانة بريطانيا في العالم، تستطيع المملكة المتحدة أن تعمل كقوة عاتية للتغيير، ولاتزال رابع أكبر جهة مانحة للمساعدات، بميزانية قدرها 19 مليار دولار في عام 2023، ولها صوت قيادي في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والأمم المتحدة.
إن تدمير السمعة أسهل من استعادتها، لكن خطوات التعافي الصعبة ينبغي أن تبدأ الآن، وإن دعم التحالف العالمي ضد الجوع والفقر يوفّر لحكومة حزب العمال الفرصة لإظهار أن بريطانيا، مثل البرازيل، عادت أيضاً كقوة تقدمية للتغيير. عن «الغارديان»
• تُظهر بيانات الأمم المتحدة، أن التقدم المحدود بالفعل لإنهاء الفقر والجوع قد توقف، حيث يتأثر أكثر من 700 مليون شخص بالجوع.
• قال لولا في خطابه أمام مجموعة الـ20 الأسبوع الماضي: «لا شيء غير مقبول في القرن الـ21 مثل استمرار الجوع والفقر».