انطلاقة متعثرة لحزب العمال في رئاسة الحكومة البريطانية
يخاطب رئيس الوزراء البريطاني الجديد، كير ستارمر، المؤتمر السنوي لحزبه، بعد أقل من ثلاثة أشهر من تحقيق انتصار انتخابي غير عادي. وعاد حزب العمال الذي ينتمي إليه ستارمر إلى السلطة في يوليو بعد 14 عاماً من المعارضة، إذ انتزع مئات المقاعد من المحافظين في فوز ساحق في الانتخابات.
وكان ستارمر يخطط منذ فترة طويلة لمسار ثابت وقاسٍ في الطريق إلى مقر رئاسة الوزراء في داونينج ستريت. وبعد التركيز في البداية على وحدة الحزب، التفت إلى اليسار في حزبه، ليركز لاحقاً على بناء سمعة المسؤولية الاقتصادية.
وعند توليه منصب رئيس الوزراء، تعهد ستارمر بطيّ صفحة سنوات من فوضى المحافظين واستعادة الخدمة والاحترام للسياسة، لكن الأشهر الأولى له في منصبه لم تكن سهلة على الإطلاق، إذ كان أول قرار كبير للحكومة بشأن الإنفاق (خفض الرعاية الاجتماعية لكبار السن) سيئاً بشكل مذهل، في حين واجه اتهامات بالمحسوبية والنفاق وسط حرب شرسة بين بعض أقرب حلفائه في داونينج ستريت.
وكان الإفراج المبكر عن آلاف النزلاء من سجون بريطانيا المُكتظّة، ضرورياً، لكن القرار لم يحظ بشعبية كبيرة لدى عامة الناس. وفي غضون أسابيع، انخفضت تقييمات استطلاعات الرأي لستارمر إلى أدنى مستوى.
والآن، يريد المؤيدون للحزب الذين اجتمعوا في ليفربول في أول مؤتمر كبير لهم منذ توليهم السلطة أن يطوي ستارمر الصفحة على هذه البداية المهتزة ويُظهر للبلاد أنه يعرف كيف يدير حكومة فعّالة.
واشتكى أحد المسؤولين في الحكومة، الذي لم يكشف عن هويته مثل الآخرين في هذه القصة للتحدث بصراحة، «لا يوجد انضباط في الرسائل، ولا يوجد انضباط في الشبكة، ولا توجد قبضة مُحكمة في داونينج ستريت».
هدايا باذخة
في الوقت الذي افتُرض فيه أن يكون حزب العمال في أقوى حالاته، وجد الوزراء أنفسهم يواجهون أسئلة لا نهاية لها حول الخلل في الحكومة. وبعد سلسلة من القصص عن الهدايا الباذخة التي قبلها أعضاء مجلس الوزراء من أحد المانحين، بما في ذلك ملابس بقيمة آلاف الجنيهات الاسترلينية لستارمر وزوجته، جاءت هذه القصص في أعقاب الانتقادات التي وُجّهت إلى تعيين حزب العمال لأنصار سياسيين في مناصب عليا في الخدمة المدنية.
وفي ظل هذه الخلفية غير المشجعة، انفجر تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية، الأسبوع الماضي، يفيد بأن كبيرة موظفي ستارمر، سو غراي، تتقاضى أجراً أعلى بكثير من أسلافها، مثل القنبلة، وكل هذا إلى جانب الغضب المستمر إزاء قرار الحكومة بإلغاء مدفوعات الطقس البارد الشاملة (مدفوعات الوقود) للمتقاعدين، ما أدى إلى خلق جو مضطرب في ميرسيسايد التي غمرتها الأمطار.
«إنه ليس عام 1997 بالضبط»، هكذا قال أحد أعضاء البرلمان المنتخبين حديثاً، مقارناً بين دخولهم المتردد إلى الحكومة والابتهاج الذي استقبل به فوز توني بلير في الانتخابات.
واعترف أحد مساعدي الحكومة بأنهم غاضبون بشدة، سواء من طريقة التعامل مع قضية التبرعات – التي أطلق عليها بالفعل «فضيحة الهدايا المجانية» في الصحافة البريطانية – أو من سيل التسريبات للصحافة. «لقد استغرق الأمر 14 عاماً للوصول إلى هنا وقليل من الناس يفسدون الأمر»، يقول المساعد الحكومي.
وقال وزير في مجلس الوزراء إن هناك تلميحات إلى كراهية النساء في الانتقادات الداخلية لغراي (كبيرة موظفي ستارمر)، «وهو أمر تواجهه الكثير من النساء الأكبر سناً في مناصب السلطة».
إن الفضيحة حول التبرعات الشخصية لأعضاء مجلس الوزراء تثير الاستياء أكثر من أي شيء آخر، نظراً لأن ستارمر كان صريحاً للغاية في المعارضة بشأن فساد حزب المحافظين. وفي السلطة يواجه اتهامات بأن حكومته تقع في بعض الفخاخ نفسها.
جدول أعمال محلي
قال مدير البرامج في معهد الحكومة للأبحاث، أليكس توماس، إن ستارمر «بحاجة إلى السيطرة على عملية إعطاء التعليمات، وفي نظامنا لا يكون هذا النوع من السلطة إلّا في يد رئيس الوزراء». وهناك سبب آخر يشتبه البعض في أن هذه القصص اكتسبت مثل هذا الجذب هو أن الحكومة تفتقر حالياً إلى جدول أعمال محلي واضح.
وقال المسؤول نفسه في الحكومة، الذي اشتكى من عدم الانضباط في الرسائل، «عندما ينظر الناس إلى الأيام المئة الأولى (من الحكومة الجديدة)، سيتذكرون فقط إطلاق سراح السجناء، والقلق بشأن المال. لا أحد إلى الآن يعرف حقاً ما هو نهج ستارمر».
ويقول المدافعون عن رئيس الوزراء إن الإجابة تكمن في «المهام الخمس»، وهي منصة السياسة التي طُلب من جميع وزراء الحكومة تنفيذها.
وقال عضو البرلمان عن حزب العمال، جوش سيمونز، المقرب من فريق ستارمر والمدير السابق لمؤسسة الأبحاث المؤثرة «عماليون معاً»: «يعتقد كير سترامر أن أداء الحكومة بشكل جيد يعني أخذ المهام على محمل الجد – إنه في قلب مشروع هذه الحكومة».
وأضاف سيمونز أن الترويج للمهام الخمس لا يمكن أن يكون كافياً، مُلمحاً إلى الشعور السائد بين بعض أعضاء الحكومة بأن هذا كان مفقوداً إلى حد ما منذ الرابع من يوليو. وقال الوزير نفسه في مجلس الوزراء آنفاً إن بعض الإصلاحات المبكرة الأكثر تطرفاً، والتي اقترحها حزب العمال، مثل القوانين الجديدة لإعادة تأميم شبكة السكك الحديدية البريطانية وحقوق المستأجرين الجديدة، لم يتم الترويج لها بصوت عالٍ بما فيه الكفاية من قبل الحكومة.
بداية متعثرة
يُفضّل الموالون لحزب العمال تجاهل محنة ستارمر المبكرة باعتبارها عاصفة في فنجان، وهو أمر يعتبرونه غير ذي صلة تقريباً عندما يتمتع الحزب بأغلبية قوية في بداية فترة ولاية مدتها خمس سنوات.
وقارن مساعد حكومي ثانٍ البداية المتعثرة بالطريقة التي يرى بها مشجعو كرة القدم العاطفيون آفاق فرقهم، قائلاً «عندما يتعرضون لخسارتين أو ثلاث، يسارع الجميع إلى انتقادهم ووصفهم بأبشع الصفات؛ كما أن كل شيء يمكن أن يتغير بعد بضعة انتصارات». ومع ذلك، قد يكون موقف ستارمر أكثر خطورة مما يبدو.
ويقول مدير مجموعة استطلاعات الرأي «مور إن كامنز»، لوك ترايل، إن موجة القصص الأخلاقية لديها القدرة على «إيذاء» رئيس الوزراء حقاً لأن «جزءاً من جاذبية ستارمر الأساسية كان أن (الجمهور) اعتبره الترياق للفساد الذي طارد الحكومة المحافظة الأخيرة».
والأمر الحاسم هو أن حزب العمال وصل إلى السلطة بنسبة منخفضة من الأصوات الوطنية، فقد فاز بعدد كبير من المقاعد بعدد ضئيل جداً من الأصوات. وبحسب تحليل أجراه معهد توني بلير، فإن متوسط الأغلبية التي حصل عليها نواب حزب العمال، هو 7 آلاف، بانخفاض عن 12 ألف صوت في الانتخابات السابقة، وهو ما يشير إلى أن التقلّب بنسبة 4% ضد حزب العمال يعني أن الحزب سيخسر أغلبيته في عام 2029.
علاوة على ذلك، أظهر الناخبون البريطانيون تقلبات متزايدة على مدى السنوات الأخيرة. وقد تلقى الحزب ضربة بالفعل في استطلاعات الرأي التي أجريت منذ الانتخابات، حيث قال نصف الناخبين إنهم يشعرون بخيبة أمل في حكومة حزب العمال حتى الآن. «بوليتيكو»
• قرار الإفراج المبكر عن آلاف النزلاء من السجون كان ضرورياً، لكنه لم يحظ بشعبية كبيرة.
• فضيحة «التبرعات الشخصية» لأعضاء مجلس الوزراء أثارت الاستياء أكثر من أي شيء آخر.