اخبار الامارات

أوكرانيا متشككة في وفاء الحلفاء بوعد «الحماية»

يتخبط حلفاء كييف الغربيون في وعودهم بحماية أوكرانيا من أي هجوم روسي آخر، وكما حدث قبل ثلاثة عقود من الزمان، فإنهم يتعاملون بحذر مع ما يعرضه عليهم الأوكرانيون.

ويبدو أن الأوكرانيين اليوم متشككون في وفاء الحلفاء بوعودهم، كما كانت عليه الحال عام 1994، ففي السنوات التي أعقبت تفكك الاتحاد السوفييتي، كان الغرب يسعى إلى بناء الأسس اللازمة لهيكل أمني عالمي جديد.

وكان يوري كوستينكو، الذي كان آنذاك عضواً في الهيئة التشريعية الأوكرانية، أحد المفاوضين الذين حاولوا التوصل إلى كيفية مقايضة الأسلحة النووية والقاذفات الاستراتيجية بالأمن في الأمد البعيد.

واقترح كوستينكو ضمانات أمنية، وقّعتها المملكة المتحدة والولايات المتحدة، كان من شأنها أن تلزم حلفاء أوكرانيا بالدفاع عن البلاد، لكن كوستينكو أزيح في نهاية المطاف من فريق التفاوض، ولم يتلقَّ خلفاؤه أي ضمانات في الاتفاق النهائي الذي أطلق عليه اسم «مذكرة بودابست»، بل تلقوا «تأكيدات» غامضة فقط.

وعلى هذا الاتفاق بُنيت وعود أوروبا بحماية أوكرانيا، لكن هذا التأكيد تلاشى «مثل فقاعة الصابون»، كما كتب كوستينكو في العام الماضي.

الضمانات الأمنية

واليوم عاد الحديث عن الضمانات الأمنية إلى الواجهة، فقد وعد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بحل الصراع «منذ اليوم الأول» لولايته، غير أنه تم تعديل الوعد لاحقاً إلى الـ«100 يوم» الأولى من ولايته، التي بدأت في 20 يناير الماضي.

ويبدو أن هناك نوعين من الضمانات الأمنية التي يمكن لدول حلف شمال الأطلسي «الناتو» أن تقدمها لأوكرانيا في سياق اتفاق سلام مع روسيا، كما يقول مسؤول غربي كبير.

النوع الأول من الضمانات يفرض على أعضاء «الناتو» إرسال مساعدات اقتصادية وعسكرية كبيرة إلى كييف لسنوات بعد اتفاق وقف إطلاق النار.

وفي نهاية المطاف، بموجب هذه الضمانة قد يُسمح لأوكرانيا بالانضمام إلى التحالف عبر الأطلسي.

أما النوع الثاني من الضمانات فمن شأنه تمديد حماية المادة (5) من ميثاق «الناتو» على أوكرانيا على الفور، ما يوفر فعلياً مظلة نووية لأوكرانيا يقدمها لها الغرب، ويلزم بقية أوروبا والولايات المتحدة وكندا بالدفاع عنها.

وتأمل هذه الدول بأن يردع هذا الترتيب روسيا عند التفكير في شن أي حرب على أوكرانيا، لكنه سيُلزم أيضاً «الناتو» بشن الحرب على موسكو إن أقدمت هي على ذلك.

واتفق المسؤول على أن الخيار الثاني من غير المرجح أن يحظى بتأييد «الناتو» أو روسيا، ويرى أن الخيار الأول هو في الأساس مجرد تمديد للوضع الراهن، وهذه هي المشكلة التي واجهت كييف لأكثر من عقد من الزمان، فالضمانات الأمنية الحقيقية صعبة في حين أن الوعود التي لا معنى لها سهلة.

وعود بالمساعدة

عندما التقت روسيا وأوكرانيا للمرة الأولى على طاولة المفاوضات في عام 2014، بعد أن عبرت القوات الخاصة الروسية الحدود لمساعدة الانفصاليين في دونيتسك ولوغانسك، كانت فرنسا وألمانيا ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا هي التي وعدت بالمساعدة في الحفاظ على السلام.

وقد ألزم اتفاق وقف إطلاق النار، وهو اتفاق مينسك الأول، منظمة الأمن والتعاون في أوروبا بمراقبة انتهاكات الهدنة، ومع ذلك لم يحدد الاتفاق سوى القليل في ما يتصل بالعواقب المترتبة على انتهاك الاتفاق.

ومن غير المستغرب أن الجماعات الانفصالية تجاهلت الاتفاق تماماً، كما اشتكت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا في كثير من الأحيان، ولم تكن اتفاقيات مينسك الثانية في فبراير 2015 أفضل حالاً.

مسار على الورق

وعندما التقى الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، الذي انتُخِب على أساس برنامج إحلال السلام في أوكرانيا، بنظيره الروسي فلاديمير بوتين، في عام 2019، افتتح اجتماعهما باقتباس من الروائي الروسي ليو تولستوي: «بدا المسار على الورق سلساً للغاية، لدرجة أننا جميعاً نسينا المزالق».

ولم يتفاوض الجانبان بشكل صحيح مرة أخرى حتى الأيام والأسابيع التي أعقبت الحرب بينهما في عام 2022.

وجرت هذه المفاوضات أولاً في بيلاروسيا ثم في تركيا، ومع تقدم القوات الروسية ثم انسحابها من كييف، كان المفاوضون يجتمعون للتوصل إلى معاهدة سلام.

ومن المدهش أن الجانبين اقتربا من الاتفاق على العديد من الجبهات، وتمخضت المحادثات عما يسمى بـ«بيان إسطنبول».

وتصوَّر الاتفاق، الذي صيغ في الفترة من فبراير إلى أبريل 2022، ولم يُنشر حتى عام 2024، أوكرانيا غير منحازة وممنوعة من الانضمام لـ«الناتو»، وخالية من القواعد العسكرية الأجنبية، وبجيش مخفض إلى حد كبير، حيث اعترف زيلينسكي بالواقع العسكري الأوكراني الجديد.

وفي المقابل، كان من المقرر أن تقدم قوى أخرى ضمانات أمنية لأوكرانيا، وتلتزم بالتحرك إذا واجهت أوكرانيا حرباً جديدة من روسيا، واتفق الجانبان على أن قائمة الضامنين المحتملين هذه يجب أن تشمل بريطانيا العظمى والصين والولايات المتحدة وفرنسا وروسيا نفسها، وتشير المسودة التي حصلت عليها صحيفة «التايمز» إلى أن موسكو أرادت أيضاً إضافة بيلاروسيا إلى هذه القائمة في حين أرادت كييف تركيا.

إنهاء الحرب

لكن المفاوضات لم تسفر قط عن اتفاق واستمرت الحرب، ومع اقتراب الصراع من عامه الثالث عاد العديد من الجنرالات إلى تلك المفاوضات المبكرة كدليل على أن الاتفاق كان ممكناً غير أن أوكرانيا وحلفاءها رفضوه.

وفي الأشهر الأخيرة زعم كاتب ذو ميول يسارية أن «القوى العالمية تعمل بنشاط على تقويض فرص التوصل إلى حل دبلوماسي للصراع»، وأن مشروع المعاهدة هذا لم يتم التوقيع عليه قط لأن «الغرب ليس مستعداً لإنهاء الحرب».

وفي ديسمبر 2024 زعم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في مقابلة ودية مع المذيع الأميركي تاكر كارلسون، أن «بيان إسطنبول» «رفضه بوريس جونسون» الذي كان رئيس وزراء المملكة المتحدة في ذلك الوقت.

وفي وقت سابق شارك الأستاذ في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز، سيرغي رادشينكو، في كتابة مقال في مجلة «فورين أفيرز»، يبحث في «المحادثات التي كان من الممكن أن تنهي الحرب في أوكرانيا».

وقال رادشينكو في المقال: «المشكلة الرئيسة هي أن الناس يقرؤون العنوان ثم لا يحاولون فهم ما يدور حوله المقال».

وأضاف أن رئيس الوزراء البريطاني (جونسون) لم يفسد الصفقة، وأن هذا «لم يحدث قط»، وعلى الرغم من أن الجانبين ظهرا كأنهما يتفاوضان بحسن نية فإنه لم يكن صحيحاً أن «السلام كان في أي مكان قريب».

أكبر المشكلات

لكن من الواضح أن إحدى أكبر المشكلات التي واجهتها أوكرانيا جاءت من واشنطن وليس من موسكو، ففي مقابل حياد أوكرانيا والتزامها بعدم الانضمام إلى «الناتو»، كانت كييف تتوقع التزامات حازمة من الغرب بالاندفاع للدفاع عنها، إذا أعادت روسيا تشكيل قواتها وأعلنت الحرب على أوكرانيا مرة أخرى.

وقال رادشينكو: «لم يتم إثارة هذه المسألة مع الأميركيين من قبل، وعندما أثار الأوكرانيون هذه المسألة قال الأميركيون: انتظروا، هذا ليس من مصلحتنا». عن «فورين بوليسي»


محادثات السلام

بحلول مايو الماضي، انهارت محادثات السلام بين أوكرانيا وروسيا بشكل أساسي، فروسيا التي قدمت رأسمال بشرياً واقتصادياً هائلاً في الحرب، ستزيد مطالبها فعلياً من خلال تأكيد السيطرة على جميع مناطق دونيتسك وخيرسون ولوغانسك وزابوريزهيا، التي تشمل مساحات شاسعة من الأراضي التي لم تتمكن روسيا من الاستيلاء عليها.

. هناك نوعان من الضمانات الأمنية التي يمكن لـ«الناتو» أن يقدمها لكييف، الأول إرسال مساعدات اقتصادية وعسكرية كبيرة، والثاني توفير مظلة نووية لأوكرانيا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى