اخبار الامارات

الولايات المتحدة بحاجة إلى صفقة تحقق للدول النامية نتائج فعلية

تجتمع الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر من كل عام لعقد اجتماعها السنوي في نيويورك، ويؤدي رؤساء الولايات المتحدة الطقوس الخاصة بالتعهد بأن أميركا – على الرغم من تركيزها المهووس على روسيا والصين – تهتم حقاً بالدول الأكثر احتياجاً في العالم.

ولكن يبدو أن جنوب العالم، كما يُطلق على الدول النامية في آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية، يشعر بشكل متزايد بأن الولايات المتحدة تكذب عليه، وأن هذه الدول تجد نفسها غالباً مكتوفة الأيدي بشأن حرب في أوكرانيا لا حول لها فيها ولا قوة.

نعم، لقد صوتت 141 دولة في مارس 2022 لمصلحة إدانة روسيا في حربها ضد أوكرانيا.

ولكن بعد مرور عام، امتنعت 32 دولة – بما في ذلك الهند والصين – عن التصويت على قرار يطالب بإنهاء الحرب.

مما لا شك فيه أن زعماء العالم الثالث يحترمون الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. ولكنهم أيضاً يتساءلون: «لماذا تحظى أوكرانيا بكل هذا الاهتمام، في حين تعاني بقية العالم من الإهمال؟». «لماذا يحظى زيلينسكي بكل هذا التصفيق؟»، من المؤكد أن هناك بعض الغيرة والتنافس في هذا النهج البعيد المدى تجاه أوكرانيا. ولكننا في الحقيقة نتجاهل مطالب الجنوب العالمي ولا نعيرها أي اهتمام، وهو ما يعرضنا للخطر.

في سبتمبر الماضي، ألقى الرئيس جو بايدن خطاباً أمام الجمعية العامة قرع فيه كل الأجراس المعتادة.

ووعد بـ«دبلوماسية لا هوادة فيها»، ومناصرة «بلا خجل» للتنمية العالمية.

وروّج بايدن لستة برامج ومبادرات ترعاها الولايات المتحدة لمصلحة فقراء العالم. ولكن ماذا أنتجت هذه الوعود بعد عام؟ وبعيداً عن الاجتهاد اليومي الذي تبذله الوكالات الجيدة مثل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، فإن الجواب هو: «ليس كثيراً».

من المحتمل أن يقدم بايدن قائمة مماثلة للنوايا الحسنة هذا الشهر. لكننا لن نتفاجأ إذا لم يصدقه العالم. نحن بحاجة إلى صفقة أكثر صدقاً في شهر سبتمبر الجاري تضع فيها الولايات المتحدة مشكلات الجنوب العالمي على محمل الجد بشكل أكبر وتحقق نتائج فعلية، إذا بذلت الدول المتلقية مزيداً من الجهود لإنهاء الحرب في أوكرانيا، والتي، من بين أمور أخرى، تخنق إمدادات الحبوب العالمية، وتجعل انعدام الأمن الغذائي في العالم النامي أسوأ بكثير.

وعلى الرغم من أن هذا قد يبدو مجرد وعد صريح، فإنه سيكون بمثابة صفقة عملية، من حيث المصلحة الذاتية المتبادلة، ومثالية في الوقت نفسه.

من أشد المنتقدين لفشل الولايات المتحدة في تلبية احتياجات الجنوب العالمي هو نائب الأمين العام السابق للأمم المتحدة والرئيس الحالي لمؤسسات المجتمع المفتوح، مارك مالوك براون، وهي المنظمة التي أنشأها جورج سوروس لتمويل المشروعات في العالم النامي. لقد أطلعني مالوك براون، أخيراً، على بعض الأدلة المثيرة للقلق حول مدى سوء سير أجندة التنمية.

وأشار إلى أن الأمم المتحدة تخطط لعقد قمة هذا الشهر، أمام الجمعية العامة، حول «أهداف التنمية المستدامة»، التي تم تحديدها في عام 2016. ووفقاً لتقديراته، فإنه من بين 140 مقياساً لتحقيق هذه الأهداف، فإن نصف هذه المقاييس لم يعد كذلك، ونحو الثلث توقف أو تراجع عن مساره.

وذكر مالوك براون أن «هذا التراجع العالمي عن التقدم واضح في تدابير أخرى».

لقد انخفض مؤشر التنمية البشرية التابع للأمم المتحدة للعام الثاني على التوالي، ليعود إلى مستويات عام 2016، وهو أول انخفاض من نوعه منذ أن بدأت الوكالة في جمع الإحصاءات، ويؤثر انعدام الأمن الغذائي العالمي على أكثر من 345 مليون شخص، أي أكثر من ضعف مستوى عام 2020. وقال مالوك براون إن «نحو 60% من البلدان منخفضة الدخل تواجه ضائقة الديون».

وتشير استطلاعات إلى أن الرأي العام العالمي يريد أفعالاً وليس أقوالاً. ومن المقرر أن تنشر مؤسسات المجتمع المفتوح قريباً دراسة استقصائية تضم أكثر من 36 ألف شخص من المشاركين في 30 دولة، يمثلون 5.6 مليارات شخص.

لم يتم الإعلان عن التفاصيل بعد، ولكن يبدو أن أغلبية كبيرة تعتقد أن المقرضين يجب أن يساعدوا البلدان المدينة، وتخشى أن يؤدي تغيّر المناخ إلى إلحاق الضرر بها في العام المقبل، وتريد أن يكون لها دور أكبر في القرارات المالية الدولية، وتعتقد أن البلدان ذات الدخل المرتفع يجب أن تزيد من موارد البنك الدولي.

وتستطيع روسيا البقاء سياسياً، من خلال إقناع العالم النامي بأن السبب في مشكلاتها هو الدول الغنية في الغرب، حتى عندما يعزى الضرر مباشرة إلى تصرفات موسكو.

ومن الأمثلة على ذلك، القرار الذي اتخذته روسيا بالانسحاب في يوليو من مبادرة حبوب البحر الأسود، والتي تم التفاوض عليها بشق الأنفس في العام الماضي من قِبل الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش.

وحذر صندوق النقد الدولي في يوليو من أن تحرك روسيا لإحباط الاتفاق قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 10-15%.

في بعض الأحيان يتم وضع الدعم لأوكرانيا والجنوب العالمي جنباً إلى جنب، وهما في الحقيقة متقاربان.

وفي الحقيقة أنه لن يكون هناك سلام عادل لإنهاء هذا الصراع الرهيب دون دعم من المتحفظين. وبتعبير صارخ: «لن تتمكن الولايات المتحدة من تحقيق مصالحها الأمنية الوطنية دون أن تصبح أكثر انخراطاً في قضايا التنمية العالمية».

• في بعض الأحيان يتم وضع الدعم لأوكرانيا والجنوب العالمي جنباً إلى جنب، وهما في الحقيقة متقاربان. ولن يكون هناك سلام عادل لإنهاء هذا الصراع الرهيب دون دعم من المتحفظين.

ديفيد اغناتيوس ■ من أبرز المحللين في صحيفة «واشنطن بوست»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى