سياسيون في ألمانيا يتعرضون للمضايقات والاعتداءات الجسدية
كان عضو البرلمان الألماني الذي ينتمي للحزب الديمقراطي الحر، تيم فاغنر، يعلق ملصقات انتخابية لزميله الليبرالي عندما تم الاعتداء عليه في شوارع أيزنبرغ. ويروي فاغنر: «كانت الساعة 12:15 في يوم مشمس. جاء إليّ رجل وقال: لا يمكنك تعليق هذه الملصقات هنا. فقلت: بلى. أستطيع ذلك. فرد: يمكننا أن نتقاتل من أجل ذلك».
اعترض الرجل – وهو من المتعاطفين مع حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني – طريق فاغنر أثناء محاولته المغادرة، وتمكّن الأخير من ركوب سيارته، لكن الرجل وشخصين آخرين حاصروا السيارة وبدؤوا في ركل بابها.
ويقول فاغنر الذي لوحق إلى باب منزله: «نحن نتعرض للهجوم من كلا الجانبين، من اليمين واليسار»، متابعاً: «لكن هذه المرة كانت ابنتي البالغة 14 عاماً تجلس داخل السيارة، وقالت إنها صُدمت».
لم يكن هذا سوى أحدث أعمال العنف ذات الدوافع السياسية التي تتزايد معدلات حدوثها عاماً بعد عام، ليس في ألمانيا فحسب، بل في جميع أنحاء أوروبا. وقد لفت انتباه الرأي العام إلى هذه القضية بعد محاولة اغتيال رئيس الوزراء السلوفاكي، روبرت فيكو، الأسبوع الماضي، وهي أخطر محاولة اغتيال منذ عقود.
لكن الهجمات على السياسيين كانت في تصاعد حتى قبل الحادثة، بسبب الخطاب الاستقطابي المستخدم على وسائل التواصل الاجتماعي الذي يمثّل تهديداً للديمقراطية، كما يقول الخبراء. إن الافتقار الواضح إلى القيود المفروضة على ما يمكن قوله، الآن، عن الخصم السياسي، جعل من السهل ظهور الاعتداءات الجسدية. ويقال إن تصاعد العنف قد يكون إيذاناً بفترة جديدة من التفكير في جميع أنحاء أوروبا، خصوصاً مع اقتراب الانتخابات البرلمانية على مستوى القارة في الشهر المقبل.
وتقول خبيرة الاقتصاد السياسي السلوفاكية في معهد الجامعة الأوروبية في فلورنسا، سونا موزيكاروفا: «أصبحت المناقشات السياسية على الإنترنت شخصية للغاية، وعدوانية، ومليئة بالكراهية، ويتم ذلك مع الإفلات من العقاب»، متابعة: «عندما يشاهد الناس هذا ويصبح أمراً طبيعياً، فإنه ينعكس أيضاً على المجتمع. ومن الناحية المنطقية، إنها مسألة وقت: متى وكيف سيظهر هذا في الواقع أيضاً. إنها نوع من حلقة ردود الفعل الدائمة».
تعزيز الإجراءات الأمنية
وقعت العديد من حوادث الهجمات ذات الدوافع السياسية في ألمانيا خلال الأشهر القليلة الماضية. وتعرض الديمقراطي الاشتراكي ماتياس إيكي للضرب على يد مجموعة من المراهقين، بينما كان يعلق ملصقات في مدينة دريسدن، واحتاج إلى دخول المستشفى. وكتب أحد المتحدثين باسم إيكي، رافضاً طلب إجراء مقابلة: «كما ستفهم بالتأكيد، فهو غير قادر بعد على استئناف أنشطته بكامل طاقته».
وتعرضت سيناتور ولاية برلين، فرانزيسكا جيفي لإصابات في الرأس والرقبة، بعد اعتداء أثناء زيارة روتينية للمكتبة في وقت سابق من مايو. وفي العام الماضي، عثر ابن عمدة ولاية بافاريا على رأس خنزير على عتبة منزل العائلة، والقائمة تطول.
وفي ألمانيا أيضاً، أفاد تحقيق برلماني العام الماضي بوقوع نحو 3000 هجوم على أعضاء البرلمان والأحزاب السياسية، بما في ذلك 1219 هجوماً تم الإبلاغ عنها ضد حزب الخضر، و478 هجوماً ضد البديل اليميني المتطرف لألمانيا، و420 ضد الديمقراطيين الاشتراكيين، و299 ضد الديمقراطيين الأحرار. وفي الأثناء، يبدو أن حصيلة هذا العام في طريقها لتجاوز هذه الأرقام بسهولة. ويقول الخبير الاقتصادي السياسي، جاكوب كيركيجارد: «نأمل أن تؤدي محاولة الاغتيال في سلوفاكيا المجاورة، التي طالت رئيس الوزراء روبرت فيتسو، إلى القليل من التأمل حول كيفية إجراء المناقشات السياسية، حيث توجد تهديدات بالعنف وانقسامات حزبية أو عميقة الجذور حول مختلف القضايا الأيديولوجية». ولكن زميل صندوق مارشال الألماني في الولايات المتحدة يشعر بأن النتيجة النهائية من المرجح أن تكون تعزيز الإجراءات الأمنية. وأضاف كيركيجارد: «كانت هناك اغتيالات سياسية أو محاولات اغتيال في دول أوروبية أخرى من قبل، بعضها نجح وبعضها الآخر لم ينجح. وأعتقد أنه سيكون من الصعب أن تقول إنهم أحدثوا فرقاً في مستوى الخطابة».
المناقشة بطريقة حضارية
التهديدات ليست جديدة بالنسبة للنائب فاغنر، عضو البرلمان الألماني والسياسي الذي تمت محاصرة سيارته عندما كان يعلق الملصقات، الشهر الماضي.
وقبل بضع سنوات، ظهر ثلاثة أعضاء من الجماعات المسلحة اليسارية المتطرفة المناهضة للفاشية في الحديقة الأمامية لمنزله. وفي العام التالي، نقل فاغنر عائلته إلى منزل آخر، ليتم رصد عنوانه مرة أخرى.
ويقول السياسي المخضرم إنه خبير سابق في الفنون القتالية ومدرّس للجودو، ويشعر بأنه يستطيع الاهتمام بسلامته الشخصية، لكن عائلته لم تختر الحياة العامة، وأصبح أطفاله أكبر سناً وأكثر وعياً، تماماً كما تصاعد التهديد الذي يواجهه الساسة.
ويقول: «كانت هناك صراعات مختلفة: فيروس كورونا، والحرب في أوكرانيا، والهجرة»، متابعاً: «هناك صراع هنا على أرضنا (ألمانيا) وهو يظهر الآن».
وفي نهاية المطاف، وعلى المدى الطويل، لدى فاغنر أمل لأن جيل الشباب – بما في ذلك أطفاله – ينشأون مع وسائل التواصل الاجتماعي. وينبغي أن يكونوا أكثر قدرة على تمييز ما هو حقيقي وما هو مزيف، مقارنة بالأجيال الأكبر سناً. ويقول: «آمل أن يتعلم الأطفال الجدد كيفية المناقشة بطريقة حضارية ومهذبة، وأن يتعلموا رؤية الأخبار المزيفة الواردة من روسيا أو من الروبوتات، وما كتابات الأشخاص الحقيقية حقاً».
كما يرى البعض علامات الأمل، حيث يدعو السياسيون من جميع الأحزاب، الآن، إلى تقليص الخطاب السياسي الذي يتذكر أنه تصاعد لأول مرة على مدى العقد الماضي، عندما دعا اليمين المتطرف إلى «وضع المستشارة أنغيلا ميركل في السجن». ويقول فاغنر: «يستغرق الأمر بعض الوقت»، مشيراً إلى أنه وقت صعب لتهدئة الخطاب بسبب الانتخابات البرلمانية والمحلية المقبلة للاتحاد الأوروبي. وأردف: «لكننا نعلم أن علينا أن نهدأ، ويجب أن نبدأ بوسائل التواصل الاجتماعي ونرفع المناقشة إلى مستوى أعلى».
• تصاعد العنف قد يكون إيذاناً بفترة جديدة من التفكير في جميع أنحاء أوروبا ككل، خصوصاً مع اقتراب الانتخابات البرلمانية.
• الهجمات على السياسيين كانت في تصاعد، بسبب الخطاب الاستقطابي المستخدم على وسائل التواصل الاجتماعي.