اخبار الامارات

إعادة النظر في التعامل مع كوريا الشمالية ضروري لتحقيق سلام دائم

سيونغ هيون لي

فسّر المراقبون الزيادة الملحوظة في إطلاق كوريا الشمالية للصواريخ على نطاق واسع، خلال العام الماضي، بأنها محاولة لتعزيز قدرتها على استهداف كوريا الجنوبية بأسلحة نووية تكتيكية. وبدعم جزئي من انشغال واشنطن بالحرب الأوكرانية والتوترات في مضيق تايوان، استمرت هذه الزيادة في الاختبارات، وقد تفاقم هذا الأمر بسبب استخدام الصين وروسيا حق النقض ضد عقوبات الأمم المتحدة، الأمر الذي أعطى كوريا الشمالية فعلياً الحرية في اختبار أي أسلحة وإطلاق أي صواريخ ترغب فيها. وبعد عام واحد نشهد تحولاً كبيراً في قدرة كوريا الشمالية المُعززة على تهديد المدن الأميركية الكبرى، من لوس أنجلوس إلى نيويورك، والتي تهدد السواحل والأراضي الأميركية. ويطرح هذا التطور المثير للقلق الذي يتم الاستهانة به في كثير من الأحيان، أسئلة معقدة ومثيرة للقلق، فهل استخفت واشنطن باستمرار ببراعة كوريا الشمالية الصاروخية ولم تخصص ما يكفي من موارد سياسية، وبالتالي تعريض الأمن الأميركي للخطر؟ والأهم من ذلك أنه بسبب عدم كفاية المشاركة السياسية قد تجد واشنطن نفسها في نهاية المطاف مضطرة إلى التفكير في رد فعل حركي وقائي قوي.

إن مثل هذا الإجراء لن يؤدي إلى تدمير كوريا الشمالية فحسب، بل قد يؤدي أيضاً إلى إغراق المنطقة في الفوضى. وفي المشهد الجيوسياسي المعقد في القرن الـ21، كثيراً ما تطغى جاذبية التركيز على التهديدات الملموسة على التحديات المستمرة، وتجسد كوريا الشمالية بنمطها المألوف من التهديد الذي تتبعه لفتات تصالحية هذه الفئة الأخيرة، ومع ذلك فإن النظرة القاصرة لمملكة كيم جونغ أون المنعزلة خصوصاً في ضوء براعتها النووية والصاروخية المزدهرة، تهدد بزعزعة الاستقرار ليس في المنطقة المباشرة فحسب، بل في بنية النظام العالمي ذاتها أيضاً.

مصدر قلق

مع نمو وتنوع ترسانة كوريا الشمالية النووية، فإن التهديد الذي تشكله على جيرانها وعلى البر الرئيس للولايات المتحدة بشكل أكثر إثارة للقلق، يصبح أكثر وضوحاً مع كل تجربة صاروخية. ولفترة طويلة تم الاعتراف بهذا التهديد، لكن كان يُنظر إليه إلى حد كبير على أنه مصدر قلق مستقبلي، والآن ربما يكون إهمال سياسة واشنطن هو الذي دفعنا إلى تجاوز نقطة التحول، حيث تمتلك كوريا الشمالية القدرة الحركية على استهداف الولايات المتحدة بأكملها. وفي 12 يوليو رداً على رحلة الاستطلاع الأميركية فوق المنطقة الاقتصادية لكوريا الشمالية، أطلقت بيونغ يانغ صاروخاً باليستياً عابراً للقارات، وكان سقوطه في بحر اليابان متوقعاً، لكن المسار أثار مخاوف بين الخبراء العسكريين.

إن العواقب المترتبة على ذلك واضحة، فالصواريخ الاعتراضية الأرضية التي نشرتها الولايات المتحدة في ألاسكا وكاليفورنيا، ربما لم تعد قادرة على توفير الدفاع القوي الذي كانت توفره من قبل، وإذا أطلقت كوريا الشمالية عشرات من هذه الصواريخ فمن المحتمل أن تتجاوز أنظمة الدفاع الأميركية، ومن المغري التقليل من إنجازات كوريا الشمالية مع التأكيد على أنه لاتزال هناك فجوة زمنية بين الإنجازات التقنية والنشر الفعلي، وتتفاقم هذه المشاعر بسبب رغبة واشنطن في مواصلة التركيز على أوكرانيا دون تشتيت الانتباه.

ومع ذلك فإن الدوائر المطلعة تدق أجراس التحذير بشكل متزايد، وأشار نائب مساعد مدير وكالة المخابرات المركزية السابق لشرق آسيا والمحيط الهادئ، دينيس وايلدر، إلى أن «هذه مشكلة مهملة في شرق آسيا، وأعتقد أن هذا ينطوي على احتمال حدوث أزمة أكبر حتى من الوضع في مضيق تايوان»، ثم في الثامن من سبتمبر أطلقت كوريا الشمالية غواصة هجومية نووية تكتيكية جديدة في حفل حضره الزعيم الكوري الشمالي، واصفاً ذلك بأنه «بداية فصل جديد» لجيشه، وسارع بعض المراقبين الأميركيين إلى الإشارة إلى أن الغواصة من طراز «روميو» السوفييتي القديم، ومن ثم التقليل من شأنها.

طموح ثابت

ومع ذلك ربما لايزال هناك ميل للتقليل من شأن طموح الرئيس الكوري الشمالي الثابت لتطوير قوة بحرية مسلحة نووياً، كإجراء مضاد للولايات المتحدة وحلفائها الآسيويين، وتعمل بيونغ يانغ بنشاط على تعزيز قدراتها النووية، بما يتفق مع تصريحاتها العلنية.

وفي ذلك يقول العميد الكوري المتقاعد، إن بوم تشون: «عندما يتعلق الأمر بتطوير تكنولوجيا الأسلحة، فإن ثقة كوريا الشمالية تزداد بشكل متزايد». وشدد الضابط على أنه نظراً لثقة بيونغ يانغ الفنية في الأسلحة النووية، فإن البلاد تعمل الآن بسرعة على تنويع ترسانتها من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات إلى الأجهزة النووية المصغرة والغواصات النووية، وعلى مر السنين تأرجحت استراتيجية الولايات المتحدة تجاه كوريا الشمالية بين الدبلوماسية والتحذيرات الصارمة في الغالب، وتعتمد هذه الاستراتيجية إلى حد كبير على قدرة الصين، الحليف الرئيس لكوريا الشمالية وشريكها التجاري، على كبح جماح جارتها التي لا يمكن التنبؤ بتصرفاتها، ومع ذلك أعطت بكين بشكل عام الأولوية لاستقرار شبه الجزيرة الكورية على نزع السلاح النووي، وذلك على الرغم من عدم موافقتها في كثير من الأحيان على الطموحات النووية لكوريا الشمالية، وقد أدى هذا الموقف إلى تمكين بيونغ يانغ. والآن ومع الصواريخ التي يمكنها الوصول إلى الولايات المتحدة من الناحية الفنية، قد تشعر واشنطن بالضغط للتحرك، ولكن القرارات بتحييد القدرات النووية الكورية قد تؤدي إلى أضرار جانبية هائلة واضطرابات إقليمية، وهذه ليست حالة افتراضية.

مخاطر الإهمال

يسلط هذا السيناريو الضوء على مخاطر الإهمال، وعلى مر السنين كان المجتمع الدولي يأمل في كبح طموحات كوريا الشمالية النووية من خلال العقوبات، والعزلة الدبلوماسية، والمشاركة المتقطعة، وعلى الرغم من أن هذه التدابير وفرت فترة راحة قصيرة الأمد فإنها لم تضمن حلاً طويل الأمد.

وتجاهل كوريا الشمالية قد لا يؤدي إلى دولة مارقة مسلحة نووياً فقط، وإنما إلى منطقة غير مستقرة شمال شرق آسيا أيضاً، والآن حان الوقت لإعادة النظر في الاستراتيجية من خلال التأكيد على المشاركة، وفهم نقاط الضعف الراسخة التي يعانيها نظام كيم، وصياغة خطة تضمن السلام والاستقرار الدائمين في شبه الجزيرة الكورية. والتحديات المقبلة هائلة، لكن المخاطر كبيرة للغاية بالنسبة للسلوك السلبي أو الرضا عن النفس.

وبينما يقول بعض المحللين إن نافذة الدبلوماسية الكورية الشمالية تضيق بسرعة، هناك حجة أقوى لإعادة تحديد هدف «المشاركة الدبلوماسية»، وليس باعتباره نزعاً غير واقعي للسلاح النووي، بل باعتباره «إدارة مخاطر» أكثر جدوى على غرار نهج «إزالة المخاطر» الذي تبنته إدارة بايدن أخيراً في التعامل مع الصين، وأدى هذا المحور الاستراتيجي إلى حوارات رفيعة المستوى تهدف إلى تجنب الحسابات الخاطئة والصراع المحتمل.

لن يقدم هذا التحول في المشاركة نهجاً أكثر عملية تجاه بيونغ يانغ فحسب، بل سينتقل أيضاً بعيداً عن الهدف النبيل بشكل متزايد والمتمثل في نزع السلاح النووي دون مطابقته باستثمار سياسي متناسب، وتدعو قمة كامب ديفيد التي ضمت الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان، والتي عقدت في أغسطس، إلى «نزع السلاح النووي بالكامل من كوريا الشمالية»، ومع ذلك فمن دون التواصل والحوار والتفاوض مع كوريا الشمالية فإن مثل هذا القرار لن يتحقق، ومن المؤسف أن واشنطن تبدو في الوقت الحاضر مترددة في تبني هذا المنظور، ومن أجل أمن الولايات المتحدة والاستقرار العالمي من الضروري أن تقدم الولايات المتحدة حجة مقنعة.

• بسبب عدم كفاية المشاركة السياسية قد تجد واشنطن نفسها مضطرة إلى التفكير في رد فعل حركي وقائي قوي.

• تجاهل كوريا الشمالية قد لا يؤدي إلى دولة مارقة مسلحة نووياً فقط، وإنما إلى منطقة غير مستقرة شمال شرق آسيا أيضاً.

 

زميل «مؤسسة جورج إتش دبليو بوش للعلاقات الأميركية الصينية»

وباحث زائر في مركز آسيا بجامعة هارفارد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى