الفخ الروسي.. مصريون في الأسر الأوكراني يستغيثون

06:44 م
الخميس 20 فبراير 2025
القاهرة- مصراوي
في إحدى زنازين السجن الأوكراني، كان محمد، الشاب المصري القادم من قنا، يواجه مصيرًا لم يتخيله يومًا. جاء إلى روسيا في ديسمبر 2021 حاملًا معه أحلام دراسة الطب، لكن القدر رسم له طريقًا مختلفًا، انتهى به على جبهة القتال في أوكرانيا، لا طالبًا ولا عاملًا، بل أسير حرب.
عندما وصل محمد إلى روسيا، كانت خطته واضحة، سنة لدراسة اللغة، ثم الالتحاق بجامعة قازان الفيدرالية الطبية. لكنه اصطدم بواقع التكاليف الباهظة، ما دفعه إلى تغيير مساره، محاولًا دراسة الاقتصاد بتكلفة أقل. لكن حتى ذلك لم يكن سهلًا، فقرر البحث عن عمل لتغطية مصاريفه.
وجد محمد فرصة عمل في توصيل الطلبات، براتب بدا مناسبًا لشاب يحاول الوقوف على قدميه. لم يكن يعلم أن هذه الوظيفة ستقوده إلى واحدة من أسوأ اللحظات في حياته. في إحدى الرحلات، طُلب منه نقل طرد من مدينة إلى أخرى. لم يسأل، ولم يشكّ، فقط نفّذ. لكن عند وصوله، تفاجأ بكمين أمني، واتهامات بحيازة 100 كجم من المخدرات، رغم أنه لم يكن يعلم حتى ماذا يحمل.
حكم عليه بالسجن 7 سنوات ونصف، وعاش في زنزانته عامًا كان كابوسًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى حتى أن الشاب نفسه وصف الفترة التي قضاها بالسجن في روسيا بـ”الجحيم”. لم يكن أمامه سوى خيارين: إكمال عقوبته في ظروف قاسية، أو التوقيع للقتال في الحرب مقابل وعود بالحصول على الجنسية الروسية. كان القرار سريعًا، فاختار الحرب بدلا عن السجن.
10 أيام فقط قضاها في التدريب، قبل أن يجد نفسه مرميًا في جبهة القتال. لم يكن لديه وقت حتى لاستيعاب ما يحدث. 4 أيام فقط قضاها الشاب المصري على جبهة الحرب في أوكرانيا حتى انتهت رحلته العسكرية بأسره على يد القوات الأوكرانية، ليجلس أمام الكاميرا، يحكي قصته التي لم يكن يتخيلها حتى في أسوأ كوابيسه.
الشاب المصري الذي قرر التنازل عن جنسيته الأم مقابل إغراء الحصول على الجنسية الروسية، يجلس اليوم أسيرا داخل السجون الأوكرانية، لا يعلم ماذا يحمل له الغد، لكنه يعلم شيئًا واحدًا: لم يكن هذا طريقه، ولم يكن هذا مصيره الذي حلم به عندما خطا أولى خطواته نحو روسيا.
محمد لم يكن المصري الوحيد المتواجد في أسر الجيش الأوكراني ممن دفعتهم الظروف للسفر والمشاركة رفقة الجيش الروسي في الحرب الدائرة بأوكرانيا، ففي نوفمبر 2024 أعلن الجيش الأوكراني عن أسر طالب مصري كان قد تم تجنيده في الجيش الروسي فور حصوله على الجنسية الروسية.
الطالب المصري الذي انتقل إلى روسيا لدراسة تكنولوجيا المعلومات، تم تجنيده بالجيش الروسي بل وإرساله بالقرب من مدينة كوراخوف الأوكرانية للقتال، لكن لم تمر فترة طويلة حتى تم أسره من قبل جنود الجيش الأوكراني.
ونقلت وسائل إعلام أوكرانية حينها، أن الشاب المصري والتي لم تفصح عن اسمه كان هو الناجي الوحيد من القوات الروسية التي تواجدت في المكان للقتال والتي قتلت على يد القوات الأوكرانية. وحسب أحد القادة الأوكران والذين وصفوا الشاب المصري بأنه شخص مثيرا للاهتمام، خاصة بعدما علموا أنه يتحدث أربع لغات، وحينها ذكر أحد القادة أنه ربما يمكنهم مبادلته بأسرى أوكرانيين محتجزين لدى روسيا.
ووفقًا لتقرير صادر عن “RBC-أوكرانيا”، فقد ازدادت وتيرة تجنيد الأجانب، وخاصة الذين يعانون من ضائقة مالية، في الجيش الروسي منذ يناير 2024. وتستخدم القوات الروسية هذه التكتيكات بشكل متزايد لخداع الأجانب وإجبارهم على القتال، حيث يتم إرسالهم غالبًا إلى الخطوط الأمامية لتعويض الخسائر البشرية الفادحة التي تتكبدها روسيا في عملياتها الهجومية المستمرة، ومن بين هؤلاء الأجانب المصريين.
وفي سبتمبر من عام 2024 نشر مصراوي تحقيقًا استقصائيا بعنوان الفخ الروسي.. “تجنيد مصريين بإغراء المال والجنسية”، هذا التحقيق الذي كشف عن تجنيد الشباب المصريين بإغراءات المال والجنسية، للقتال في الحرب الأوكرانية والدفع بهم في الصفوف الأمامية، ما تسبب في وفاة عدد منهم قبل تحقيق حلمهم بالجنسية الروسية.
وعلى مدى أشهر، تتبع مصراوي شبكة روسية لتجنيد العرب وخصوصا المصريين والسوريين، وكيفية إغرائهم بالمال ووعد الحصول على الجنسية الروسية بعد القتال سنة على الجبهة. كما تتبع قصص وخط سير “مجندين مصريين” انقطعت أخبارهم، وآخرون قتلوا، وقلة أصيبوا إصابات خطرة، فيما ينتظر آخرون مصيرهم.
لقراءة التحقيق.. اضغط هنا