اخبار الامارات

التطور السريع للحرب في السودان يستحضر الكارثة الصومالية

كاثرين هاورلد

حافظ هارون

يحذر محللون محليون من أنه مع هرب المواطنين، واحتراق العديد من المدن، يندفع السودان نحو انهيار أدى إلى تدمير الصومال قبل نحو ثلاثة عقود، إثر اندلاع الحرب الأهلية فيه، والتي لاتزال مستمرة حتى الآن.

وقال رئيس مجموعة الأزمات الدولية الفكرية في إفريقيا، موريثي موتيغا، معلقاً «من السهل المبالغة في هذه المقارنة، بيد أن ثمة صدى كبيراً للصومال»، وتحدث عما جرى في البلدين، حيث شدة وعنف القتال في المناطق المدنية، والعنف في العاصمة، وتشرذم الجيش، والتدمير المتعمد للبنية التحتية المدنية.

وبعد ثمانية أسابيع من اندلاع القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، لم يتمكن حتى الآن أي طرف من إنزال الهزيمة بخصمه. وأوقف الجيش السوداني، الشهر الماضي، المفاوضات التي ترعاها المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، واتهم قوات الدعم السريع بانتهاك اتفاق وقف إطلاق النار مرات عدة. وقال موتيغا «ترى القيادة لدى الطرفين أن هذا القتال هو للدفاع عن وجود كل منهما، الأمر الذي زاد من صعوبة الدبلوماسية كثيراً. ويبدو أن انهيار الدولة بات حتمياً، وثمة مخاطر لتسلل المتطرفين إلى الدولة، وهو ما يجعل الوضع مماثلاً للصومال».

أمراء الحرب

وانهار الصومال عام 1991، بعد أن تمكن أمراء الحرب العشائريون من الإطاحة برئيس الدولة، ثم تحولوا ضد بعضهم بعضاً، الأمر الذي أدى إلى حدوث مجاعة، وتدخلت قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، والقوات العسكرية الأميركية، ومضى ثلاثة عقود من الحرب الأهلية التي تطورت إلى تمرد مسلح مرتبط بتنظيم «القاعدة».

ويبلغ عدد سكان السودان نحو ستة أضعاف سكان الصومال الذين كانوا يعيشون فيه عام 1991. وتقع السودان في تقاطع طرق استراتيجي بين إفريقيا والشرق الأوسط، وبين الصحارى التي لا تخضع لحكم أحد في دول الساحل، والشريان الحيوي للتجارة والنفط للبحر الأحمر.

وتدور حرب السودان على جبهتين إلى حد كبير، هما معارك الشوارع في العاصمة الخرطوم، والقتال العرقي في منطقة دارفور الواقعة في غرب السودان. وشهد كلا المسرحين أعمال نهب وتدمير، وتم قصف المستشفيات، والمعامل التي تنتج كل شيء من أطعمة الأطفال والمكملات الغذائية، في حين تم نهب مستودعات المساعدات، وأسواق الأطعمة، ثم تم حرقها.

وتمركزت قوات الدعم السريع في الأحياء السكنية، حيث يعتبرهم السكان مسؤولين عن جميع أعمال النهب، والاغتصاب، والإخلاء والقتل. ويحاول الجيش طردهم من هذه الأماكن باستخدام الغارات الجوية، ومدافع الهاون، والمدفعية الثقيلة. وأدى القصف إلى مقتل 25 شخصاً في أحد الأسواق الأسبوع الماضي، وكذلك 14 آخرين بالقرب من معسكر لقوات الدعم السريع في جنوب شرق الخرطوم هذا الأسبوع، وفق ما قاله شهود.

وقام الجيش بتنفيذ غارات حول منطقة اليرموك، وهي مجمع للصناعات العسكرية، ويحوي مستودعاً للذخائر، ومصانع للغاز والنفط، وفق ما قاله أحد سكان المنطقة.

دول فقيرة

ويعتبر كل من السودان والصومال من الدول الفقيرة للغاية، التي تعاني الجوع أيضاً. وأدى انهيار الصومال إلى حدوث مجاعة أودت بحياة نحو 220 ألف شخص. ونتيجة لانتشار صور الأطفال الجوعى، ورجال الميليشيات الذين يسرقون شاحنات المساعدات، قام الجيش الأميركي بالتدخل، الذي انتهى عند إسقاط الطائرة المروحية بلاك هوك عام 1993. ولايزال الصومال يتأرجح على حافة المجاعة حتى يومنا هذا.

ولايزال السودان الذي يعتبر سلة خبز الشرق في أيدي الجيش. وفي العام الماضي، ساعدت الأمطار الغزيرة على جلب محاصيل جيدة، على الرغم من أن حرب أوكرانيا ضاعفت أسعار السماد الزراعي. وفي هذا العام، أسهمت الحرب في مضاعفة أسعار السماد مرة أخرى، وغاب المسؤولون عن إرسال البذور والسماد، بعد أن أصبحت وزارة الزراعة ميدان معركة.

واحتاج نحو ثلث السودانيين إلى مساعدات غذائية قبل الحرب، وتزايدت هذه النسبة إلى 40% خلال الحرب، وفق ما قاله المتحدث باسم برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة في السودان، ليني كريستين كينزلي.

استهداف موظفي المساعدات الإنسانية

وتعرضت وكالات تقديم المساعدات للاعتداء، حيث قتل ثلاثة من موظفي برنامج الغذاء العالمي في دارفور، إضافة إلى خمسة آخرين من موظفي تقديم المساعدات. وفي الأسبوع الماضي، هاجم المسلحون مستودعات برنامج الغذاء العالمي، ونهبوا محتوياته في مدينة الأُبيض، وسرقوا 22 ألف طن من المواد الغذائية، أي ما يكفي 4.4 ملايين شخص لمدة شهر كامل. وتساوي هذه الكمية نحو نصف الكمية التي تم نهبها من برنامج الغذاء العالمي في جميع أنحاء السودان حتى الآن.

وشهد كل من السودان والصومال هجمات استهدفت موظفي المساعدات والمشافي. وحتى الآن قُتل 19 طبيباً سودانياً وموظفو رعاية صحية آخرين، وتعرض 17 مستشفى للقصف، إضافة إلى 21 مستشفى آخر اضطر لإجلاء كل المقيمين فيه، وتعرضت 11 سيارة إسعاف للهجوم، وفق ما قاله اتحاد الأطباء السودانيين الأميركيين. وقامت قوات الدعم السريع باحتلال 43 مؤسسة للرعاية الصحية، واعتقلت الأطباء تحت تهديد السلاح كي يعالجوا جرحاها، وفق ما قاله أطباء. وتلقى بعض الأطباء تهديدات بالقتل. وهاجمت قوات الدعم السريع، الأربعاء الماضي، المتحدث باسم المرصد السوداني لانتهاكات الحرب، ياسر محمد دافالاح، في منزله، وفق ما ذكره المرصد.

وقام الجيش باعتقال ناشطين يحاولون تنظيم جمع المواد الغذائية، وطرق نجاة للمدنيين في الخرطوم بحري، ولايزال منهم ستة في السجن.

وفي الـ27 من مايو الماضي، قام 10 جنود، بعضهم يرتدي البدلة العسكرية، باعتقال الجراح السوداني، علاء الدين نقد، الذي اتهم الجيش بمصادرة المواد التي يحتاجها الأطباء، والتي أرسلتها منظمة الصحة العالمية، وفق ما قالت أمه علوية حسن. وتم إطلاق سراحه الخميس الماضي.

الخرطوم تشبه مقديشو

وقال المحلل الرئيس في مؤسسة ساهان الفكرية في نيروبي، رشيد عبدي «نرى في السودان صدى لما حدث في الصومال، إذ إن أجزاء كبيرة من الخرطوم بدأت تشبه مقديشو. وبات المتقاتلون يأخذون المدنيين رهائن. وقررت قوات الدعم السريع القتال في المدن، لأنها الطريقة الوحيدة التي تحمي بها نفسها. وهم ليسوا بمزودين بأسلحة ثقيلة، إذ سيتم قهرهم بسهولة في الأماكن المفتوحة».

وتعتبر جزيرة توتي في وسط الخرطوم حياً سكنياً، ويوجد جسر واحد يربط الجزيرة ببقية المدينة. وقال أحد السكان إن ما بين 12 إلى 15 ألف شخص تقطعت بهم السبل في الجزيرة، بعد أن سيطرت قوات الدعم السريع على الجسر، قبل نحو أسبوع، ورفضت السماح للعائلات بمغادرة الجزيرة، معللة ذلك بأن الطرق بجانب الجزيرة غير آمنة. وفرغت المتاجر من المواد الغذائية والأدوية، أما المطحنة الوحيدة في المنطقة فقد تم إغلاقها، وفق ما قاله أحد السكان.

وسلطت المديرة المؤسسة لمؤسسة «كونفلونس ادفايسري» الفكرية، خلود خير، الضوء على ملاحظة واحدة بارزة، عندما قالت إن المجتمع المدني السوداني أكثر خبرة وجرأة مما كان قبل أي وقت مضى، ولكن الصومال لم يكن لديها مثل هذا المجتمع المدني في عام 1991. وأضافت «السودان متجه نحو انهيار الدولة، ولكن طبيعة الانهيار تبدو مختلفة تماماً عن الصومال».


• بعد ثمانية أسابيع من اندلاع القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، لم يتمكن حتى الآن أي طرف من إنزال الهزيمة بخصمه.

• تدور حرب السودان على جبهتين إلى حد كبير، هما معارك الشوارع في العاصمة الخرطوم، والقتال العرقي في منطقة دارفور الواقعة في غرب السودان.

• ترى القيادة لدى الطرفين أن هذا القتال هو للدفاع عن وجود كل منهما، الأمر الذي زاد من صعوبة الدبلوماسية كثيراً. ويبدو أن انهيار الدولة بات حتمياً، وثمة مخاطر لتسلل المتطرفين إلى الدولة، وهو ما يجعل الوضع مماثلاً للصومال.

 

مراسلة لـ«واشنطن بوست»

صحافي سوداني مهتم بحقوق الإنسان

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى