الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا بـ «التنقيط» يطيل أمد الحرب
تظل سياسة الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا كما هي، إمداد أوكرانيا بالموارد بـ«التنقيط»، من دون منحها الفرصة للتغلب على روسيا.
لقد كان الشهر الماضي صعباً بالنسبة لبلد يعيش حالة حرب منذ أكثر من 1000 يوم، فقد استنفرت روسيا – عدوتها اللدود – 11 ألف جندي من كوريا الشمالية، ومرتزقة من جهات أخرى، للمساعدة في مشروعها لـ«محو» أوكرانيا، كما دمرت روسيا شبكة الطاقة في أوكرانيا، مع انخفاض درجات الحرارة إلى ما دون الصفر، وأطلقت أسلحة تجريبية متوسطة المدى، وتواصل تحقيق مكاسب في الشرق.
وكأن هذا لم يكن كافياً، فقد تم انتخاب الرئيس الأميركي المفضّل لدى روسيا، دونالد ترامب، الذي وعد بإنهاء الحرب في «24 ساعة»، وليس لمصلحة أوكرانيا.
ومع ذلك، بعد كل هذا، فإن السؤال الذي طُرِح عليّ باستمرار، على مدار الأسبوع الماضي: «هل يصعّد الغرب الحرب؟»، ويشير السؤال إلى إلغاء بعض القيود المفروضة على أوكرانيا، التي منعتها من استخدام الصواريخ الغربية لضرب الأراضي الروسية.
سياسة «التنقيط»
وفي الواقع، فإن السياسة الغربية في التعامل مع الحرب لا تتسم بالتصعيد، بل إن أفضل وصف لها في واقع الأمر هو أنها سياسة تدريجية، بتقديم الأسلحة بـ«التنقيط»، أي ما يُبقي أوكرانيا على قيد الحياة، لكنه لا يسمح لها بالتأكيد بدفع روسيا للخروج من أراضيها، والسبب وراء عدم منحها هذه الفرصة يتلخص في أمرين:
أولاً: اتباع مثل هذه السياسة سيكلف أوكرانيا كثيراً جداً في الإنفاق الدفاعي، وتوفير الأسلحة لها، والحفاظ على اقتصادها ومجتمعها، والواقع أن الحروب مكلفة جداً، والحكومات الديمقراطية التي تعتمد على ناخبيها لا ترغب في إخبارهم بمثل هذه الكلفة.
وكما توضح الانتخابات الأميركية، فإن شاغلي المناصب الذين يمارسون السلطة في وقت ترتفع الضرائب وأسعار السلع الأساسية، عادة ما يفشلون في صناديق الاقتراع.
والسبب الثاني وراء عدم منح العالم الغربي أوكرانيا كل ما في وسعه منحه لها، يتعلق تحديداً بالتصعيد، فمهما بلغت درجة التصعيد التي لجأت إليها روسيا، وأحدثها إطلاق صاروخ باليستي «تجريبي»، فإن الولايات المتحدة على وجه الخصوص ليست راغبة في الرد، ومن الواضح أن إدارة الرئيس، جو بايدن، أصيبت بعدوى التهديدات النووية الروسية، وتحديث «عقيدتها» النووية (على الرغم من حقيقة أن أمثال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يكلفون أنفسهم عناء استشارة الكتيبات الإرشادية لمعرفة متى يستخدمون الأسلحة النووية)، هذا مثال حي لكيفية استخدام الابتزاز النووي.
مساعدات ضئيلة
قبل استعادة بوتين شبه جزيرة القرم ودونباس في أوكرانيا خلال عام 2014، رفض الغرب تقديم أي مساعدة عسكرية لأوكرانيا، أو فرض عقوبات على روسيا بشكل هادف، وفي السنوات الثماني بعد ذلك، والحرب الشاملة بين روسيا وأوكرانيا في عام 2022، قدم الغرب كميات ضئيلة من المعدات العسكرية، وكانت عقوباته على روسيا خفيفة، وعندما استفحلت الحرب عرضت ألمانيا الخوذات فقط، ولم تصل دباباتها إلا بعد عام من ذلك، ولم تبدأ طائرات «إف-16» المقاتلة في التحليق حتى أغسطس من هذا العام، كما لم يكن من الممكن إطلاق صواريخ «ستورم شادو» البريطانية على الأراضي الروسية حتى الأسبوع الماضي، وتمت الموافقة الآن على الألغام المضادة للأفراد، غير أنها لم تصل بعد.
لكن إذا تم تسليم المعدات قبل اندلاع الحرب، وتم منح الإذن باستخدامها بشكل مناسب بعد ذلك مباشرة، فمن المؤكد أن أوكرانيا كانت ستكون في وضع أفضل الآن، لا يمكن للمرء أن يقول على وجه اليقين إن أوكرانيا كانت ستطرد روسيا من أراضيها، لكن من غير الممكن أيضاً أن نقول على وجه اليقين إن روسيا لم تكن لتبدأ الحرب على الإطلاق إذا كانت أوكرانيا مسلحة بشكل أفضل.
ومع ذلك، ما يمكن للمرء أن يقوله أن المعركة كانت ستكون أكثر عدالة، وإن عدداً أقل من الأوكرانيين كان سيموت، سواء على الخطوط الأمامية أو في المدن الكبرى.
مراراً وتكراراً، نسمع أن أوكرانيا لا تستطيع – وفي بعض الحالات لا ينبغي لها – الفوز في هذه الحرب، من المؤكد أن رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، والمستشار الألماني، أولاف شولتس، وجو بايدن، لم يدعوا إلى ذلك، وفضّلوا بدلاً من ذلك العبارة الأكثر غموضاً، والمهينة الآن عن غير قصد: «نحن نقف مع أوكرانيا طالما تطلّب الأمر»، إذا لم يتم تزويد أوكرانيا بالأدوات، مع وضع هدف الفوز في الحسبان، فلن تتمكن من الفوز.
فرصة
إن المطلوب لكي تحظى أوكرانيا بأي فرصة للاستمرار كدولة ذات سيادة كاملة، هو وقف التغذية بـ«التنقيط»، والتعلم من الدورات المهنية لمفهوم «المكاسب التدريجية»، والتغييرات الصغيرة، التي لا يجلب أي منها بمفرده انتصاراً جماعياً، لكنها، عندما يتم نشرها معاً بالأحجام والتبديلات الصحيحة، فإنها تفعل ذلك.
ويشمل ذلك استخدام احتياطيات روسيا العالقة، البالغة 300 مليار دولار، وتشديد العقوبات، خصوصاً ضد أسطول الظل الروسي الذي ينقل النفط، وإرسال المخزونات الحالية من المعدات والذخائر، لاسيما أنظمة الدفاع الجوي، والاستثمار في الصناعات الدفاعية للدول الأعضاء الأوروبية بهدف محدد وهو إمداد أوكرانيا، وإزالة أي قيود لاتزال قائمة على استخدام الأسلحة لاستهداف القوات الروسية أو الإمدادات أو خطوط الإمداد أو البنية الأساسية داخل روسيا، وتدمير الصواريخ الروسية فوق الأراضي الأوكرانية، ونشر قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) في غرب ووسط أوكرانيا للمساعدة في الخدمات اللوجستية والإمدادات والتدريب، لتخفيف الضغوط عن الجيش الأوكراني، ووضع خطة عضوية لأوكرانيا من أجل تأمينها مستقبلاً.
جيمس نيكسي* *رئيس برنامج روسيا وأوراسيا في معهد «تشاتام هاوس» عن «الغارديان»
أوكرانيا «ليست أوروبا»
هناك سبب آخر لعدم قيام الغرب بكل ما في وسعه، وهو أننا نتحدث عن أوكرانيا، فلو كانت أوكرانيا هي البرتغال أو فرنسا لكان من المؤكد أننا كنا سنحرك السماء والأرض لحمايتها بالكامل، لكن أوكرانيا «لا تُعدّ أوروبا»، ومن السهل تجاهلها.
غير أن هناك مشكلة واحدة في هذا الشأن، فأوكرانيا هي خط المواجهة، ومولدوفا التي كانت ذات يوم جزءاً من إمبراطورية الكرملين، بدأت تترك فلك روسيا، وهي بالتأكيد في خطر، كما تعمل بولندا ودول البلطيق على «إثارة عداوة» روسيا من خلال وجودها بشكل مستقل عن سيطرة موسكو، عند هذه النقطة ينبغي أن يقرر العالم الغربي أنه كفى، ويدرك أن هذه الحرب يجب خوضها وربحها، وليس إدارتها ثم خسارتها.
. مهما بلغت درجة التصعيد التي لجأت إليها روسيا، وأحدثها إطلاق صاروخ باليستي «تجريبي»، فإن أميركا على وجه الخصوص ليست راغبة في الرد.