اخبار الامارات

المنتدى الاقتصادي العالمي يفضح ضعف القادة الأوروبيين

بات انتقاد المنتدى الدولي الاقتصادي في دافوس، الذي انتهى في 19 يناير الجاري، أمراً شائعاً. ومع ذلك، أعتقد أن العديد يحكمون على المنتدى الدولي الاقتصادي السنوي بقسوة شديدة. وبغض النظر عن التفكير المثالي، فإن الغالبية العظمى ممن حضروا هذا الحدث يظهرون موقفاً ثابتاً بالرغبة في تحسين العالم.

ومن الواضح أيضاً أن منظميه أخذوا على محمل الجد الانتقادات بأن المؤتمر يمثل غرفة بيئية عالمية، حيث شهدت نسخة هذا العام، ظهور عدد كبير من الأصوات المنشقة.

ويمنحنا المنتدى الاقتصادي العالمي أيضاً فرصة نادرة للنظر خلف الستار من الناحية السياسية. ويمكننا أن نرى كيف يعمل قادة العالم مع بعضهم بعضاً، كما أنه يمنحنا فرصة لنرى مدى كفاءة قادتنا، ومدى اتساع أفقهم. ويظهر لنا ما الأفكار التي لديهم، والتي يمكنهم استخدامها لحل مشكلات العالم وكيف يرغبون في حلها.

قادة أوروبا

وبالنسبة للأوروبيين، فإن هذا يعني منحنا فرصة لرؤية مدى قلة حيلة النخبة لدينا. وكانت مشاهدة نائبة رئيس المفوضية الأوروبية لشؤون القيم والشفافية فيرار جوروفا في مؤتمر «360 درجة» حول الذكاء الاصطناعي، مثل مراقبة حادث سيارة بالحركة البطيئة.

وكانت تظهر إلى جانب مسؤولين من الإدارة الأميركية للرئيس جو بايدن والحكومة السنغافورية، وكانت هذه الهيئة مكرسة لاختبار الوضع الحالي لتطور للذكاء الاصطناعي من منظور الرؤية السياسية والقضائية، والاقتصادية. وكان وجود جوروفا منطقياً على الورق، في حين أن لقبها الأوروبي مفوض (القيم والشفافية) ليس له علاقة بالتكنولوجيا، وكانت هذه السياسية التشيكية منخرطة في قانون الذكاء الاصطناعي للكتلة، إضافة إلى أجزاء أخرى من الأنظمة الرقمية، بما فيها قانون الخدمات الرقمية. وعلى الرغم من مؤهلاتها، اتضح فيما بعد أن وجودها كان في المكان الخطأ، عندما طلب منها مدير الجلسة إيان بريمر فتح النقاش حول تلخيص وضع التكنولوجيا في العالم بصورة عامة.

وبدلاً من الإجابة عن السؤال، انطلقت جوروفا في الحديث لوحدها عن المفوضية الأوروبية، وجهودها المتنوعة لكبح جماح الذكاء الاصطناعي، ما أثار غضب بريمر، الذي قاطعها، مشيراً إليها بأنها تجاهلت تعليماته تماماً. وقال لها «بالنظر إلى أنه السؤال الأول سأمنحك فرصة ثانية، وأكد مرة ثانية أنه يريد وجهة نظرها حول كيف تجري هذه الأنظمة المتعلقة بالذكاء الاصطناعي خارج أوروبا»، ولم تكن إجابة جوروفا الثانية بأفضل من الأولى، ما دفع بريمر إلى أخذ الميكروفون منها، وإعطائه لمديرة البيت الأبيض للسياسة العلمية والتقنية أراتي براباكار، وطلب منها التحدث عن أنظمة الذكاء الاصطناعي حول العالم.

رؤى نادرة

وبخلاف جوروفا، كانت براباكار مدركة لما يريده مدير الجلسة. وينطبق الأمر ذاته على المتحدثين الآخرين، مثل وزيرة الاتصالات والمعلومات في سنغافورة جوزفين تيو، ونائب رئيس مجلس إدارة شركة مايكروسوفت براد سميث. وقد كان الثلاثة بليغين للغاية طوال حلقة النقاش، حيث قدموا رؤى نادرة حول الوضع الحالي للذكاء الاصطناعي، إضافة إلى الطرق الممكنة للمضي قدماً للحكومات فيما يتعلق بالتعايش مع التكنولوجيا الجديدة. وهذا ما جعل إمكانات جوروفا تبدو مثيرة للشفقة أكثر. وكان ينبغي أن تكون جوروفا قادرة على الحديث في هذا الموضوع على قدر المستوى من العمق، مثل نظرائها الآخرين، إذ إنها ليست مسؤولة سياسية، وإنما هي التي ستشكل أفكارها ووجهات نظرها سياسة الاتحاد الأوروبي، المؤلف من 27 دولة، إلى عقود عدة، وربما إلى الأبد. وظهرت في المنتدى الاقتصادي الدولي وكأنها لا تملك أدنى فكرة عن الموضوع.

وتعرض نائب المستشار الألماني روبرت هابيك لـ«القتل بالسيف» على يد كبار رجال الأعمال أثناء حلقة نقاشية تناولت مكانة أوروبا في النظام الاقتصادي العالمي الجديد، كما قوبلت محاولاته اليائسة للدفاع عن سياسة الطاقة الأوروبية بالرفض بأدب من جهة المحيطين به. ووجد المفوض الأوروبي لشؤون البيئة، ماروس سفكوفيتش، نفسه في استجواب حول السبب الذي يجعل بيروقراطية بروكسل تستغرق سنوات لجلب بعض المنتجات الصديقة للبيئة إلى السوق، على الرغم من التزام الاتحاد الأوروبي الواضح بالطاقة «الخضراء».

التعاون العالمي

وحتى رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، وجدت نفسها محاصرة في دافوس. وكان من المفروض أن تلقي كلمة الافتتاح، ولكن قام بهذا العمل رئيس مجلس الدولة الصينية لي تشانغ. واستغل هذا الرجل، الذي يأتي في التسلسل الهرمي السياسي في الصين بعد الرئيس شي جين بينغ، وجوده في المنصة كي يوجه انتقادات مستترة إلى الاتحاد الأوروبي، وتحقيقاته الأخيرة في واردات الصين الخضراء، التي قال عنها إنها لا تساعد على التعاون العالمي.

وهذا لم ينال إعجاب رئيسة المفوضية، فصعدت إلى المنصة، وهاجمت الصين علانية، لمحاولاتها تقييد التجارة، خصوصاً في ما يتعلق المواد النادرة الوجود في العالم. وقالت فون دير لاين «في الحقيقة، فإن الصين بدأت بوضع قيود تصديرية على عناصر الجرمانيوم، والغاليوم، والغرافيت الآن، وهذا لا يساعد على بناء الثقة. وعلى الرغم من أن ذلك، بدا وكأنه انتقام من الصين، إلا أن ذلك لم يجعلها في وضع جيد أمام الجميع، إذ إن المنتدى الاقتصادي العالمي ليس مكاناً لإطلاق الخطابات النارية، كما أن محاولة فون دير لاين بدت وكأنها غير ملائمة تماماً لهذا الزمان والمكان».

الكفاءة والثقة

وفي الحقيقة، لم يكن أداء جميع قادة الاتحاد الأوروبي سيئاً، ولكني يجب الاعتراف بأن رئيس وزراء إيرلندا، ليو فارادكار، تحدث بصورة جيدة خلال كلمته، وكذلك عن الذكاء الاصطناعي أيضاً.

ويجب على المرء إذا أراد المحافظة على نفسه في مثل هذا المنتدى، على الرغم من عدم كونه خبيراً، أن يحتفظ بالكفاءة والثقة معاً. ويستحق رئيس وزراء إيرلندا الثناء على ذلك.

ولكن الحقيقة هي أن فارادكار كان غريباً في هذا الأمر، في حين كان ينبغي أن يكون هو القاعدة. وكانت الحقيقة الساطعة في المنتدى الاقتصادي العالمي هذا العام، هي أن الزعماء الأوروبيين فشلوا تماماً في الأداء، خصوصاً بالمقارنة مع منافسيهم في الولايات المتحدة والصين. ولقد كشفوا عن أنفسهم بأنهم أقل قدرة بكثير من أقرانهم الدوليين، في وقت يتعرض فيه الاتحاد الأوروبي لضغوط من كل جانب. وإذا لم يكن بوسعنا أن نثق بقدرة زعمائنا على حضور مؤتمر دولي من دون إحراج أنفسهم، فكيف يمكن الوثوق بقدرتهم على إدارة أوروبا؟

• لقد كشف القادة الأوروبيون عن أنفسهم بأنهم أقل قدرة بكثير من أقرانهم، في وقت يتعرض فيه الاتحاد الأوروبي لضغوط من كل جانب. وإذا لم يكن بوسعنا أن نثق بقدرة زعمائنا على حضور مؤتمر دولي من دون إحراج أنفسهم، فكيف يمكن الوثوق بقدرتهم على إدارة أوروبا؟

• قدّم 3 متحدثين رؤى نادرة حول الوضع الحالي للذكاء الاصطناعي، إضافة إلى الطرق الممكنة للمضي قدماً للحكومات في ما يتعلق بالتعايش مع التكنولوجيا الجديدة، وهذا ما جعل إمكانات جوروفا تبدو مثيرة للشفقة أكثر.

بيتر كادل – صحافي متخصص بالشؤون الأوروبية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى