«الخيزران» ينقل قرية باتشغاون الهندية من الفقر المدقع إلى الرخاء
مع إشراقة كل صباح يتردد صدى صوت الفؤوس وهي تضرب الخشب في غابة الخيزران في قرية باتشغاون بولاية ماهاراشترا وسط الهند، حيث إن هناك مستودعاً ضخماً، أكبر من ملعب «كريكيت»، مملوءاً بأغصان الخيزران المكدسة فوق بعضها حسب الحجم في أقسام مختلفة.
وعلى مقربة من المستودع يوجد مكتب صغير بلا نوافذ مطلي بألوان الغابة، يعمل فيه عدد قليل من الموظفين لمتابعة أعمال الخيزران، وكان شاهداً على تحوّل باتشغاون من الفقر المدقع إلى الرخاء خلال عقد من الزمن.
وقال أحد أعضاء المجلس المسؤول عن القرية، سانجاي غاجانان غوبانوار: «في السابق كانت الغابة بعهدة إدارة الغابات، أما الآن فهي في عهدتنا، لقد وضعنا 115 قاعدة لكيفية توسيعها ورعايتها وحمايتها».
تنفيذ القوانين
وتدور قصة صعود قرية باتشغاون من الفقر إلى الثراء النسبي في أعقاب تنفيذ قانونين قائمين منذ زمن طويل، أعادا إلى المجتمع القبلي المحلي حقوقه التقليدية في ملكية الغابات، التي فقدها لمصلحة الحكام والمستعمرين منذ أجيال عدة سابقة.
وبموجب قانون حقوق الغابات الصادر عام 2006 وقانون «البانشيات» (التمدد إلى المناطق وفق الجدول) لعام 1996، يمكن للمجالس القروية القبلية أو «البانشيات»، التقدم بطلبات للحصول على «أوراق حقوق الغابات المجتمعية»، أو سندات ملكية موارد الغابات المحددة، وتشكيل مجالس قروية خاصة بها لاتخاذ القرارات بشأن الحوكمة وتسويق الفواكه والبذور والأعشاب والأشجار التي يتم قطعها في الغابة.
وعندما دخلت القوانين حيز التنفيذ، ومنها المتعلقة بالغابات، تم الترحيب بها باعتبارها تشريعات تقدمية من شأنها أن تصحح الظلم التاريخي الذي عانته المجتمعات القبلية لسنوات، لكن ضعف الوعي من جانب سكان الغابات، وتردد الحكومة في تسليم السيطرة الكاملة، أديا إلى ندرة تنفيذ هذه القوانين.
غير أن سكان باتشغاون واصلوا سعيهم للحصول على حقوقهم بإصرار وعناد، وحصلوا على وثائق أوراق تؤكد حقوقهم في الغابات المجتمعية في عام 2012، وتمكنوا من تملك مساحة 1006 هكتارات من أراضي الغابات، كما أصبحت قريتهم مستقلة ذاتياً.
وحققت تجارة الخيزران في القرية أرباحاً كبيرة وصلت إلى 3.7 ملايين روبية خلال العام المالي الماضي، وما مجموعه 34 مليون روبية في العقد الماضي.
قرية صغيرة
وبحسب ما قاله عضو مجلس إدارة القرية، سانجاي غاجانان غوبانوا، فإن باتشغاون قرية صغيرة يقطنها 300 شخص فقط، معظمهم من قبيلة «غوند»، وهي إحدى أكبر القبائل الهندية، مضيفاً: «غالبية السكان هنا لا يملكون الأرض، ولذلك فإنهم يعتمدون على الغابة لكسب معيشتهم».
وتابع غوبانوا: «لم يكن العمل الزراعي في قريتنا ثابتاً بسبب الفيضانات المتكررة كل موسم مع الرياح الموسمية التي تلحق الضرر بالمحاصيل، ولم يكن أمام القرويين خيار سوى الهجرة بحثاً عن العمل في مدينة كارناتاكا وولاية غوجارات، وحتى بعد العمل لمدة 12 ساعة في اليوم لم يكن لديهم ما يكفي من المال».
ضمان التوظيف
وكان من الممكن أن يستمر النمط الذي كان سائداً لعقود من الزمان في قرية باتشغاون دون تغيير لولا تدخل الناشط البيئي فيجاي ديثي، الذي كان يعمل على تحسين سبل العيش في القرى المجاورة ويمر بباتشغاون يومياً.
وقال ديثي وهو يرتشف الشاي من مقهى على جانب الشارع، ويتذكر المساعدات التي قدمها للقرويين لتنفيذ برنامج ضمان التوظيف الريفي الوطني الذي تم إقراره حديثاً، والذي يقدم 100 يوم عمل مدفوعة الأجر للبالغين: «أتعرّف إلى باتشغاون من أشجار البامبو (الخيزران) الموجودة بها، وقد ساعد برنامج التوظيف على إعادة بعض المهاجرين إلى قرية باتشغاون الذين كانوا يأملون بالعثور على عمل في القرية ذاتها حتى لو أنها لا تدفع لهم أجراً مجزياً كالذي يحصلون عليه في المدينة».
ومع زيادة اليأس من العمل اقترب القرويون من ديثي الذي كان قد تخرج للتو في الجامعة، للتحقق مما إذا كانت هناك طريقة ما يمكن أن تجلب دخلاً أكبر من برنامج ضمان التوظيف الريفي الوطني.
ورأى ديثي الإجابة في محمية الخيزران الغنية، وأخبر القرويين عن قانون حقوق الغابات لعام 2006، والذي من شأنه أن يمنحهم الفرصة لامتلاك الغابة.
امتلاك الغابة
وفي عام 2009 قدمت باتشغاون طلباً للحصول على حقوق امتلاك الغابة، وانتظرت ثلاث سنوات للحصول على الرد، لكنها واصلت المطالبة، وأرسلت رسائل تذكير إلى المسؤولين، بل وخططت للاحتجاج، غير أنه قبل النزول إلى الشارع تلقت القرية رداً إيجابياً على طلبها في 25 يونيو 2012، وهو التاريخ الذي تحتفل به الآن سنوياً باعتباره يوم حقوق الغابات.
وقال أحد سكان القرية ويدعى فينود رامسواروب تيكام (35 عاماً): «كان اليوم الذي حصلنا فيه على الأوراق بحق ملكية الغابة بمثابة مهرجان، وشعرنا بالذهول لأننا فزنا بهذا الحق، وأن احتجاجنا السلمي قد أثمر. لقد أصبحنا الآن على يقين تام بأن الغابة ملك لنا حقاً»، مضيفاً: «بعد حصولنا على الأوراق عاد كثير من القرويين من المدن التي كانوا يعملون بها، وبات البامبو مصدر رزقنا».
إيرادات
وتظهر السجلات أن باتشغاون باعت 8100 حزمة من البامبو بمبلغ 700 ألف روبية في عام 2013، وهي السنة الأولى التي بدأت فيها القرية هذه التجارة، وفي العام التالي باعت نحو 17 ألف حزمة، بلغت قيمتها هذه المرة 2.7 مليون روبية.
وخلال العقد الماضي حققت تجارة الخيزران إيرادات وصلت إلى نحو ستة ملايين روبية سنوياً، باستثناء عام 2020 خلال فترة جائحة «كورونا»، حيث انخفضت الإيرادات إلى أقل من 800 ألف روبية.
ورغم ذلك حرصت جمعية القرية على دفع رواتب الموظفين الذين يبلغ عددهم نحو 70 قروياً يعملون بقطع الخيزران في الغابة في جميع الأوقات، ولم يضطر أحد منهم إلى مغادرة القرية للبحث عن عمل.
ومع نمو الأعمال تزايدت أيضاً الأعمال المكتبية، فقد أنشأت القرية مكتباً من غرفة واحدة مع جهاز كمبيوتر وطابعة في عام 2015.
ومع ذلك قررت عدم اتباع هيكل هرمي للإدارة، حيث لا يوجد رئيس أو أمين سر، وإذا تم تعيين شخص كرئيس، فإن الموظفين يتفاعلون مع هذا الشخص فقط، وبهذه الطريقة يشارك الجميع على حد قول أحد سكان باتشغاون. عن «الغارديان»
فرص عمل
لا يعد سكان قرية باتشغاون الهندية من أهل الأعمال الذين يحسبون الأرقام، ويدرسون الجداول الإلكترونية، لتتبع العائدات والأرباح، لكنهم يدركون بوضوح الغرض من العائدات، وهو خلق فرص عمل في القرية، وتمويل المواد الخام لبناء المنازل ودعم التعليم الجامعي للشباب القرويين.
مساحات جديدة
تتطلع قرية باتشغاون إلى المستقبل أيضاً، فبعد أن أدرك أهل القرية أنهم بحاجة إلى غابات جديدة لمواصلة كسب العيش من أعمال الخيزران، بدأوا في توسيع مزارعهم.
وأدركوا أيضاً أنهم بحاجة إلى تنويع منتجاتهم، ولهذا السبب اشترت القرية أكثر من أربعة هكتارات من الأراضي من أرباحها قبل عامين بهدف تخزين منتجات الغابة غير الخيزران، وإنشاء وحدة لمعالجة بعض محاصيل الغابة، مثل التوت الأسود الهندي وأوراق التندو.
وتنتظر القرية الموافقة على طلبها، الذي قدمته عام 2014، للحصول على ملكية جزء آخر من الغابة تبلغ مساحته 900 هكتار، ما سيزيد من حجم الأعمال التي يقوم بها سكان القرية.
ويلخص القروي غاجانان ثيمكي حلم قرية باتشغاون بالقول: «الجيل المقبل للقرية سيعيش هنا، وإذا لم يحصلوا على وظائف في أماكن أخرى فسيظلون يمارسون أعمال الغابات هنا».
مساواة الأجور
رغم انتهاء قطع أغصان الخيزران مع بداية الأمطار الموسمية، تدفع جمعية قرية باتشغاون أجوراً للعمال على بعض الأعمال التي يقومون بها، مثل ملء الحُفر وتنظيف المجاري وحفر الخزانات، حيث يحصل كل عامل على ما لا يقل عن 10 أيام إلى 15 يوماً من الأجر المدفوع شهرياً.
وقال العامل والمدير في جمعية القرية، غاجانان ثيمكي (43 عاماً): «إنه أمر سهل، فإذا لم نصنع فرص عمل فسيهاجر سكان القرية، ومع وجود عدد أكبر في القرية يعني ذلك عملاً أفضل وتنفيذاً أفضل للعمل».
وأضاف ثيمكي عندما كان يستريح في فناء منزله بعد يوم طويل من العمل في الغابة، إن «القرويين لا يشعرون بأنهم عمال»، مؤكداً وهو ينظر إلى الفؤوس التي يستخدمها مع زوجته لقطع أغصان الخيزران: «نحن أسياد أنفسنا الآن».
وأوضح أنه يقطع 100 حزمة من أغصان الخيزران في اليوم، تبلغ قيمتها 840 روبية، وهو مبلغ أكبر من ضعف ما كان يتقاضاه عندما كان مهاجراً ويعمل في معمل إسمنت.
وتمكن ثيمكي وزوجته من جمع مبلغ من المال يكفي لإعادة بناء منزلهما بالخرسانة وزراعة حديقة صغيرة من الخضراوات والفواكه لتلبية احتياجاتهما اليومية.
وإضافة إلى مساعدة القرويين في بناء المنازل تموّل عائدات تجارة الخيزران تعليم أطفالهم، كما يحصل المزيد من الشباب على شهادات جامعية، حيث أكمل اثنان من سكان القرية درجة الماجستير.
وقامت جمعية القرية بعمل يهدف إلى نشر المساواة بين أفراد القرية، فتدفع الأجر ذاته للرجل والمرأة، ويتم معاملة جميع القرويين المشاركين في العمل على قدم المساواة، ولا يوجد تسلسل هرمي، إذ يصبح الشخص الذي يرأس اجتماعاً ما هو صانع القرار في ذلك اليوم، بينما يعود إلى قطع أغصان الخيزران في اليوم التالي.
وقالت القروية جايشير تاراتشي أترام (36 عاماً): «لطالما كان الرجال يحصلون على أجور أكثر منا مقابل العمل ذاته الذي كنا نقوم به مثلهم، وكان كل شيء يشكل التحدي بالنسبة لنا، مثل الطعام، والرعاية الصحية، والتعليم، وكنا نعمل بجد لكسب العيش، لكننا أصبحنا الآن نأخذ أجوراً متساوية مع الرجال، والتي تساعدنا على سد حاجاتنا».
. تجارة الخيزران في القرية حققت إيرادات وصلت إلى ستة ملايين روبية سنوياً خلال العقد الماضي.
. سكان باتشغاون أثبتوا حقهم في غابات قريتهم، وتملكوا 1006 هكتارات من الأراضي.
. 300 شخص فقط عدد سكان باتشغاون، معظمهم من قبيلة «غوند» إحدى أكبر القبائل الهندية.