الجفاف يضرب سورينام ويؤثر في الحالة المعيشية لسكانها
أصدر ابن قرية أتجوني في سورينام، جون أجاكو، تنهيدة عميقة عندما اتجهت أفكاره نحو مدخوله الذي بدأ بالتناقص، خلال الأشهر الأخيرة، نظراً إلى أنه يملك قارباً لنقل الركاب عبر النهر الذي بدأ بالانحسار في الفترة الماضية، نتيجة الجفاف في منطقة سورينام العليا، حيث تقع قرية أتجوني، ويرسو قارب أجاكو مع عشرات القوارب الأخرى على رصيف القرية.
ويشهد شهر ديسمبر زيادة في توجه الركاب المحليين، والسياح المتوجهين إلى قلب سورينام عادة، وهي دولة تقع على الساحل الشمالي الشرقي لأميركا الجنوبية، حيث يلتقي نهر الأمازون مع المحيط الأطلسي.
لكن هذا العمل تضاءل إلى النصف في العام الماضي، وهو تراجع يؤكده الصمت الذي تجده في رصيف أتجوني، حيث تجد القليل من الناس ينتظرون وهم يحملون أمتعتهم.
وبالنظر إلى تناقص مستوى المياه في النهر إلى حد كبير، فإن المسافة التي يمكن قطعها عادة في أربع ساعات أصبحت تستغرق حالياً يوماً كاملاً تقريباً.
ويتعين على الركاب أن يواجهوا المنحدرات المائية بأمتعتهم، ويقول أجاكو، بينما يستعد للرحلة التي تستغرق 45 دقيقة للوصول إلى قرية جو جو: «إنهم يجدون ذلك متعباً للغاية، ولذلك فإن الناس يسافرون هذه الأيام عند الضرورة فقط، ونتيجة الجفاف تناقصت مياه النهر إلى حد كبير لدرجة أنه من الممكن المشي في النهر في بعض الأماكن»، مضيفاً: «أنا لم أرَ مثل ذلك منذ عقود عدة، وهذه كارثة حقيقية، ونخشى أن تزداد سوءاً، ونحن نبكي الآن من أجل الحصول على المطر».
نقطة نقل رئيسة
وأتجوني قرية في سيباليويني، أكبر مقاطعات سورينام، وتبعد 180 كيلومتراً عن العاصمة باراماريبو.
ويعمل رصيف القرية مركزاً ونقطة نقل رئيسة إلى القرى الواقعة على طول نهر سورينام العليا، حيث أغلبية السكان من «المارون» من مجتمعات «ساماكا»، أحفاد الأفارقة الذين فروا إلى المناطق الداخلية من سورينام.
وبدأ الجفاف في سورينام مع بداية عام 2023، بظروف مناخية شديدة للغاية، وبحلول فبراير الماضي انتشرت الحرائق في الحياة البرية، وتسببت في أخطار صحية كبيرة.
وخلال أغسطس الماضي أدى الجفاف إلى انخفاض مصادر المياه إلى حد كبير، ما أجبر التجمعات البشرية على الاعتماد على مياه النهر الملوثة، ونجم عن ذلك انتشار الأمراض عبر المياه، خصوصاً بين الأطفال تحت سن الخامسة، كما ذكرت الأخبار في مقاطعة سيباليويني.
كما تضررت المنشآت الصحية والمدارس على نحو شديد، نظراً إلى الافتقار للمياه النظيفة، حيث أدى نقص المياه النظيفة إلى تعطيل الخدمات الطبية والتعليم.
وتفيد التقارير الواردة من العيادات الطبية بأن هناك نقصاً في الإمدادات الطبية والموظفين، فضلاً عن مشكلات الصرف الصحي الأساسية، ما أدى إلى تفاقم الأزمة.
وأدى الطقس غير المستقر وفشل زراعة المحاصيل المتتالي إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي، وتسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتكاليف النقل من باراماريبو في جعل العديد من المنازل دون كميات كافية من المواد الغذائية، الأمر الذي زاد من ضعف الوضع الصحي بين النساء والأطفال والبالغين.
تحديات
وقال العضو في مجلس قرية أبينستون القريبة من جوجو، موغابي أنتوموي، إن «الوضع بات ينطوي على الكثير من التحديات في سورينام العليا، وباتت زراعة المحاصيل قضية صعبة في المنطقة الداخلية، حيث أكثر من 300 عائلة تعتمد على الزراعة من أجل الغذاء».
وأضاف أنتوموي: «لم تعد الأنهار فقط هي التي تجف، بل حتى الجداول التي نحصل منها على مياه الشرب أصبحت الآن جافة تماماً».
ولا تفتح المدارس أبوابها في أبينستون إلا لمدة يومين أو ثلاثة أيام في الأسبوع.
وتقول والدة أحد الطلاب في أبينستون، غرايدا توماتي: «يواجه المعلمون الذين يتعين عليهم القدوم من المدينة صعوبة في الوصول إلى أماكن عملهم، كما لا توجد مياه للشرب أو مياه للمراحيض».
غويانا الفرنسية
ووفقاً لتقرير صادر عن «اليونيسف»، في نوفمبر الماضي، حول الجفاف المستمر في سورينام، تأثرت المجتمعات في المناطق الداخلية بشدة، حيث ضرب الجفاف 52 قرية و40 ألف شخص في جميع أنحاء سيباليويني وسورينام العليا ومقاطعتي تاباناهوني وكيرويني، حيث يحتاج 70% من السكان إلى مساعدات إنسانية.
ودفع هذا الوضع العديد من الناس من سكان سورينام إلى الشكوى من الحكومة، لأنهم يرون البلد الجارة غويانا الفرنسية، وهي مقاطعة فرنسية خارج الأراضي الفرنسية، لم يؤثر فيها الجفاف، ولم يسبب لها المشكلات ذاتها التي تعانيها سورينام، مع أنها قريبة جداً منها.
ولايزال الأطفال في قرية أبتينا، موطن شعب «وايانا» الأصلي، يتمتعون بالتعليم بدوام كامل على الرغم من الجفاف وانخفاض مستويات المياه، لكن وفقاً لأحد سكان أبتينا، وهو الناشط في مؤسسة «مولوكوت» وهي منظمة مجتمعية، ديغون كويمابو، فإن هذا لا يعود إلى الحكومة السورينامية.
وتقع القرية على نهر تاباناهوني في الجنوب الشرقي من سورينام، وتبعد نحو 90 كيلومتراً عن حدود غويانا الفرنسية، ويعتمد سكانها البالغ تعدادهم 300 نسمة على المساعدات الخارجية.
ويقول كويمابو: «يتعلم الأطفال في قرية أبتينا والقرى الأخرى من شعب (وايانا) في هذه المنطقة في مدارس فرنسية، وإذا كنا نريد انتظار الحكومة فإننا لن نحصل على شيء»، ويشعر كويمابو بخيبة الأمل من عدم وجود المساعدة من الحكومة.
طوارئ
ويقول مفوض منطقة تاباناهوني، هينك ديل، إنه يتوقع أن تعلن الحكومة المركزية حالة الطوارئ في المناطق الداخلية من سورينام، ويضيف: «أصبح الوضع خطيراً للغاية»، واصفاً الجفاف بأنه الأشد من نوعه خلال 20 سنة مضت على الأقل.
ويعترف ديل بأن صعوبة الملاحة في الأنهار نتيجة نقص المياه تجعل الحصول على السلع أمراً صعباً بشكل متزايد، ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار.
ويؤكد: «هناك الآن ندرة في الغذاء والوقود، وانخفاض في جودة الإمدادات الطبية في المنطقة، لكن الأمر متروك للسلطات الوطنية لاتخاذ القرار بشأن هذا».
ووفقاً لديل فإن حكومة غويانا الفرنسية خصصت مليونَي دولار كمساعدات للقرى الواقعة على الجانب الفرنسي من الحدود، ويقول: «يتوقع السوريناميون وشعب (المارون) الدعم نفسه من حكومتهم، ولذلك يجب على السلطات أن تتدخل الآن، فالوضع يزداد سوءاً». عن «الغارديان»
ارتفاع «الحرارة»
أفاد مفوض منطقة تاباناهوني، هينك ديل، بأن درجة الحرارة في سورينام ارتفعت بنحو درجة مئوية واحدة (ما يعادل 1.8 درجة فهرنهايت) في السنوات الـ50 الماضية، مشدداً على أهمية تحرك الحكومة سريعاً لمواجهة الظروف المناخية القاسية والجفاف الناتج عنها، قبل أن تسوء الأمور أكثر في البلاد.
جفاف تاريخي
تُظهر البيانات الصادرة عن بوابة المعرفة لتغير المناخ، التابعة للبنك الدولي، حول السجل الجوي لدولة سورينام، أن عام 2023 شهد 20 يوماً متتالية من الجفاف، وهو ثاني أعلى رقم منذ عام 1997، وتقول عالمة المناخ، سوكارني سالونز ميترو، من منظمة «أوراي أوبس» البيئية التي تراقب الطقس في سورينام، إن درجات الحرارة المرتفعة للغاية سُجلت أيضاً في مواسم الجفاف والأمطار، ما أدى إلى الجفاف التاريخي في أجزاء مختلفة من البلاد، وتضيف سالونز أن «موسم الأمطار القصير، الذي بدأ في ديسمبر الماضي، جلب المزيد من الأمطار المتكررة، لكن هذا لن يملأ الأنهار والجداول على الفور، ولهذا تتبخر المياه في الأنهار والجداول».
التغيّر المناخي.. السبب الرئيس
قال رئيس المركز الوطني للإغاثة من الكوارث في سورينام، جيري سلينغارد، إن فريقه حدد 147 قرية بحاجة إلى المساعدة من بينها تجمعات لعمال المناجم غير الشرعيين من الخارج، مضيفاً: «نحن لا نفرق بين السوريناميين والأجانب غير الشرعيين.. نحن نساعد الجميع»، وأوضح أن المركز يعمل على إعداد تقارير لتسهيل إجراءات الحكومة في ما يتعلق بظاهرة الجفاف، وتكليف المركز باتخاذ اللازم.
لكن سلينغارد أكد أنه مهما كان الإجراء فإن التنفيذ على أرض الواقع سيكون صعباً، لأن هناك مساحة شاسعة من البلاد تحتاج إلى مساعدة، لذلك ستكون عملية «كبيرة ومكلفة ومعقدة»، على حد وصفه.
وأضاف أن التكاليف تقدر بنحو 250 ألف جنيه إسترليني، مبيناً أن نصف هذا المبلغ تقريباً سيخصص لترقية أنظمة النقل لمعالجة التعقيدات المتعلقة بالتنقل أثناء الجفاف الذي لا تظهر عليه أي علامات بأنه على وشك الانتهاء.
ولفت سلينغارد إلى أن سبب الجفاف ربما يرجع جزئياً إلى التقلبات الطبيعية، مثل ظاهرة «النينو» الدورية، التي تقلل من هطول الأمطار في شمال أميركا الجنوبية.
ويؤكد العلماء أن السبب الرئيس للجفاف في سورينام هو التغير المناخي الذي أسهم في تبدل أنماط هطول الأمطار، ورفع متوسط درجات الحرارة، وزاد من حجم التقلبات الطبيعية، إضافة إلى تغيير الاتجاهات بشكل منهجي بمرور الوقت.
ويقول عالم المياه والباحث المتخصص في تغير المناخ بجامعة «أنطون دي كوم» في سورينام، البروفيسور سيوناث نايبال، إن عوامل متعددة تسهم في هذا الجفاف الشديد، بما في ذلك إزالة الغابات في الأمازون وتعدين الذهب غير القانوني.
ويضيف: «لا يمكننا إغفال تغيّر المناخ عند النظر إلى هذا الجفاف»، محذراً من أن المشكلات ستستمر في الانتشار بشكل أكبر مع التوسع في الأنشطة البشرية واختفاء الغابات.
. صعوبة الملاحة في الأنهار نتيجة نقص المياه، تجعل الحصول على السلع أمراً صعباً، ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار.
. الطقس غير المستقر وفشل زراعة المحاصيل المتتالي، تسبّبا في تفاقم انعدام الأمن الغذائي.