اخبار الامارات

“الوحدة 8200”.. كيف أخفقت “وكالة الاستخبارات التقنية الأولى في العالم”

يمثل الهجوم المباغت الذي شنته حركة حماس وقتل خلالها مئات الإسرائيليين فشلاً استخباراتيا يطرح تساؤلات حول سياسة إسرائيل تجاه الحركة التي تسيطر على قطاع غزة.

وسارع عسكريون إلى القول بأن حماس استخدمت خداعاً كبيراً، بالإضافة إلى صدمة الهجمات من مجالات متعددة بما في ذلك الصواريخ والتسلل والسقوط المظلّي، لخلق أقصى قدر من الفوضى.

لكن الجنرال العسكري المتقاعد يعقوب عميدرور، الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي في الفترة 2011-2013، قال، وفقاً لوكالة “فرانس برس”  إن ما حدث هو “فشل كبير لنظام المخابرات والجهاز العسكري في الجنوب”.

وإضافة إلى الفشل العملياتي لأجهزة الاستخبارات في الكشف عن التخطيط للهجوم وفشل الجيش في منعه، فإن النهج الذي تتبعه إسرائيل إزاء حماس خطأ بكامله، وفق عميدرور.

لم يكن عميدرور وحده الذي اتهم أجهزة المخابرات الإسرائيلية بالإخفاق والفشل، بل انبرت أقلام عدة في الصحف الإسرائيلية، والعديد من القيادات الأمنية والمخابراتية التي عملت سابقاً ضمن أجهزة الاستخبارات والمنظومة الأمنية.

كثير من الاتهامات انصبت على “الوحدة 8200” الملقبة بالطرف الثالث في أي اتصال هاتفي أو أي محادثة تجرى بين طرفين، والتنصت على الفاكس والبريد الإلكتروني في قارات آسيا وإفريقيا وأوروبا، وفي الحادث الراهن الكثير من أعضاء حركة حماس يشملهم عمل هذه الوحدة لمتابعة تحركاتهم واتصالاتهم.

 

فما هي هذه الوحدة؟ وما هو دورها الاستخبارتي؟

في عام 2010 كشفت صحيفة “لوموند ديبلوماتيك” الشهرية الفرنسية النقاب عن الوحدة باعتبارها أهم وأكبر قاعدة تجسس إسرائيلية مقامة في منطقة ليكيت الواقعة شرقي مدينة بئر سبع في النقب جنوب إسرائيل.

ووفقاً لتحقيق أجرته الصحيفة حينها، قالت مجندة سابقة كانت تعمل في صفوف الوحدة 8200 ضمن طاقم تحليل المعلومات أن مهمتها كانت تتمثل باعتراض الاتصالات الهاتفية والرسائل الإلكترونية “الايميل” وترجمتها من الإنجليزية والفرنسية للغة العبرية.

وأضافت المجندة السابقة: “لقد كانت عاملاً مهما تركز على التعقب والرصد والتشخيص وفرز المفيد من بين الاتصالات العادية والاعتيادية”، وأكدت أن دخولا لبعض المواقع الالكترونية ستمكن المعني من رصد ومشاهدة الهوائيات التابعة للقاعدة والمنصوبة على شكل صفوف طويلة.”

التحقيق الفرنسي وصف الوحدة بأنها إحدى أكبر قواعد التنصت الإلكتروني في العالم، وهي مرتبطة مباشرة لجهاز الاستخبارات العسكرية التابع للجيش الإسرائيلي (أمان).

وأفاد التحقيق في حينه أن قاعدة الوحدة تضم 30 برجاً هوائياً وصحوناً لاقطة من أنواع وأحجام مختلفة مهمتها التنصت على المكالمات الهاتفية واختراق العناوين الإلكترونية التابعة لحكومات أجنبية ومنظمات دولية وشركات أجنبية ومنظمات سياسية، إضافة إلى الأشخاص والأفراد.

وأهم اهداف القاعدة التجسسية، التنصت على الاتصالات اللاسلكية ومراقبة حركة السفن في البحر المتوسط، إضافة إلى اعتبارها مركزاً هاماً لشبكات التجسس عبر الكوابل البحرية التي تربط إسرائيل بدول أوروبا عبر مياه المتوسط، إضافة لامتلاك القاعدة محطات تنصت سرية تزيد من فاعليتها.

ويتم نقل المعلومات التي تحصل عليها القاعدة المذكورة إلى قيادة خاصة تابعه للوحدة 8200 توجد في مدينة هرتسيليا على البحر الأبيض المتوسط، لاستكمال العمل عليها وتمييزها وبعد ذلك يجري تمرير المعلومات إلى قيادة جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) ووحدات الجيش المعنية بذلك.

تمتلك “الوحدة 8200” العديد من القواعد المنتشرة في إسرائيل والمصنفة كوحدات مركزية لجمع المعلومات تحمل اسم “سيغينت” وتعمل الوحدة المذكورة في محالات التنصت، الاعتراض، التحليل، الترجمة، ونشر المعلومات المتوفرة لديها من خلال التنصت على البث الاذاعي والاتصالات الهاتفية واعتراض الفاكسات والبريد الإلكتروني لكن وحدة 8200 لا تعمل في مجال جمع المعلومات من مصادر بشرية التي تعتبر من اختصاص وحدات تشغيل العملاء في الموساد المعروفة باسم ” تسومت” ووحدة 504 التابعة للاستخبارات العسكرية (أمان).

ولإدراك أهمية تلك الوحدة، يتم الإشارة إلى كون الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، خدم داخل وحدة النخبة “8200” في المخابرات الإسرائيلية.

يبلغ قوام الوحدة 8200 جندي يتحدثون العربية والفارسية ولغات عدة؛ وبمساعدة أميركية أصبحت واحدة من أكبر قواعد التنصت عالمياً.

كما بدأ العديد من كبار المسؤولين والمديرين التنفيذيين في شركات التكنولوجيا خاصة داخل تل أبيب، حياتهم المهنية في هذا المجال داخل وحدة استخبارات الجيش الإسرائيلي “8200”، والتي يطلق عليها اسم “وكالة الاستخبارات التقنية الأولى في العالم”.

الانضمام إلى “8200” يعد من الأمور الدقيقة والأكثر حساسية، إذ يقوم مجتمع الاستخبارات الإسرائيلي بجمع المعلومات، وتحديثها بشكل دائم، عن العناصر المتميزة في مجالات التقنية من الشباب والفتيات الإسرائيليين في مرحلة الثانوية، ويشمل التدقيق ومراحل اختيار المرشحين للانضمام للوحدة اختبارات سنوية ونصف سنوية، في اللغات والعلوم والبرمجة والتفكير الإبداعي وسرعة البديهة.

اعترف مسؤولون إسرائيليون، بتحول عمل تلك الوحدة في مجال تكنولوجيا المعلومات من الدفاع إلى الهجوم، كما تنوعت أدوات التجسس والتجنيد؛ من بينها استخدام الرسائل النصية بهدف اختراق الهواتف المحمولة، وهو الأمر الذي تستخدمه أجهزة المخابرات في الدول المتقدمة.

هناك علاقة وثيقة بين الوحدة 8200 وبعض الشركات الخاصة التي تتولى عمليات تطوير البرمجيات وأجهزة المخابرات المختلفة، إذ يقدم الجيش متخصصين عاليي المهارة، يكتسبون خبراتهم أثناء الخدمة العسكرية، وينتقلون بعد ذلك إلى تلك الشركات التي يديرها في أغلب الأحيان ضباط كبار سابقون.

 

“8200” وجمال عبد الناصر

كان من أهم انجازات الوحدة 8200 التي نالت تغطية اعلامية كبيرة اعتراض مكالمة هاتفية جرت بين الزعيم الراحل جمال عبد الناصر والملك الأردني الراحل الحسين بن طلال، وذلك أول أيام حرب 1967، وكذلك اعتراض مكالمة هاتفية جرت بين ياسر عرفات ومسلحين تابعين لمنظمة جبهة التحرير الفلسطينية الذين اختطفوا عام 1985 سفينة الركاب الإيطالية اكيلو لاورو أثناء ابحارها في مياه المتوسط.

وأكد الصحيفة أن قاعدة التجسس في النقب تغطي مناطق جغرافية واسعة جدا في الشرق الأوسط وقارة آسيا وأفريقيا ما جعلها من حيث الأهمية موازية لقواعد مماثلة في العالم مثل القواعد التابعة لوكالة الامن القومي الأميركي ” NSA” التي تمتلك قاعدة ضخمة على الاراضي البريطانية وقاعدة مماثلة في فرنسا باسم “GCHQ” مع فارق وحيد بينهم هو مدى سرية القاعدة الإسرائيلية، التي بقيت سرا غير معروف حتى نشر هذا التحقيق فيما تعتبر القواعد الغربية المذكورة واقعاً معروفاً منذ فترة طويلة.

 

الحرب الإلكترونية

لعبت دوراً أساسياً في الحرب الإلكترونية ضد المشروع النووي الإيراني، وأسهمت في تطوير فيروس “ستوكسنت”، الذي استهدف عام 2009 المنظومات المحوسبة التي تتحكم في أجهزة الطرد المركزية المسؤولة عن تخصيب اليورانيوم في المنشآت النووية الإيرانية، مما أدى إلى تعطيلها.

ودلت الوثائق الجديدة التي كشف عنها مخزن الأرشيف الرسمي الإسرائيلي مؤخراً بمناسبة مرور أربعين عاما على حرب 1973، أن الوحدة مسؤولة عن ما بات يعرف بـ”الوسائل الخاصة”، والتي تتضمن زرع أجهزة تنصت في مكاتب ومرافق حيوية في عمق البلدان العربية، خصوصا البلدان التي تكون في حالة عداء مع إسرائيل.

وتعمل “وحدة 8200” بشكل وثيق مع وحدة “سييرت متكال”، الوحدة الخاصة الأكثر نخبوية في الجيش الإسرائيلي، والتي تتبع مباشرة لرئيس شعبة الاستخبارات العسكرية. وبالإضافة إلى تخصصها في تنفيذ عمليات الاغتيال التي تتم في العالم العربي، فإن “سييرت متكال” تلعب دوراً مركزياً في جمع المعلومات الاستخبارية عبر زرع أجهزة تنصت وتصوير، بناءً على تنسيق مسبق مع وحدة 8200.

وتتنافس شركات التقنيات المتقدمة الرائدة في إسرائيل على استيعاب الضباط والجنود الذين يتسرحون من الخدمة في هذه الوحدة 8200، وذلك بسبب قدراتهم الكبيرة في المجال التقني.

 

مواقع التواصل

أكد المعلق العسكري الإسرائيلي عمير رايبوبورت أن الدور الذي تقوم به “وحدة 8200″، التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان)، قد جعل إسرائيل ثاني أكبر دولة في مجال التنصت في العالم، بعد الولايات المتحدة.

وفي مقال نشره على موقع صحيفة “معاريف” الإسرائيلية، أوضح رايبوبورت أن التقدم الهائل الذي حققته إسرائيل في مجال صناعة التقنيات المتقدمة قد وظف بشكل كبير في تطوير وتوسيع عمليات التنصت التي تقوم بها الوحدة، مشيراً إلى وجود دور بارز لشركات القطاع الخاص في رفد الوحدة باختراعات تعزز من قدرات التنصت.

وأشار رايبوبورت إلى أن الحواسيب المتطورة التابعة لوحدة 8200 قادرة على رصد الرسائل ذات القيمة الاستخباراتية من خلال معالجة ملايين الاتصالات ومليارات الكلمات.

وفي ذات السياق كشف تحقيق أعده المعلق العسكري يوآف ليمور النقاب عن أن تحولاً قد طرأ على عمل الوحدة التي يقودها ضابط كبير برتبة عميد، منذ أن تفجرت الثورات العربية.

وأشار في تحقيقه الذي نشر على موقع صحيفة “إسرائيل اليوم” إلى أن الوحدة 8200 باتت تهتم بمتابعة مواقع التواصل الاجتماعي التي يرتادها الشباب العربي، لا سيما “فيسبوك” و”إكس”، لبناء تصور بشأن التحولات التي يمكن أن تطرأ في العالم العربي، حتى لا تتعرض إسرائيل للمفاجأة التي حدثت السبت الماضي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى