اخبار الامارات

الحزب الحاكم بزيمبابوي يستغل حاجة الفقراء للأرض في استقطاب الناخبين

استيقظ أديسون ماديا (41 عاماً)، وزوجته شارون في 25 مايو 2005 على أبواق الشرطة وصوت الآلات وهي تزيل المساكن العشوائية في المنطقة التي يقطنان فيها. فقدت هذه العائلة خلال عملية الإزالة، منزلها ومتجر البقالة الذي كانت تملكه في بلدة تشيتنغويزا، الواقعة في هراري عاصمة زيمبابوي. وبررت الحكومة تلك العملية بإعادة تنظيم المساكن. ومع نهاية شهر يونيو أصبح هناك نحو 700 ألف شخص في عداد المشردين في شتى أنحاء زيمبابوي، بسبب تدمير وإزالة المساكن العشوائية التي كان يقيم فيها الفقراء والتي اعتبرتها الشرطة غير قانونية.

وبعد عملية إعادة تنظيم المساكن العشوائية قام ماديا بتسجيل نفسه لدى السلطات البلدية من أجل الحصول على قطعة أرض جديدة كي يبني عليها منزله. لكنه بعد مرور 20 عاماً أخرى لايزال بانتظار تقييم الطلب الذي قدمه من قبل السلطات. ولطالما تعرضت خدمات مجلس بلدة «تشيتنغويزا» للتدهور لسنوات عدة، وهي بلدة توسعت لتشمل نحو 400 ألف شخص وضمت ثلاث قرى بعد حرب الاستقلال. وفشلت السلطات في تأمين الإسكان الاجتماعي، وصيانة الطرق وإشارات المرور، ومعالجة قضية نقص مياه الشرب، أو إصلاح أنابيب المجاري.

ولكن الأمور أخذت منحى سيئاً في عام 2003، بعد أن فازت حركة التغيير الديمقراطية المعارضة بانتخابات المجلس، وواجهت العديد من التحديات، ولكن حزب الاتحاد الوطني الإفريقي الزيمبابوي «زانو» الحاكم كان يقوم بتقويض أعمالها عن عمد. وتفاخر نائب الرئيس السابق والرئيس الحالي إيمرسون ماناغوا، والذي يعرف على نطاق واسع بلقب «التمساح». وظهر في فيديو خلال إحدى المناسبات وهو يقول «المعارضة في هراري لا تستطيع الاقتراب من وحش مثلي» وسمحت الهيكليات الضعيفة في زيمبابوي لـ«بارونات الأراضي» المرتبطين بالحزب الحاكم بالتمدد والازدهار.

وفي عام 2009، يقول ماديا إنه دفع نحو 1500 دولار، أي نحو نصف دخله السنوي لأحد رجال الأعمال، وهو محافظ سابق لبلدة تشيتنغويزا، ويدعى فريدريك مابامبا، لشراء قطعة أرض. ولكن كانت هذه الصفقة غير قانونية، لأن هذه الأراضي التي يغمرها الطوفان في موسم الأمطار، مخصصة لرعي الماشية. وتوفي مابامبا بينما كان رهن الحبس الاحتياطي عام 2021. ويقول ماديا: «عندما ذهبت لمكاتب المجلس، أبلغني المسؤولون بأنه ينبغي أن تصبح قطعة الأرض التي اشتريتها قانونية لكي يتسنى لي إنشاء منزل عليها، ولا أعلم حتى الآن متى سيتم إنجاز ذلك».

وقالت أديث نكوبي (39 عاماً)، التي تعول ستة أطفال وتعمل في التجارة، إن أحد موظفي حزب زانو نصحها بأن تصبح عضواً في الحزب إذا أرادت الحصول على منزل. وأضافت: «بعد سنوات من محاولات الحصول على قطعة أرض من خلال البلدية، شعرت بالإحباط بسبب التكاليف الباهظة والنظام الحكومي السيئ»، ويكمن الخطر في أن محاولات الحصول على منزل محفوفة بالخداع ويمكن أن يخسر من يحاول ذلك كل مدخراته، وتضيف نكوبي: «اضطررت إلى دفع 50 دولاراً للحصول على الأرض من خلال هيكليات الحزب في هراري، وهذا يعني أني أصبحت عضواً فيه على الفور» وتحضر الآن اجتماعات الحزب بانتظام، وتقول «وعدونا أنه طالما أننا ندعم الحزب الحاكم، فسنحتفظ بهذه الأرض».

وقال العجوز كاليب جانجي (73 عاماً)، إن ولاءه للحزب الحاكم جعله يحصل على 2000 متر مربع من الأرض عام 2008. وأضاف: «تم بيع هذه الأرض لي من قبل رجلين ادعيا أنهما من المحاربين القدامى في الدولة» وفي نهاية الأمر خسر جانجي نصف الأرض، وحتى الآن لايزال غير قادر على البناء على ما تبقى له منها. ويضيف: «هذا العام، طلبوا مني تسجيل اسمي في الدائرة الانتخابية من أجل الانتخاب، وإلا فإني سأخسر الباقي».

ويحصل كل من نكوبي وجانجي على رسالة «واتس أب» في بعض الأحيان يبدو أنها من موظفي الحزب تطلب منهما دفعات مالية إضافية من أجل صيانة الطرق، أو من أجل الكهرباء وخدمات أخرى. وسواء كانت هذه الدفعات حقيقية أم لا، فإن عدم الدفع يمكن أن يؤدي إلى خسارة قطعة الأرض، وفق ما يقوله البعض.

واكتشف القاضي الذي يقود التحقيقات في عمليات حصول البعض على الأرض بصورة غير شرعية أنه تم «إنشاء مستوطنات حضرية من قبل أعضاء في البرلمان كطريقة لحشد الدعم السياسي، وإساءة استغلال المناصب السياسية من أجل تخصيص أراضي الدولة الحضرية، واستغلال أسماء كبار مسؤولي قيادة الحزب من أجل فرض نفوذ غير مبرر على المؤسسات والعمليات الحكومية».

وانتقد تقرير القاضي كبار ملاك الأراضي، الذين عادة ما تكون لهم ارتباطات سياسية، ويتمتعون بالنفوذ ويحصلون على أراضي الدولة بصورة غير قانونية، باعتبارهم لاعبين أقوياء «باعوا أراضي الدولة على نحو غير قانوني في المناطق الحضرية وحولها». وكلفت المبيعات غير القانونية زيمبابوي نحو ثلاثة مليارات دولار تقريباً، وفق تقديرات التقرير.

ويقول التقرير إن ذلك بدأ في عام 2005، وهي السنة ذاتها التي بدأت حكومة الرئيس السابق روبرت موغابي بإزالة المساكن العشوائية التي تم بناؤها على نحو غير قانوني في المدن وحولها من قبل أشخاص فقراء للغاية من أجل السكن فيها.

ومنذ نشر التقرير، لم يتغير الكثير. وأثناء التحضير للانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي تجري في 23 أغسطس الجاري ظل كبار ملاك الأراضي أداة مهمة لحشد الناخبين لمصلحة الحزب الحاكم، وفق ما يقوله البروفيسور أنوسنت تشيريسا في جامعة إيزكيل غوتي في زيمبابوي والخبير في التخطيط الإقليمي والحضري. وأضاف تشيريسا أن حزب زانو، الذي لايزال في السلطة منذ الاستقلال عام 1980 «ظل يستخدم دائماً طريقة المحسوبية، ولهذا أصبح لديه الكثير من الأشخاص الذين يعملون لمصلحة الحزب».

وفي بداية الألفية الثانية، تحدثت منظمات حقوق الإنسان عن تراجع أصوات الناخبين في حزب زانو، وهو المحرض الرئيس وراء عملية إعادة التنظيم السكني. وفي أعقاب عملية إزالة المساكن العشوائية، أجرت منظمات هيومان رايتس واتش المختصة بحقوق الإنسان مقابلات مع العديد من المراقبين الذين ادعوا أن طرد أصحاب المساكن العشوائية كان بداعي الانتقام من الذين صوتوا لمصلحة المعارضة خلال انتخابات مارس 2005. وكانت عملية الإزالة تهدف أيضاً إلى منع الانتفاضات الجماعية ضد تزايد انعدام الأمن الغذائي وتدهور الظروف الاقتصادية في حينه.

ويتفق تشيريسا أن عملية هدم المساكن العشوائية كان بمثابة «شكل من أشكال العقاب الذي كان يعني بالنسبة لسكان الأماكن الحضرية العودة إلى المناطق الريفية. وقال تشيريسا إن هدف الحزب الحاكم هو أنه ربما يمكنه أن يستقطب ناخبين أكثر من المناطق الريفية للحزب. وتقليدياً، ظلت المجتمعات القروية أكثر عرضة للضغط من فروع حزب زانو، التي تسيطر على كل شيء من توزيع البذور وتوزيع الطعام في أيام المجاعة، إلى نقل البضائع إلى الأسواق. وهذه استراتيجية لاتزال فعالة، وفق ما يقوله تشيريسا.


المشاريع الحكومية هي الحل

 

يقول البروفيسور أنوسنت تشيريسا، من جامعة إيزيكيل غوتي في زيمبابوي، إنه على الرغم من أنه يقبل قيام الحكومة بحظر نظام الجمعيات السكنية، بالنظر إلى العديد من السياسات التي تنتهجها لتأمين السكن للناس، وإن كان تنفيذها يتم على نحو سيئ للغاية، إلا أنه يتساءل عن أسباب عدم حظر ملاك الأراضي الذين يبدو أنهم «يتمتعون بحصانة أمام أشكال الحظر. وهم يدركون أنهم يتمتعون بحماية حزبهم الذي يدينون له بالولاء».

ويقول المهندس نيجل روزيفو، الذي يتمتع بعشرات السنوات من الخبرة في قطاع بناء المنازل: «أكثر الطرق الفاعلة لتأمين المنازل النظامية هي إجراء مشاريع حكومية يتم تمويلها من قبل مؤسسات مالية تضمن لها إنشاء الطرق والصرف الصحي وجميع الخدمات. ويمكن لمثل هذه المشاريع أن تصدر سندات ملكية لأصحاب المنازل، وتحررهم من الديون».

ولكن علينا الانتظار لنرى بعد صدور الانتخابات الجديدة التي جرت، أمس، إذا كان هناك أي شخص في الحكومة مهتم بحل أزمة السكن وتخفيف اعتماد السكان في الأماكن الحضرية على محاباة الحزب الحاكم.

• اكتشف القاضي الذي يقود التحقيقات في عمليات حصول البعض على الأرض بصورة غير شرعية أنه تم «إنشاء مستوطنات حضرية من قبل أعضاء في البرلمان طريقة لحشد الدعم السياسي، وإساءة استغلال المناصب السياسية من أجل تخصيص أراضي الدولة الحضرية، واستغلال أسماء كبار مسؤولي قيادة الحزب من أجل فرض نفوذ غير مبرر على المؤسسات والعمليات الحكومية».

• قال العجوز كاليب جانجي، 73عاماً، إن ولاءه للحزب الحاكم جعله يحصل على 2000 متر مربع من الأرض عام 2008. وأضاف «تم بيع هذه الأرض لي من قبل رجلين ادعيا أنهما من المحاربين القدامى في الدولة» وفي نهاية الأمر خسر جانجي نصف الأرض، وحتى الآن لايزال غير قادر على البناء على ما تبقى له منها.

 


الجمعيات السكنية

 

في حقيقة الأمر معظم السكان لا يمتلكون القوة المالية للحصول على سكن شرعي داخل المدن. ولا يمكن للجميع تحمل الرهون العقارية من أجل الحصول على منزل خاص للجميع باستثناء فئة الأثرياء في المجتمع، كما أن العديد من مشاريع الإسكان الاجتماعي موجودة بالاسم فقط، ومن ضمن هدف الحكومة المتمثل ببناء 220 ألف وحدة سكنية بحلول عام 2025، ووعود الحزب الحاكم في زيمبابوي الذي يعبر عنه بالرمز «زانو» في عام 2018 بناء 800 وحدة سكنية جديدة يومياً، حتى الآن فإن عدد المنازل الجاهزة للسكن هي 569 منزلاً جاهزاً للاستخدام تم بناؤها في عام 2021.

ولايزال أحد البدائل موجوداً وهو الانضمام إلى الجمعيات السكنية، حيث يقوم أعضاء الجمعية بتجميع مواردهم من أجل بناء المنازل معاً. ويقول البروفيسور تشيريسا من جامعة إيزيكيل غوتي في زيمبابوي إن الجمعيات الخيرية، وهي التي تميز زيمبابوي المتحررة من الاستعمار في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، تم إدراجها في سياسة الإسكان الوطني، وهي تحمل «أسماء أبطال، وبطلات النضال من أجل التحرير كي يظهروا مدى حبهم وتفانيهم لوطنهم».

ويبلغ جاسون زوزو من العمر 41 عاماً، هو من بين 60 عضواً من إحدى الجمعيات الباقية. وحصل على أرض بعد عامين من انضمامه عام 2015. وهو يقول «أسهمنا في الجمعية من خلال أقساط شهرية. ومن ثم قمت بتمويل المنزل بشكل ذاتي من خلال العمل في مهنة النجارة، والدروس الخصوصية بعد انتهاء دوامي في المدرسة» ولكن حتى هذا الاستثمار في الجمعيات السكنية يظل في خطر كونه يمكن أن يخسره المرء، لأن ملاك الأراضي تسللوا عبر هذه الجمعيات. ويعترف زوزو بأن العديد من الجمعيات الخيرية «ليست جديرة بالثقة» ولكنه لايزال يثق في جمعيته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى