اخبار الامارات

شركات الذكاء الاصطناعي متهمة بهضم حقوق المتعاونين من وراء البحار

في مدينة ساحلية في جنوب الفلبين، يقوم آلاف العمال الشباب بتسجيل الدخول إلى الإنترنت كل يوم لدعم الأعمال المزدهرة في مجال الذكاء الاصطناعي. وفي مقاهي الإنترنت المتواضعة أو المساحات المكتبية المزدحمة، أو في المنازل، يقوم هؤلاء الشباب بمعالجة كميات كبيرة من البيانات التي تحتاجها الشركات الأميركية، لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها. ويعمل عمال التكنولوجيا على نماذج مثل كيفية التفريق بين المشاة وأشجار النخيل في مقاطع فيديو مستخدمة لتطوير خوارزميات القيادة الآلية، كما يقومون بتسمية الصور حتى يتمكن الذكاء الاصطناعي من توليد تمثيلات للسياسيين والمشاهير، ويقومون بتحرير أجزاء من النص للتأكد من أن نماذج اللغة مثل «تشات جي بي تي» لا تنتج هراءً.

ويقوم أكثر من مليوني شخص في الفلبين بهذا النوع من «العمل الجماعي»، وفقاً لتقديرات حكومية غير رسمية، كجزء من الدعم للذكاء الاصطناعي القادم من وراء البحار. وفي حين يُنظر غالباً إلى الذكاء الاصطناعي على أنه تعلم آلي خالٍ من تدخل البشر، فإن التكنولوجيا تعتمد في الواقع على الجهود الكثيفة التي تبذلها القوى العاملة المنتشرة في معظم أنحاء الجنوب العالمي، وغالباً ما تكون عرضة للاستغلال.

وتصبح النماذج الحسابية التي تقوم عليها أدوات الذكاء الاصطناعي أكثر ذكاءً من خلال تحليل مجموعات البيانات الكبيرة، والتي يجب أن تكون دقيقة ومقروءة حتى تكون مفيدة، فالبيانات منخفضة الجودة تؤدي إلى ذكاء اصطناعي منخفض الجودة، لذلك ونقرة بنقرة يقوم جيش غير منظم إلى حد كبير من البشر بتحويل البيانات الأولية إلى مواد خام للذكاء الاصطناعي.

وفي الفلبين، وهي واحدة من أكبر الوجهات في العالم للتعهيد الرقمي، يقول موظفون سابقون إن ما لا يقل عن 10 آلاف من هؤلاء العمال يقومون بهذا العمل على منصة تسمى «ريموت تاسكس» أو «مهمات عن بُعد»، التابعة لشركة «سكايل» للذكاء الاصطناعي الناشئة في سان فرانسيسكو، والتي تبلغ قيمتها السوقية نحو سبعة مليارات دولار.

معايير العمل

وفي غضون ذلك دفعت شركة «سكايل» أجور العمال بمعدلات منخفضة للغاية، وقامت بشكل روتيني بتأخير المدفوعات أو حجبها، وتوفير قنوات قليلة لتقديم شكاوى، وفقاً للمقابلات مع العمال ورسائل الشركة الداخلية وسجلات الدفع والبيانات المالية. وتقول جماعات حقوقية وباحثون في مجال العمل إن شركة «سكايل» هي من بين عدد من شركات الذكاء الاصطناعي الأميركية التي لم تلتزم بمعايير العمل الأساسية لعمالها في الخارج.

ومن بين 36 عاملاً مستقلاً حالياً وسابقاً تمت مقابلتهم، قال جميعهم باستثناء اثنين إن الشركة تأخرت في دفع أجورهم أو تم تخفيضها أو إلغاؤها بعد إكمال المهام. وقال العمال، المعروفون باسم «المهام»، إنهم غالباً ما يكسبون أقل بكثير من الحد الأدنى للأجور – والذي يراوح في الفلبين بين 6 و10 دولارات يومياً حسب المنطقة – على الرغم من أنهم في بعض الأحيان يكسبون أكثر من الحد الأدنى.

وتقول شركة «سكايل» التي تعمل لمصلحة شركات كبرى مثل «ميتا» و«مايكروسفت» ومنصات الذكاء الاصطناعي مثل «تشات جي بي تي»، على موقعها على الإنترنت إنها «فخورة بدفع الأجور بمعدلات مقبولة». وفي بيان، قالت المتحدثة باسم الشركة، آنا فرانكو، إن نظام الأجور في ما يتعلق بالمهمات عن بُعد «يتحسن باستمرار»، بناءً على التواصل مع عمال التكنولوجيا، ما وراء البحار، وأن «التأخير أو الانقطاع في المدفوعات نادر للغاية».

مدفوعات متأخرة

ولكن في بريد الرسائل الداخلية الخاصة بمنصة «مهمات عن بعد»، والتي اطلعت عليها صحيفة «واشنطن بوست» في يوليو، كانت إشعارات المدفوعات المتأخرة أو المفقودة شائعة. وفي بعض المشاريع كانت هناك إشعارات متعددة في شهر واحد. وفي بعض الأحيان أخبر المشرفون في الولايات المتحدة المتعاونين عن بعد في آسيا بأن المدفوعات قد تم حجبها لأن العمل كان غير دقيق أو متأخر. وفي أحيان أخرى لم يقدم المشرفون أي تفسير. وقال العمال إن محاولات تعقب المدفوعات المفقودة لم تنجح في كثير من الأحيان، أو ما هو أسوأ من ذلك أنها أدت إلى إلغاء تنشيط حساباتهم.

وفي هذا السياق قالت تشاريس (23 عاماً)، إنها أمضت أربع ساعات في مهمة كان من المفترض أن تُكسبها دولارين، ولكن شركة «سكايل» دفعت لها 30 سنتاً فقط. وقال جاكي (26 عاماً)، إنه عمل لمدة ثلاثة أيام في مشروع كان يعتقد أنه سيكسبه 50 دولاراً، وحصل على 12 دولاراً. وقال بنز (36 عاماً)، إنه عمل مقابل أكثر من 150 دولاراً، لكن تم طرده فجأة من المنصة، وقال إنه لم يحصل على المال قط.

من جهته، قال بول، البالغ من العمر 25 عاماً، إنه لم يتمكن من حساب مقدار الأموال المستحقة له على مدار ثلاث سنوات من العمل في منصة «مهمات عن بُعد» التابعة لشركة «سكايل» مثل غيره من العاملين المستقلين. وتحدث بول بشرط نشر اسمه الأول فقط، لتجنب طرده من المنصة. وبدأ تكليفه بالمهام بدوام كامل في عام 2020، بعد تخرجه في الجامعة. وقال إنه كان متحمساً في يوم ما، للمساعدة في بناء الذكاء الاصطناعي، لكنه في هذه الأيام يشعر بالحرج في الغالب بسبب قلة ما يكسبه.

وقال بول وهو جالس في مقهى، ببلدة كاجايان دي أورو (الفلبين): «أعرف أن الميزانية المخصصة لكل هذا كبيرة»، متابعاً: «لا شيء من هذا يصل إلينا».

تركز قدر كبير من الجدل الأخلاقي والتنظيمي حول الذكاء الاصطناعي حتى الآن على ميله إلى التحيز وإمكانية الانحراف أو إساءة استخدامه، مثل التضليل، ولكن الباحثين يقولون إن الشركات المنتجة لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ترسم أيضاً حدوداً جديدة في استغلال العمالة، وفي ذلك تقول الأستاذة بجامعة «دي لا صال» في مانيلا، شيريل سوريانو، إنه من خلال تجنيد الأشخاص في جنوب آسيا كمتعاونين، تتجنب منصات المهام الصغيرة


قطاع غير رسمي

أطلق دومينيك ليجوت، وهو فلبيني متخصص في أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، على فضاءات العمل الجديدة هذه اسم «المصانع المستغلة للعمالة الرقمية».

وبعد تقديم النتائج التي توصلت إليها صحيفة «واشنطن بوست» في ما يخص منصة «مهمات عن بُعد»، قال المسؤولون الحكوميون في الفلبين إنهم يشعرون بالقلق لكنهم اعترفوا بأنهم غير متأكدين من كيفية تنظيم عمل المنصة. وقالت إدارة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي تنظم صناعة التكنولوجيا، إنها ليست على علم بالمبلغ الذي يجنيه العمال على منصات المهام الصغيرة. وقال رئيس الإدارة، إيفان جون أوي، إن العمل في البيانات هو «قطاع غير رسمي»، موضحاً أن «آليات الحماية التنظيمية غير موجودة».   

مستويات من المراجعة

عندما يكمل العاملون المستقلون مشروعاً ما، فإنه يمر عبر مستويات عدة من المراجعة قبل أن يتم تقييمه من قبل فرق في الولايات المتحدة، كما يقول القائمون على المهام. وإذا تمت الموافقة على العمل فمن المفترض أن يتم إيداع المدفوعات للعمال من خلال منصات دفع مثل «باي بال»، لكن في بعض الأحيان يتم حجب المدفوعات دون أي تفسير، كما قال القائمون على المهمة. وقالوا إنه إذا تم رفض العمل فيمكن أن يُطلب من المتعاونين إعادة المهام، أو الحصول على معدل «تعويض» يصل إلى 2% من الدفعة الأصلية أو عدم الدفع على الإطلاق.

وقال جوزيف، وهو أحد العاملين عن بعد في بلدة كاجايان دي أورو، جنوب الفلبين: «إذا اشتكيت ورفعت صوتك قليلاً فسيتم إلغاء حسابك، وبالتالي تفقد عملك». وقال إنه واجه مشرف المشروع في عام 2020 بشأن عدد المهام التي أنجزها دون تلقي أي أجر، وتم إغلاق حسابه في اليوم التالي.

بيانات حساسة

تأسست شركة «سكايل» للذكاء الاصطناعي في عام 2016 من قبل الشباب المتسربين من الجامعات وبدعم من رأسمال استثماري يقدر بنحو 600 مليون دولار. وصورت نفسها كبطل للجهود الأميركية في السباق من أجل تفوق الذكاء الاصطناعي. وبالإضافة إلى العمل مع شركات التكنولوجيا الكبرى، حصلت «سكايل» على مئات الملايين من الدولارات نظير تصنيف البيانات لمصلحة وزارة الدفاع الأميركية.

وللعمل على مجموعات البيانات الحساسة والمتخصصة هذه، بدأت الشركة في البحث عن عمال «المهام» في الولايات المتحدة على الرغم من أن الغالبية العظمى من القوى العاملة موجودة في آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية.

وتقول منصة «مهمات عن بُعد» التابعة للشركة على موقعها الإلكتروني، إن لديها أكثر من 240 ألف مهمة، ولكن في حديثه إلى «سي إن إن»، في يونيو، رفض الرئيس التنفيذي لشركة «سكايل» ألكسندر وانغ، البالغ من العمر 26 عاماً، تأكيد عدد الأشخاص الذين يقومون بتصنيف البيانات الخاصة بشركته، قائلاً إنه يؤمن بالذكاء الاصطناعي الذي «يمكّن الخبرة الجماعية لأكبر عدد من الناس قدر الإمكان».

وبدأ الشباب المتحمس والذي يبحث عن فرص في الفلبين العمل في المنصة أوائل 2017، وفي عام 2019 قامت «سكايل» بتأسيس كيان قانوني في البلاد يسمى «مؤسسة البيئة الذكية في الفلبين»، وفقاً لوثائق تسجيل الأعمال. وبعد مرور عام عندما فرض الوباء إغلاقاً عالمياً، اتجه آلاف العاملين في مجال التقنية إلى منصة «مهمات عن بعد» للعمل من أجل كسب قوت يومهم.

• شركة «سكايل» من بين عدد من شركات الذكاء الاصطناعي الأميركية التي لم تلتزم بمعايير العمل الأساسية لعمالها في الخارج.

• 10000 عامل تكنولوجيا يعملون على منصة «ريموت تاسكس» التابعة لشركة «سكايل».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى