اخبار الامارات

الرئيس الروسي يراهن على حرب الاستنزاف ونفاد الذخيرة

يتساءل مراقبون عن كيفية إنهاء الحرب في أوكرانيا. ويبدو أن بعض السياسيين لديهم مقاربات خاصة بهم. ففي وقت سابق من العام الجاري، تفاخر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بأنه إذا أعيد انتخابه، فسوف «يحسم تلك الحرب في يوم واحد، خلال 24 ساعة». ويقدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين توقعات أقل طموحاً بعض الشيء: إذا سارت الأمور وفقاً لطريقته، فمن الممكن أن تنتهي الحرب في غضون أسبوع. وفي تصريحات أدلى بها يوم الخميس في الاجتماع السنوي لنادي فالداي للحوار، وهو منتدى صديق للكرملين حول القضايا العالمية، توقع بوتين أن تنهار أوكرانيا إذا أوقف الغرب المساعدات العسكرية والاقتصادية.

وقال: «بشكل عام لا يمكن للاقتصاد الأوكراني أن يستمر دون دعم خارجي». ويسترسل: «بمجرد أن يتوقف هذا، فإن كل شيء سينتهي في غضون أسبوع»، ويسترسل «الأمر نفسه ينطبق على نظام الدفاع، لنا أن نتخيل أن الإمدادات ستتوقف غداً، ولن يكون أمام أوكرانيا سوى أسبوع لتنهار عندما تنفد الذخيرة».

ربما كانت هذه التصريحات هي التعبير الأكثر وضوحاً من جانب بوتين حتى الآن بشأن استراتيجيته في أوكرانيا، فهو يعتمد على وهن التحالف الغربي الذي يدعم أوكرانيا، فكلما طال أمد حرب الاستنزاف البشعة، فتّ ذلك في عضد الغرب. وتشير التطورات التي شهدتها الأيام الأخيرة، والتي أثارت انزعاج أنصار أوكرانيا، الذين يشيرون إلى أن خطة بوتين ربما تكتسب بعض الثِقَل.

إذا تمعنّا في العناوين الأخيرة في واشنطن، في الأسبوع الماضي وقّع الرئيس جو بايدن على مشروع قانون مؤقت لتجنب إغلاق الحكومة، لكن تمويل أوكرانيا كان ضحية سياسة على حافة الهاوية في الكابيتول هيل. هذا الإجراء الذي تم توقيعه ليصبح قانوناً قد يبقي الحكومة الأميركية مفتوحة فقط حتى 17 نوفمبر، لكنه لا يتضمن أي تمويل إضافي لأوكرانيا. وتؤكد إدارة بايدن أن دعم الرأي العام الأميركي لأوكرانيا لايزال قوياً، لكن نقص التمويل في مشروع القانون الخاص بأوكرانيا يجعل عقارب الساعة تدق بالنسبة لكييف، ويجعل البيت الأبيض يسارع إلى إيجاد حلول بديلة.

طوال فترة الحرب، كانت الولايات المتحدة بمثابة شريان حياة ثابت لأوكرانيا، حيث خصصت لها ما مجموعه نحو 113 مليار دولار، بما في ذلك المساعدة العسكرية المباشرة، وضخ الميزانية والمساعدات الإنسانية. ولكن الإطاحة برئيس مجلس النواب كيفن مكارثي جعلت احتمالات التوصل إلى حزمة مساعدات جديدة في الأمد القريب موضع شك جدي، ففي غياب رئيس دائم، يصبح العمل التشريعي في مجلس النواب معلقاً فعلياً.

لدى الإدارة بعض الخيارات، فقد أشار مراقب وزارة الدفاع (بنتاغون)، وهو المسؤول المالي الأول لوزارة الدفاع، إلى أن هناك خياراً لتجديد الإمدادات العسكرية المتضائلة لأوكرانيا من خلال ما يعرف بسلطة السحب الرئاسية. ولكن الدراما الجارية في الكونغرس على المشرعين الجمهوريين من اليمين المتطرف تثير تساؤلات جدية حول إدامة الولايات المتحدة للمساعدات على المدى الطويل لأوكرانيا، خصوصاً خلال الهجوم المضاد الكبير.

ثم هناك السباق على ترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة، والذي من المرجح أن يلعب أيضاً دوراً في حسابات بوتين. لاشك أن الكرملين يدرك حقيقة أن العديد من الطامحين إلى الحزب الجمهوري يتشككون بصوت عالٍ عندما يتعلق الأمر بمساعدة أوكرانيا. ويقود ترامب المجموعة، وهو ليس صديقاً لأوكرانيا.

ومن الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة ليست الدولة الوحيدة التي تتحمل العبء المالي لدعم أوكرانيا. ويقدم أعضاء الاتحاد الأوروبي نحو 39% من المساعدات العسكرية المباشرة لأوكرانيا.

ومن الواضح أن بوتين يعول على الإرهاق الذي تعانيه أوكرانيا في أوروبا. وفي وقت سابق من الأسبوع الجاري، حقق حزب يرأسه روبرت فيكو، وهو شخصية شعبوية مؤيدة للكرملين، الفوز في الانتخابات البرلمانية التي جرت في سلوفاكيا، العضو في الاتحاد الأوروبي و(الناتو) حلف شمال الأطلسي. وقد دعا فيكو الحكومة السلوفاكية إلى التوقف عن تسليح أوكرانيا، ولاشك أن خطابه المتمثل في إلقاء اللوم على «النازيين والفاشيين الأوكرانيين» بشأن استفزاز روسيا لغزو أوكرانيا على نطاق واسع، لابد أن يكون له وقع الموسيقى على آذان بوتين.

ويبدو أن مستشاري بوتين يقرؤون أيضاً الصحافة التجارية الدفاعية. وفي تصريحاته الأسبوع الجاري، أشار زعيم الكرملين إلى أن القاعدة الصناعية الأميركية تكافح لتغطية زيادة الطلب على الذخيرة من أوكرانيا، التي تخوض مباراة مدفعية مع روسيا.

وزعم في مؤتمر فالداي أن «الولايات المتحدة تنتج 14 ألف قذيفة عيار 155 مليمتراً، وتستهلك القوات الأوكرانية ما يصل إلى 5000 قذيفة يومياً، ويسترسل «نعم، إنهم يحاولون زيادة الإنتاج لما يصل إلى 75 ألف قذيفة بحلول نهاية العام المقبل، ولكن هل يتعين علينا الانتظار حتى نهاية العام المقبل؟».

ربما كانت حسابات بوتين غير واضحة بعض الشيء، إذ يبلغ الإنتاج الشهري للولايات المتحدة حالياً 28 ألف قذيفة. لكن الرئيس الروسي لم يخطئ في وصف حقيقة مفادها أن الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين يخوضون سباقاً يائساً ضد القاعدة الصناعية الروسية.

وفي مناقشة جرت الأسبوع الماضي في منتدى وارسو الأمني، حذر الأدميرال في البحرية الملكية الهولندية، روب باور، رئيس اللجنة العسكرية للناتو من أن «قاع البرميل أصبح مرئياً الآن»، كناية على انحسار إنتاج الذخيرة لأوكرانيا.

ومن ثم، يبدو أن بوتين يعتمد على الخلل الوظيفي في واشنطن والتوتر داخل التحالف عبر الأطلسي من أجل نجاح استراتيجية الاستنزاف التي يتبعها. وتعتمد هذه الاستراتيجية أيضاً، إلى حد ما، على الفوز في معركة الإدراك. ويزعم منطق الكرملين أنه إذا نظرنا إلى أوكرانيا باعتبارها قضية خاسرة، فإن رعاتها سوف يسحبون القابس.

ولكن ماذا عن الوضع الفعلي على الأرض في أوكرانيا، فمع اقتراب فصل الشتاء وعدم تحقيق الهجوم الأوكراني المضاد الذي طال انتظاره سوى مكاسب تدريجية؟ فهل يعني أن الوضع أصبح حرجاً كما يعتقد بوتين؟

وينظر بوتين إلى هذا الصراع بمنظور وجودي، مجادلاً الأسبوع الجاري بأن هناك صراعاً يجري الآن لإنشاء نظام عالمي جديد يتناسب مع الدول الاستبدادية، ويشير ضمناً إلى أن روسيا ستظل صامدة على المدى الطويل.

وقال في منتدى فالداي: «الأزمة الأوكرانية ليست صراعاً إقليمياً، أريد التأكيد على ذلك»، ويسترسل: «روسيا هي أكبر دولة في العالم، ولها أكبر مساحة، ليس لدينا أي مصالح في ما يتعلق بشن حرب على أي مناطق إضافية، لايزال يتعين علينا استكشاف وتطوير سيبيريا وسيبيريا الشرقية والشرق الأقصى، وهذا ليس صراعاً إقليمياً أو حتى إنشاء توازن جيوسياسي إقليمي، نحن نتحدث عن المبادئ التي سيرتكز عليها النظام العالمي الجديد.

• في مناقشة جرت الأسبوع الماضي في منتدى وارسو الأمني، حذر الأدميرال في البحرية الملكية الهولندية رئيس اللجنة العسكرية للناتو، روب باور، من أن «قاع البرميل أصبح مرئياً الآن»، كناية عن انحسار إنتاج الذخيرة لأوكرانيا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى