اخبار الامارات

المؤرخ الأسكتلندي نيال فيرغسون: قيادة أميركا لحلفائها في مهب الريح

يشعر كثير من الأوروبيين بعدم الارتياح لوقوعهم بين قوتين عظميين في حرب باردة جديدة، وهم يعرفون أن الصين مسؤولة جزئياً عن هذا الموقف، لكنهم يرون أن الولايات المتحدة مسؤولة بالقدر نفسه.

تشهد العواصم الأوروبية مناقشات كثيرة حول القيادة الأميركية للمعسكر الغربي بشكل خاص، وللنظام العالمي بشكل عام، وهناك اعتراف واسع بين النخبة الأوروبية بأهمية القيادة الأميركية، وإن لم يكن كثيرون منهم قادرين على إعلان هذا الاعتراف.

وقبل عامين نشر مجلس الاستخبارات الوطني الأميركي تقريره «التوجهات العالمية حتى 2040»، تضمن خمسة سيناريوهات للعالم بعد 17 عاماً من الآن.

وكان السيناريو المرغوب فيه هو «نهضة الديمقراطيات»، وفيه تقود الولايات المتحدة عودة ما يعرف بالعالم الحر، لكن ربما يستحق الأمر استعراض السيناريوهات الأربعة الأخرى، وهي سيناريوهات يجب تجنبها، منها: «عالم مضطرب»، حيث تكون الصين دولة قائدة، لكنها ليست مسيطرة عالمياً، وكذلك سيناريو «التعايش التنافسي»، وفيه تتنافس الولايات المتحدة والصين على القيادة في عالم منقسم.

أما سيناريو «الصوامع المنفصلة» فيقدم عالماً تنهار فيه العولمة، وتظهر كتل اقتصادية وأمنية لحماية الدول من المخاطر المتزايدة، وأخيراً السيناريو الخامس وهو «المأساة والتعبئة»، وهو قصة تغيير ثوري من القاع إلى القمة في أعقاب مخاطر بيئية عالمية مدمرة.

السيناريو الثالث

يقول المؤرخ الأسكتلندي نيال فيرغسون، في تحليل نشرته وكالة «بلومبرغ» للأنباء، إنه بعد عامين من نشر تقرير مجلس الاستخبارات الوطني، يواجه العالم السيناريو الثالث، حيث يتصاعد التنافس الأميركي الصيني على الأسواق، والموارد والنفوذ السياسي والشعبي.

في الوقت نفسه فإن تزايد الاعتماد الاقتصادي المتبادل بين الدول الكبيرة يقلل مخاطر دخولها في صراعات مسلحة مباشرة، ومعظمها منخرط في عمليات لتعزيز النفوذ العالمي والتجسس الاقتصادي، والهجمات السيبرانية التي تسمح لها بتحقيق أهدافها دون المخاطرة بدخول حروب مدمرة.

التحدي الأمني

ويتمثل التحدي الأمني المركزي في كيفية منع التنافس الجيوسياسي بين الصين والولايات المتحدة من تدمير التعاون الاقتصادي الذي يعتمد عليه ازدهار البلدين والاقتصاد العالمي ككل.

ويشعر كثير من الأوروبيين بعدم الارتياح لوقوعهم بين قوتين عظميين في حرب باردة جديدة، وهم يعرفون أن الصين مسؤولة جزئياً عن هذا الموقف، لكنهم يرون أن الولايات المتحدة مسؤولة بالقدر نفسه.

بالطبع جاء تحرك التحالف الأميركي عبر الأطلسي رداً على حرب روسيا وأوكرانيا في العام الماضي أفضل من التوقعات، لكن يمكن القول إن المشكلة هي ما يسمى «قانون القوة – النسخة الجيوسياسية»، ويعني أن توزيع مساهمات 38 دولة تدعم المجهود الحربي لأوكرانيا غير معتاد، لكنه يخضع لقانون القوة، فهناك مساهم واحد كبير والكثير من المساهمين الصغار.. بالطبع المساهم الأكبر هو الولايات المتحدة.

وبحسب أحدث بيانات «مؤشر دعم أوكرانيا»، فإن المساعدات الأميركية المالية والإنسانية والعسكرية لأوكرانيا تعادل سبعة أمثال مساهمات الدولة التي تليها مباشرة في القائمة وهي بريطانيا، كما أنها تزيد بنسبة 15% عن إجمالي المساعدات التي قدمتها دول ومؤسسات الاتحاد الأوروبي مجتمعة، وتزيد بنسبة 45% عن إجمالي المساعدات التي قدمتها 39 دولة أخرى مجتمعة، بمعنى آخر فالولايات المتحدة لا تقود فقط حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وإنما التحالف غير الرسمي الأوسع نطاقاً للدول الداعمة لأوكرانيا.

هذا الموقف يعتبر مشكلة لأنه يجعل أي جهود تقودها الولايات المتحدة تعتمد بشدة على دعم الناخبين الأميركيين. ومواقف هؤلاء الناخبين متقلبة، خصوصاً عندما يشعرون بأنه يتم استنزاف «العم سام» من جانب مجموعة من «الركاب لا يدفعون ثمن الرحلة».

والآن وبعد 15 شهراً من الحرب في أوكرانيا مازال الرأي العام الأميركي يؤيد دعم كييف. وبحسب استطلاع رأي أخير أجراه مركز هارفارد هاريس، فإن 23% من الأميركيين يعتقدون أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تقوم بعمل «مفرط» لمواجهة روسيا في أوكرانيا.

كما أن 15% من الأميركيين يعتقدون أن إدارة بايدن تتعامل مع السياسة الصينية بقوة مفرطة. لكن التاريخ يقول إن هذه النسب يمكن أن ترتفع بسرعة، خصوصاً إذا تدهورت الأوضاع الاقتصادية للأميركيين مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية.

ويقول فيرغسون المحاضر في جامعة هارفارد، إن هذه الحقيقة تفرض السؤال عن القيادة الأميركية الاقتصادية في العالم، فعندما يكون أداء الاقتصاد الأميركي أفضل من أداء الحلفاء والخصوم، تستطيع واشنطن تحمل عبء القيادة كما يحدث في أوكرانيا.

ومرة ثانية، تبدو الأمور جيدة من الناحية الظاهرية، فعلى سبيل المثال تعتقد مجلة «إيكونوميست» الاقتصادية البريطانية المرموقة أن الولايات المتحدة «تقفز إلى أعلى»، في حين تقترب الصين من ذروة صعودها الاقتصادي.

لكن مع نظرة أشد قرباً تصبح الصورة أقل وردية، وذلك لسبب واحد هو أن الأوضاع المالية العامة الأميركية غير مستدامة، كما أوضحه الخلاف بين الكونغرس والإدارة الأميركية بشأن سقف الدين العام أخيراً. ومن المتوقع ارتفاع عجز الميزانية الأميركية لأكثر من 5% من إجمالي الناتج المحلي خلال السنوات الـ10 المقبلة، ليصل إلى 7.3% عام 2033.

ويتوقع محللون وخبراء أن تتجاوز نفقات خدمة الدين الأميركي مخصصات الإنفاق العسكري في عام 2029، في حين يتوقع فيرغسون الوصول إلى هذه المرحلة في وقت أقرب من ذلك، مشيراً إلى أن تاريخ الإمبراطوريات السابقة التي كانت تنفق على خدمة الدين أكثر مما تنفق على الأمن القومي لا يدعو للتفاؤل.

ثمن مرتفع

ومازال الأميركيون يدفعون ثمناً مرتفعاً للخطأ الفادح لمجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي) الأميركي عندما تجاهل ارتفاع معدل التضخم خلال 2021 وأوائل 2022، والآن يتراجع معدل التضخم في الولايات المتحدة، لكنه مازال بعيداً للغاية عن المستوى المستهدف وهو 2%، وهو ما يضرب بمصداقية هذا المعدل المستهدف.

ويسأل فيرغسون عما إذا كان لدى الولايات المتحدة استراتيجية للقيادة، مشيراً إلى الكلمة التي ألقاها مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان في معهد بروكينغز للدراسات الشهر الماضي، وقال فيها إن استراتيجية التصنيع الأميركية الجديدة لا تمثل تهديداً لحلفاء الولايات المتحدة، لأنها شجعتهم على أن يحذوا حذو الولايات المتحدة، كما ألمح إلى أن الأمر نفسه ينطبق على حصر التفوق التكنولوجي للولايات المتحدة على الصين «في نطاق ضيق محمي بسياج مرتفع».

النهج نفسه

ومن الناحية الرسمية فإن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يتبنيان النهج نفسه عندما يتعلق الأمر «بعدم المخاطرة» بالعلاقات الاقتصادية مع الصين، لكن في الجلسات المغلقة يتحدث الأوروبيون عن هواجس عدة تجاه الولايات المتحدة، أولها قانون خفض التضخم الأميركي الذي أصدرته إدارة الرئيس جو بايدن العام الماضي، ويعتبره الأوروبيون نسخة بايدن من استراتيجية «أميركا أولاً» للرئيس السابق دونالد ترامب. وثانيها إدراكهم أن حديث سوليفان عن السياج المرتفع لحماية التفوق التكنولوجي الأميركي على الصين يعني أيضاً إبقاء الأوروبيين خارج هذا السياج، خصوصاً في ما يتعلق بسباق الذكاء الاصطناعي، أما الهاجس الثالث فيتعلق بالتداعيات غير المقصودة للسياسة الأميركية للاحتواء التكنولوجي للصين.

أخيراً يرى نيال فيرغسون أن القيادة الأميركية فكرة جيدة بالفعل، لكن رحلة واحدة إلى أوروبا ستبدد الإيمان بهذه الفكرة. بالطبع يمكن القول إن تآكل مصداقية الولايات المتحدة باعتبارها «مدينة مشرفة على التل» كما كان يردد الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان، هو أمر مفهوم تماماً، ونحن نجد أن رئيساً سابقاً هو دونالد ترامب يسعى للفوز بفترة رئاسة جديدة لكي يتجنب دخول السجن بسبب جرائم تورط فيها.

فإذا كانت الولايات المتحدة هي القائد بلا منازع لأطراف الأرض في مواجهة قلب الأرض التي تمثلها منطقة أوراسيا، بحسب نظرية عالم الجغرافيا السياسية الأميركي الشهير نيكولاس سبايكمان، فإن تماسك تحالف الأطراف الآن أصبح أضعف من أي وقت مضى، وبدأت التشققات تظهر فيه بشكل مقلق.


• تزايد الاعتماد الاقتصادي المتبادل بين الدول الكبيرة يقلل مخاطر دخولها في صراعات مسلحة مباشرة، وأغلبها منخرط في عمليات لتعزيز النفوذ العالمي والتجسس الاقتصادي، والهجمات السيبرانية التي تسمح لها بتحقيق أهدافها دون المخاطرة بدخول حروب مدمرة.

• بحسب أحدث بيانات «مؤشر دعم أوكرانيا»، فإن المساعدات الأميركية المالية والإنسانية والعسكرية لأوكرانيا، تعادل سبعة أمثال مساهمات الدولة التي تليها مباشرة في القائمة وهي بريطانيا، كما أنها تزيد بنسبة 15% عن إجمالي المساعدات التي قدمتها دول ومؤسسات الاتحاد الأوروبي مجتمعة.

• إذا كانت الولايات المتحدة هي القائد بلا منازع لأطراف الأرض في مواجهة قلب الأرض التي تمثلها منطقة أوراسيا بحسب نظرية عالم الجغرفيا السياسية الأميركي الشهير نيكولاس سبايكمان، فإن تماسك تحالف الأطراف الآن أصبح أضعف من أي وقت مضى، وبدأت التشققات تظهر فيه بشكل مقلق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى