اخبار الامارات

أزمة «كبير موظفي داونينغ ستريت» في بريطانيا تزعزع الثقة بـ «العمّال»

القاعدة الأولى لنجاح أي مستشار سياسي هي البقاء بعيداً عن العناوين الرئيسة في الصحافة. وبالنقيض لهذه القاعدة، فإن تعيين رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، للسيدة سو جراي، في منصب كبير موظفي الحكومة، تصدّر الأخبار بشكل لافت.

ومع ذلك، ومنذ فوز حزب العمال في الانتخابات العامة، كانت جراي موضوعاً لتدقيق إعلامي مكثف وسلبي إلى حد كبير.

وخلال فترة عملها، أثارت جراي السخط من خلال التحكم الصارم في الوصول إلى رئيس الوزراء، في تقليد واضح على ما يبدو، لجوناثان باول، الذي كان كبير موظفي رئيس الوزراء السابق، توني بلير، والذي مارس السلطة لتحديد مصير وزراء في الحكومة.

ومع تدهور المزاج العام تجاه رئيس الوزراء البريطاني، أصبحت جراي كبش فداء، وتمت إقالتها.

المستفيد

ومن غير المرجح أن ينبهر الناخبون بإعادة ضبط الأمور التي أُجبر عليها رئيس الوزراء، مع تعيين كبير موظفين جديد في «داونينغ ستريت»، هو مورجان ماكسويني، الذي اصطدم بالسيدة جراي في الماضي، كما فعل أنصاره في صفوف مسؤولي حزب العمال.

وكما يسأل المحامون في كثير من الأحيان: من المستفيد؟ فقد عمل كبير الموظفين الجديد ماكسويني، الذي لعب دوراً محورياً في فوز حزب العمال في الانتخابات الأخيرة، بشكل وثيق مع حليفه في مكتب مجلس الوزراء، بات ماكفادين، الذي كان يقود الجهود لإنشاء وحدة في «داونينغ ستريت»، تركز على تنفيذ المهام الخمس لرئيس الوزراء: النمو، الخدمة الصحية الوطنية، الطاقة الخضراء، التعليم، والحد من الجريمة.

وأشارت التقارير إلى أن جراي كانت متشككة في الوحدة المقترحة، حيث يزعم المنتقدون أنه في حين تهدف الوحدة إلى التنسيق بين الوزراء والخبراء الخارجيين لمتابعة أولويات الحكومة، فإنها تخاطر بتهميش لجان مجلس الوزراء التقليدية، وإبطاء عملية صنع القرار.

ويدفع ماكسويني وماكفادين، وكلاهما من أنصار نهج توني بلير، بخطة تُردد صدى إصلاحات عام 1997، التي دفعت المؤرخ، اللورد هينيسي، إلى التحذير من تراجع سمعة الحكومة.

ونُقل عن أحد المطلعين على شؤون الحكومة قوله: «أن تكون وزيراً خارج الحلقة الداخلية هو جحيم، وكون المرء موظفاً حكومياً فهذا أمر مستحيل».

غريزة سياسية

إن الآراء بشأن تجربة جراي تتوافق مع مثل ذلك التقييم، وهو أمر غير مفاجئ ربما، نظراً لعملها السابق في مكتب رئيس الوزراء السابق بلير.

إن كل حكومة تسعى جاهدة لتحقيق أهدافها، في حين تعمل على تشكيل الرأي العام من خلال الإدارة الفعالة لوسائل الإعلام.

ويشير تعيين ماكسويني إلى اعتراف من ستارمر، الذي يتعرض لأول اختبار حقيقي، بأن الغريزة السياسية الأكثر حدة مطلوبة في «داونينغ ستريت».

ومع ذلك، فمن السذاجة الاعتقاد بأن التغييرات في الموظفين وحدها يمكن أن تحل التحديات التي تواجه حزب العمال، إذ إن ضعف الحزب يكمن في افتقاره إلى رؤية سياسية متماسكة.

بعد 100 يوم في السلطة، لم تقدم الحكومة بعد تحليلاً ذا مغزى للأسباب التي جعلت بريطانيا تجد نفسها في مثل هذا الموقف الصعب، أو الإجراءات الملموسة اللازمة لمعالجته، وهذا يتطلب محاسبة الأفراد والمؤسسات المسؤولة.

وفي غياب خطة، وجد حزب العمال نفسه يدفع بدلاً من ذلك نحو خفض الخدمات العامة والاستثمار، وهذا هو العكس تماماً لما تم انتخاب ستارمر من أجله، ما يزعزع الثقة بحزب العمال.

وبحسب المؤرخ ديفيد إدجيرتون، فإن بريطانيا «في حالة سيئة»، واستجابة حزب العمال كانت غير متناسبة بشكل واضح، متسائلاً: أين الخطة لمعالجة التفاوتات العميقة في الدخل والثروة، ليس فقط من أجل العدالة، بل أيضاً لتحسين كفاءة وفعالية الاقتصاد؟

إن ازدراء حزب العمال للمحافظين حقيقي، لاسيما عند مقارنة التزامه بخدمة الصحة الوطنية بالإهمال الذي أظهره المحافظون، غير أنه لكي يحكم الحزب بفعالية، فإنه يحتاج إلى بذل المزيد من الجهود وليس مجرد مهاجمة الحكومة الأخيرة، كما يتطلب الأمر تحليلاً نقدياً للمشهد الاقتصادي والاجتماعي الأوسع.

التعطش للسلطة

إن الشخص الذي يشغل منصب كبير الموظفين سيثير حتماً الغضب، لكن يبدو أن جراي صنعت العديد من الأعداء خلال فترة توليها للمنصب، القصيرة نسبياً، وربما كان من بينهم الأشخاص الذين سرّبوا العديد من القصص التي صورتها على أنها خصم متعطش للسلطة من المستحيل العمل معه.

بعض الشكاوى ضدها معروفة جيداً، إذ كانت جراي تسيطر على إعلانات الحكومة المخطط لها، والمعروفة داخلياً باسم «الجدول»، لكن لم يكن لديها قبضة أقوى على أجندة الأخبار.

وتقول المحللة السياسية، كريرار بيبا «كان هناك إحباط لأن الحكومة لم تصدر الإعلانات التي كان ينبغي لها أن تصدرها»، مضيفة: «على سبيل المثال، فإن إعادة تأميم السكك الحديدية، هو تغيير كبير، ومع ذلك بالكاد سمعنا شيئاً عنه عندما حدث بالفعل».

كما اتُهمت جراي بمنع وتقييد الوصول إلى رئيس الوزراء دون داع، وبطريقة ما، هذا هو دور كبير موظفي الحكومة «يُقرر من يلتقيه رئيس الوزراء ومن يحتاج إلى التحدث إليه»، كما تقول بيبا.

ولم يعد الأشخاص الذين اعتادوا دخول مكتب ستارمر، عندما كان حزب العمال في المعارضة، يتمتعون بالنوع نفسه من الوصول الذي اعتادوا عليه، ففي نظرها، ربما كانت جراي تؤدي وظيفتها فحسب، لكن بالنسبة للآخرين كانت «مهووسة بالسيطرة»، وتتدخل في عملية صنع القرار.

وفي وقت قصير، تسببت جراي في سخط وإحباط كبيرين في أوساط الناخبين، ومع ذلك تقول المحللة السياسية كريرار بيبا: «لا أعتقد، على سبيل المثال، أنه يمكنك وضع قرار مهم مثل القرار المتعلق بالوقود الشتوي على مكتبها، فقد كان هذا قرار من وزارة الخزانة، ووافق عليه ستارمر». عن صحيفة «الغارديان» البريطانية


خطوة ضرورية

يأمل المسؤولون في «داونينغ ستريت» أن يكون خروج سو جراي، إلى جانب مجموعة من التعيينات الجديدة في الحكومة البريطانية، مفيداً في وضع حد للأزمة الراهنة، ويسمح لرئيس الوزراء، كير ستارمر، بإعادة ضبط الأمور.

وقد تكون هذه الخطوة ضرورية ومقبولة في أوساط حزب العمال، لكنْ هناك اعتقاد لدى العديد من المساعدين بأنه كان يجب أن يحصل مورجان ماكسويني (خليفة سو جراي) على الوظيفة منذ البداية.

ومع ذلك، فإن الخطوة الأخيرة تخاطر أيضاً بفتح فصل جديد في الصراع الداخلي بين المجموعات الحزبية المختلفة.

ويمكن قراءة التعيينات على أنها «فوز» لماكسويني، نظراً لوجود خلاف سابق بين الأخير وجراي، ووزيرات مجلس الوزراء اللاتي شعرن بالتهميش في الماضي.

إضافة إلى ذلك، تم تعيين نين بانديت، في الحكومة، التي يُقال إنها تلقى دعماً كبيراً من قبل ماكسويني.

في المجمل، يشكل رحيل جراي والتغيير اللاحق في مكتب رئيس الوزراء إقراراً ضمنياً بأن الأشهر القليلة الأولى لستارمر لم تسِر وفقاً للخطة، وهذا أمر صعب بشكل خاص بالنسبة لرئيس الوزراء، نظراً لأنه أمضى وقتاً طويلاً كزعيم للمعارضة في مهاجمة المحافظين.

والسؤال هو ما إذا كان بإمكانه الآن تنفيذ تصحيح للمسار، حيث سيسعد البعض في الحزب باتخاذ ستارمر خطوات للتهدئة تحت نيران الانتقادات بسبب العديد من الأخطاء، ولكن لا يمكن إنكار أن إعادة ضبط «داونينغ ستريت» في وقت مبكر جداً من رئاسة ستارمر للوزراء هي علامة مقلقة إلى حد ما.

. جراي صنعت العديد من الأعداء خلال فترة توليها للمنصب، واتُهمت بتقييد الوصول إلى رئيس الوزراء.

. الحكومة البريطانية لم تقدم بعد تحليلاً ذا مغزى للأسباب التي جعلت بريطانيا تجد نفسها في مثل هذا الموقف.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى