وسط حذر روسي من “فخ أمريكي”.. كييف وواشنطن على أعتاب إبرام ص

05:59 م
الإثنين 24 فبراير 2025
كتبت- سلمى سمير:
تتسارع وتيرة المفاوضات بين أوكرانيا والولايات المتحدة بشأن اتفاقية لاستغلال المعادن النادرة التي تحتكم عليها كييف، والتي تُعد أساسية في صناعات التكنولوجيا المتقدمة والدفاع. وتأتي هذه المحادثات في وقت حرج، حيث تسعى كييف للحصول على دعم دولي لتعزيز قدراتها الاقتصادية والعسكرية خاصة مع رفع عباءة الدعم الأمريكي الذي أغدقها طوال سنوات عنها بعد تنصيب دونالد ترامب في سدة الحكم.، بينما تحاول واشنطن تقليل اعتمادها على الصين في هذا القطاع الحيوي.
صفقة استراتيجية قيد التفاوض
بعد تنصيب ترامب، اتخذت العلاقات الأمريكية الأوكرانية منحى مختلف تمامًا عما شهدته السنوات الثلاث السابقة من دعم سخي قدمته إدارة جو بايدن لكييف، وهو ما سارع ترامب لإيقافه فور توليه ولكنه في المقابل لم يرغب بقطع العلاقات كليا، وسعى عوضا عن ذلك للحصول على مقابل للمساعدات العسكرية، لذلك قدمت الولايات المتحدة عرضًا لأوكرانيا يتضمن الحصول على 50% من عائدات المعادن النادرة، في مقابل استمرار الدعم المالي والعسكري لكييف. غير أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي رفض العرض الأولي، مشددًا على ضرورة أن يشمل الاتفاق ضمانات أمنية واضحة، خصوصًا فيما يتعلق بانضمام أوكرانيا لحلف شمال الأطلسي (الناتو) وهي الخطوة التي ترفضها الولايات المتحدة بوضوح، بحسب صحيفة “وول ستريت جورنال”.
رغم التعقيدات التي يشهدها الاتفاق والحرب الكلامية بين كل من ترامب وزيلينسكي، تسعى واشنطن مع ذلك لتأمين الصفقة في أسرع وقت ممكن، وذلك رغم التحفظات الأوكرانية الأولية، ويبرهن ذلك دخول المفاوضات مراحلها النهائية، وهو ما أكدته نائبة رئيس الوزراء الأوكراني، أولجا ستيفانيشينا، بقولها: “إن الاتفاق بات شبه مكتمل” وأنه “من المتوقع توقيعه قريبًا في واشنطن”.
ما أهمية المعادن النادرة؟
تعتبر المعادن النادرة، مثل الليثيوم، النيوديميوم، الجرافيت، والتيتانيوم، من المكونات الأساسية لصناعات التكنولوجيا المتقدمة، بما في ذلك السيارات الكهربائية، الأجهزة الذكية، والأنظمة الدفاعية.
وتمتلك أوكرانيا احتياطيات ضخمة من هذه المعادن، حيث تحتوي على 22 من أصل 34 معدنًا صنفها الاتحاد الأوروبي على أنها “حيوية للأمن الوطني والتنمية الاقتصادية”. ووفقًا لبيانات معهد الجيولوجيا الأوكراني، فإن كييف تمتلك واحدًا من أكبر احتياطيات الليثيوم في أوروبا، وهو معدن ضروري لصناعة البطاريات، إلى جانب الجرافيت الذي يشكل نحو 20% من الاحتياطيات العالمية، والتيتانيوم الذي كان يمثل 7% من الإنتاج العالمي قبل اندلاع الحرب.
لكن الحرب مع روسيا المستمرة منذ 3 سنوات أثرت بشدة على قدرة أوكرانيا على استغلال هذه الموارد، حيث فقدت السيطرة على نحو 40% من مواقع المعادن النادرة بسبب التقدم الروسي في بعض المناطق الشرقية والجنوبية. ويعقد هذا الواقع الجيوسياسي أي محاولات مستقبلية لاستغلال تلك الثروات.
الدوافع الأمريكية وراء الصفقة
الولايات المتحدة ترى في أوكرانيا فرصة استراتيجية لتأمين احتياجاتها من المعادن النادرة، خاصة في ظل التوترات مع الصين التي تهيمن على معالجة هذه الموارد عالميًا. ووفقًا لتقرير صادر عن وكالة الطاقة الدولية، فإن الصين تسيطر على نحو 70% من عمليات معالجة المعادن النادرة في العالم، وهو ما يشكل تهديدًا استراتيجيًا للولايات المتحدة، التي تعتمد على هذه المعادن في صناعاتها الدفاعية والتكنولوجية.
لذلك، فإن إبرام صفقة مع أوكرانيا يمثل خطوة نحو تقليل هذا الاعتماد وتأمين إمدادات مستقلة، خاصة في ظل الدعم الأمريكي المستمر لكييف في حربها ضد روسيا. وبحسب تقرير نشرته صحيفة “الجارديان” البريطانية، فإن واشنطن مستعدة لتقديم حزم دعم جديدة تشمل مساعدات عسكرية واقتصادية، مقابل الحصول على امتيازات طويلة الأمد في قطاع المعادن الأوكراني.
التحديات أمام الاتفاق
ورغم التقدم في المفاوضات، إلا أن هناك عقبات رئيسية قد تعرقل التوصل إلى اتفاق نهائي. من بين هذه العقبات ضمانات الأمن والدفاع، حيث تسعى أوكرانيا للحصول على التزامات واضحة بشأن أمنها القومي كجزء من الصفقة، خصوصًا في ظل تصاعد القلق من الهجمات الروسية المستمرة.
يأتي مع ذلك الشروط المالية التي يريد الجانب الأوكراني للتأكد من أن الصفقة لن تكون مجرد بيع للموارد، وإنما شراكة مستدامة تضمن الاستثمارات في قطاع التعدين المحلي، يزيد من صعوبة ذلك التوازن الجيوسياسي، وذلك في ظل مراقبة روسيا للصفقة بحذر، حيث أفادت وكالة أنباء “بلومبرج” نقلًا عن مصادر لم تسمها بأن الكرملين “لا يفهم تمامًا استراتيجية البيت الأبيض” ويحذر من وجود “فخاخ” وراء الصفقة، مما قد يزيد من تعقيد الموقف السياسي.
وسبق الصفقة المرتقبة، مفاوضات بين وفدي كل من روسيا والولايات المتحدة في الرياض في محادثات مباشرة هي الأولى منذ سنوات. حيث تركزت المفاوضات بين الطرفين على أوكرانيا والحرب الدائرة فيها وسبل إيقافها، إلا أن كييف لم تعترف بقانونية هذه المفاوضات التي لم تكن طرفًا فيها، وهو ما أكده الرئيس الأوكراني، بقولها: “إن كييف لن تعترف بشرعية ونتائج مباحثات لم تكن شريكة فيها”.