الجيولوجي حامد جمال الدين لمصراوي: علماء مصر المؤثرين عالميً
حوار- مروة شاهين:
“شقرف” قرية مصرية صغيرة تتبع مدينة طنطا في محافظة الغربية، ولد ونشأ وتعلم في مدارسها الدكتور حامد جمال الدين الباحث الذي غير مفهوم الجيولوجيا التطبيقية، قدم أبحاث مبنية على حقائق أزاحت فرضيات وأرست نتائج توصل إليها بعد عمل متواصل وجهد دؤوب، فاستحق لقب “باحث عالمي” وهو لم يتجاوز 40 عاما، يعمل حاليا أستاذ مساعد بجامعة خليفة بدولة الإمارات، والتي تحتل المركز الـ27 ضمن تصنيف الجامعات النائشة في العالم، وفقًا لنتائج تصنيف مؤسسة التايمز للتعليم العالي.
قبل أيام قدم الدكتور حامد جمال الدين إلى المجتمع العلمي، بحثًا استغرق عامين توصل خلاله إلى أن سطح الأرض استقبل أول قطرة من ماء الأمطار العذبة قبل حوالي 4 مليارات سنة، هذا البحث الجديد يشير إلى أن الأراضي الجافة، ودورة المياه، وربما حتى الحياة على الأرض، ظهرت في وقت أبكر بكثير مما كنا نعتقد، ويعزز نظرية الأرض المبكرة الباردة.
تلك النتائج تمثل خطوة مهمة في المضي قدما نحو فهمنا لتاريخ الأرض المبكر، وتفتح الأبواب لمزيد من الاستكشافات في تاريخ الأرض وبداية الحياة عليها، وفي السطور التالية يفتح الباحث العالمي لـ” مصراوي” نافذة للحديث عن نشأته، وكيف وصل من مدرسة وجامعة حكومية إلى مكانة متقدمة في المجتمع العلمي، رغم صغر سنه؟، وما قدمه من أبحاث علمية؟، ويخبرنا بما اكتشفه في الصحراء الشرقية بمصر، وعلاقتها بنشأة الأرض. وإلى نص الحوار..
– من هو الدكتور حامد جمال الدين؟
= اسمي حامد جمال الدين من قرية شقرف بمركز طنطا بمحافظة الغربية، درست بمدارس حكومية داخل القرية حتى المرحلة الثانوية، بعدها التحقت بكلية العلوم قسم الجيولوجيا جامعة طنطا وتخرجت فيها عام 2008، وحصلت على درجة الماجستير في علم الجيولوجيا عام 2013، وحصلت أيضا على الدكتوراه في الجيولوجيا التطبيقية من جامعة كيرتن بأستراليا عام 2021، واتبعها زمالة ما بعد الدكتوراه لمدة ثلاث سنوات في نفس الجامعة، وأعمل حاليا مدرس مساعد في جامعة خليفة بدولة الإمارات العربية.
– هل يمكن أن نجد بين مخرجات التعليم الحكومي المصري علماء يقدموا اكتشافات للعالم؟
= بالطبع أنا دراستي كانت بالكامل داخل مدارس حكومي بالقرية التي نشأت فيها حتى المرحلة الثانوية والتحقت بعدها بجامعة طنطا وهي أيضًا جامعة حكومية، ومنها انطلقت للدراسة والعمل ومجال البحث العلمي، ومازال يوجد تواصل بيني وبين المعلمين الذين درسوا لي على مدى سنوات تعليمي في مصر.
اتلقى منهم التهاني دائما مع نشر أبحاثي، وأعتقد أن معظم العلماء المصريين المؤثرين على مستوى العالم حاليا تخرجوا في جامعات مصرية، ودرسوا بمدارس حكومية والإنسان قادر على تحقيق النجاح والوصول لأهدافه تحت أي ظروف.
– ما هو مجال تخصصك في البحث العملي؟
= تشمل أبحاثي التقنيات الجيوكيميائية لدراسة الصخور المشتقة من الوشاح على المستويات العالمية والإقليمية والصغيرة والمتناهية الصغر إلى الأحجام النانوية.
كما أحاول مواكبة التطور الديناميكي للأرض على مدار تاريخها الممتد لأربعة مليارات عام، بما في ذلك الجوانب المتعلقة بتطور عباءة الأرض، والتكوين المبكر للقشرة القارية، وبداية “تكتونية الصفائح”، ودورات الأعمدة الفائقة القارية.
-يتردد اسم الدكتور حامد جمال الدين منذ 4 أعوام في الأوساط العلمية، ماذا قدمت لتنال كل هذا التقدير؟
= منذ سافرت إلى اليابان في عام 2015 وأنا أهتم بمجال البحث العلمي، وخلال فترة عملي التي استمرت حتى عام 2017 نشرت 5 أبحاث كباحث مساعد، وانتقلت بعد ذلك للعمل في أستراليا، كنت مهتما بمجال البحث العلمي وخاصة بتكوين طبقات الأرض واستخدام المواد الكيميائية في دراسة الصخور والعمل على فهم نظام الأرض.
ونشرت أيضا في ذلك الوقت بأستراليا 8 أبحاث في مجالات عالمية، وكانت اكتشافات علمية أثرت في مجال البحث العلمي وكان لها صدى واسع بين الباحثين، كما لقي البحث الأخير انتشارًا واسعًا بين الأوساط العلمية بعد أن أعلن الاكتشاف أن أول قطرة مياه مطر كانت قبل 4 مليارات عام.
-في بحثك الأخيرة كيف استطاعت تحديد ذلك الوقت بدقه؟ وماذا يعني أن أول قطرة مياه كانت قبل 4 مليارات سنة، وليس قبل 3.5 مليارات سنة وفقا للفرضية السابقة؟
=توصل البحث إلى أن سطح الأرض استقبل أول قطرة أمطار بالمياه العذبة لأول مرة منذ حوالي 4 مليارات سنة، أكثر من الافتراضية السابقة بحوالي 500 مليون سنة، وتم استخدام نظائر الأكسجين المحتجزة في المعادن القديمة لتحديد توقيت تقريبي، أثناء تواجدي في أستراليا.
وتم ذلك من خلال فحص العمر ونظائر الأكسجين في بلورات صغيرة من معدن الزركون، ووجدنا بصمات نظائرية خفيفة بشكل غير عادي يعود تاريخها إلى 4 مليارات سنة مضت.
أجريت والفريق البحثي قياس الطيف الكتلي للأيونات الثانوية لتحليل حبيبات الزركون الصغيرة، واستنتاج نظائر الأكسجين التي كانت موجودة في الصهارة “الصخور المفتتة” التي تشكلت منها البلورات.
وتحتوي أحجار الزركون في “جاك هيلز” بأستراليا على تركيبات خفيفة من الناحية النظائرية لا يمكن تحقيقها إلا إذا تشكلت وتعرضت للمياه العذبة، من النوع الذي سقط مؤخرًا من السماء. ومن ثم تكون هذه البلورات المحبوسة دليلا على هطول الأمطار الأولى على الأرض، وتغلغلت في المياه الضحلة لقشرتها المتصلبة حديثا.
كما أن تُكون نظائر الأكسجين الخفيفة هذه نتيجة للمياه العذبة الساخنة التي تُغير الصخور على بعد عدة كيلومترات تحت سطح الأرض
-ما الذي يقدمه هذا الاكتشاف للتطور العلمي؟
= أثبتت الاكتشافات القديمة أن الكتل الأرضية والمياه العذبة مهدت لوجود الحياة خلال فترة زمنية أقل من 600 مليون سنة بعد تشكل الكوكب، كان يُعتقد سابقًا أن القشرة كانت مغمورة تحت المحيط في ذلك الوقت.
بعض أقدم أشكال الحياة الأرضية التي اكتشفناها هي الشعاب الميكروبية التي يبلغ عمرها 3.48 مليار عام والمعروفة باسم ستروماتوليت، والتي تم اكتشافها على بعد ما يزيد قليلاً عن 800 كيلومتر شمال جاك هيلز، في بيلبارا كراتون.
هذا البحث الجديد يشير إلى أن الأراضي الجافة، وخزانات المياه العذبة ودورة المياه، وربما حتى الحياة على الأرض، ظهرت في وقت أبكر بكثير مما كنا نعتقد، كما أنه يعزز نظرية الأرض المبكرة الباردة.
وبناء عليه تمثل النتائج خطوة مهمة إلى الأمام في فهمنا لتاريخ الأرض المبكر، وتفتح الأبواب لمزيد من الاستكشافات في تاريخ الأرض وبداية الحياة عليها، وهو ما سأعمل عليه خلال الفترة القادمة.
-ما الوقت الذي استغرقته للوصول إلى تلك النتائج؟
=بدأت فكرة البحث بعد القراءة والاهتمام بعمر الأرض وتكوينها خلال السنوات الأخيرة أثناء تواجدي في أستراليا، وتوصلت الأبحاث المنشورة إلى أن عمر الأرض حوالي 4.5 مليار سنة والكائنات وحيدة الخلية بدأت تظهر منذ حوالي 3.5 مليار سنة.
بالتالي لدينا فرق حوالي مليار سنة في عمر الأرض لم يكن لدينا معلومات عنه، وبدأت الفكرة في البحث عن نفس الظروف المتشابهة التي أثبتت وجود الكائنات وحيدة الخلية، استغرق العمل في البحث حوالي عامين منذ شهر أكتوبر لعام 2021 حتى شهر يناير عام 2023، بمساعدة فريق عمل من أستراليا والصين.
وقمت خلال تلك الفترة بعمل تحاليل لبيان نظائر الأكسجين الموجود في معدن الزيركون وهم أكسجين 18 الموجود في المياه المالحة وأكسجين 16 الموجود في المياه العذبة والذي أثبت أن وجودها تجاوز 4 مليارات سنة، ووصل عدد التحاليل التي أجريتها حوالي 1400 تحليل ويعتبر أكبر عدد تحاليل تم عمله خلال 30 عام في ذلك المنطقة.
-هل هذا يعني تأكيد وجود حياة على الأرض منذ أكثر من 4 مليارات سنة؟
= أثبت البحث وجود مياه عذبة على سطح الأرض وبداية تكوين الصخور فوق سطح المحيطات، وبالتالي توفر عنصرين أساسين لبداية الحياة على الأرض أو بداية نشأة الحياة، لا يمكن التأكيد على وجود حياة منذ 4 مليار سنة، ولكن الكوكب كان مهيأ لظهور الحياة وإثبات وجود الحياة يحتاج بحث علمي أكثر على الصخور الموجودة بعمر 4 مليارات سنة وبما فيها من صخور رسوبيه، والفترة القادمة يمكن للباحثين دراسة ذلك عن طريق البحث عن كائنات وحيدة الخلية والخواص الكيميائية التي تهيأ وجود الحياة.
-هل يمكن أن يحدث ذلك تضارب مع دراسات سابقة ويلغي صحتها؟
=لا يوجد بحث علمي يلغي النتائج التي توصلت إليها الأبحاث السابقة ولكن يصل إلى تحديث لتلك النتائج مثلما فعلت وأضافت معلومات جديدة على البحوث السابقة التي أثبتت وجود كائنات وحيدة الخلية منذ 3.5 مليار سنة وهذا لا يمكن الغاءه، وتم التوصل إليه بناء على نظريات علمية ولكن يتم تحديث المعلومة إلى 4 مليار سنة مما يتيح الفرصة للباحثين للبحث في وجود حياة على الأرض منذ ذلك الوقت.
-هل الاكتشاف يؤثر على البشر؟
=الاكتشاف ليس له تأثير على البشر بشكل مباشر، ولكن يكون له تأثير على العلم والمعروفة وإضافة معلومات جديدة للعلم وفتح آفاق جديدة للعلماء للبحث العلمي وإضافة اكتشافات أخرى جديدة في مجالات مختلفة.
-هل كان لمصر نصيب في أبحاثك العلمية؟
=بالتأكيد، قدمت منذ عام ونصف بحث ونشر في إحدى المجلات العلمية، اكتشفت خلاله نوع من أنواع الصخور موجود في الصحراء الشرقية في مصر تشبه بشكل كبير أول صخور تكونت على الأرض ويمكن العيش عليها، وكانت موجودة بكميات كبيرة تعتبر من أكبر كميات الصخور الموجودة في العالم.
وقدمت أبحاث كثيرة عن الصخور موجودة في مصر وكان لها صدى واسع في المجتمع العلمي ونشرت في المجلات العلمية، وخلال الفترة القادمة سأنشر أبحاثًا كثيرة تقدم اكتشافات داخل مصر.
-ما هي أحلامك التي تسعى لتحقيقها؟
أحلامي أن أستمر في تقديم الأبحاث والاكتشافات التي تخدم العلم وتفتح آفاق جديدة للعلماء لتقديم اكتشافات جديدة تساهم في تطوير وفهم نظام الحياة، وأسعى إلى محاولة مساعدة الشباب الساعي في البحث العلمي لتوصيل فكرتهم ويكفي إضافة معلومة جديدة واكتشاف جديد للعلم يكون هدفه الأساسي خدمة البشرية وليس العائد المادي.