اخبار الامارات

«أبومهيوب» يجابه الاستيطان في الأغوار الفلسطينية منذ 56 عاماً

«لن أغادر أرضي، وسأظل شوكة في حلقهم».. هكذا يقول الحاج راضي الفقهاء (أبومهيوب)، (77 عاماً)، الذي يعيش في قرية «عين الحِمة»، داخل أرض تحيط بها ثلاث مستوطنات إلى الشمال الشرقي من الحدود الجغرافية بين الأراضي الفلسطينية المحتلة، والمملكة الأردنية الهاشمية، حيث مناطق الأغوار الفلسطينية.

قرية «عين الحِمة» في الأغوار، واحدة من 42 تجمعاً سكانياً دمرتها إسرائيل فور احتلالها الضفة وأغوارها الشمالية والوسطى والجنوبية في عام 1967، بعضها أعاد السكان بناءه، والآخر محيت آثاره بالكامل، والبيت الوحيد الذي لم يهدم في حينها كان منزل الحاج محمد عبدالكريم الفقهاء، والد الحاج (أبومهيوب) لسرعة عودته إليه، ورفضه الخروج من أرضه كبقية سكان «عين الحِمة» الذين نزحوا إلى الأراضي الأردنية.

واليوم، يجابه الحاج (أبومهيوب) وعائلته داخل منزل والده، مشاريع التغول الاستيطاني، إذ أفنى 56 عاماً من عمره محافظاً على هذا الإرث من النهب والمصادرة، أمام عمليات الزحف الاستيطاني المتصاعدة.

مشاهد لا تنسى

شقت «الإمارات اليوم» طريقاً طويلاً ومتعرجاً، رفقة الناشط الفلسطيني حمزة الزبيدات، انطلاقاً من محافظة طوباس شمال الضفة الغربية، تجاه الشمال الشرقي من الحدود الفلسطينية، وصولاً إلى «عين الحِمة»، حيث التلال المرتفعة، وأودية المياه العذبة، فيما تشهد المساحات الشاسعة انتشاراً واسعاً للحواجز العسكرية الإسرائيلية، لتوفير الحماية الأمنية المطلقة لسكان ثلاث مستوطنات تجثم على أراضي القرية الفلسطينية منذ عشرات السنين.

بقايا منازل هجرها أصحابها قسراً، وبيوت من الطين والطوب والصفيح، تجاورها الخيام الزراعية والرعوية (البركسات)، تلك معالم عين الحمة المجاورة لمدينة بيسان المحتلة في عام 1948، على الحدود الشمالية الشرقية للأراضي الفلسطينية، والتي يقطنها الحاج (أبومهيوب) في وجه استيطان يتمدد بما يهدد وصية والده بالنهب والمصادرة.

وفي ساحة صغيرة أمام منزله العتيق، يجلس (أبومهيوب) مرتدياً الزي التقليدي الفلسطيني، يراقب عن كثب دونماته الزراعية، وحظائره الرعوية، خشية تعرضها لاعتداءات المستوطنين، الذين يصبون جام عنفهم حرقاً وتحطيماً وتجريفاً لممتلكات عائلة الفقهاء التي تعيش على تربية المواشي والدواجن، والزراعة البعلية، داخل «عين الحِمة»، إلى جانب مخططات الاحتلال المعدة لإجبار (أبومهيوب) على مغادرة أرض ومنزل والده.

ويسرد (أبومهيوب) مشاهد تدمير القوات الإسرائيلية عين الحمة، وتهجير سكانها في عام 1967، قائلاً: «كنت أبلغ من العمر 21 عاماً لحظة اقتحام الآليات الإسرائيلية قريتنا، والتي جرفت أراضينا الزراعية الخضراء، وهدمت منازل السكان الذين نزحوا من أرضهم تحت وقع القتل والدمار».

ويواصل الرجل السبعيني حديثه: «الاحتلال هدم جميع منازل عين الحِمة، ولم يتبق سوى بيت واحد تعود ملكيته لوالدي، وبقي شاهداً على بشاعة القتل والمصادرة والتهجير حتى يومنا هذا». ويضيف: «منذ ذلك الوقت حتى يومنا هذا، لم أبرح منزل والدي لحظة واحدة على مدار 56 عاماً، حتى أورث هذا الحق إلى أولادي وأحفادي، في تعاقب زمني لحماية ممتلكاتنا دون انقطاع».

ويشير الحاج راضي إلى أنه كان يعيش داخل عين الحمة قبل نكسة عام 1967، نحو 120 عائلة فلسطينية، فوق 4000 دونم، إلا أن المستوطنين شردوا السكان قسراً، واستولوا على الأراضي الزراعية الخصبة، وسيطروا على ينابيع وعيون المياه العذبة فيها.

الحصار بالمستوطنات

وأضاف (أبومهيوب): «أراضي القرية قبل عام 1967، كانت مأهولة بالزراعة ورؤوس الماشية، إلا أن الاحتلال انتهج سياسة تجفيف عيون المياه الوافرة العذبة في عين الحِمة، وشح المياه أضرّ الماشية ورعاة الأغنام، وتعرضت الأرض للسلب والمصادرة، وجرى تحويل كثير منها إلى مناطق عسكرية».

ويكمل الحاج الفلسطيني أنه «نتيجة ذلك، باتت أراضي عين الحمة المصادرة اللبنة الأساس لإقامة المستوطنات، وسلب المزيد من الأراضي، للقضاء على الوجود الفلسطيني دون رجعة، فأقيمت فوق أرضنا المصادرة مستوطنتا (سلعيت)، و(مسكيوت)».

ويسترسل، أنه «في عام 2001، أقام مستوطن بؤرة استيطانية جديدة تحمل اسم جفعات ساليت، داخل أراضي الآباء والأجداد في عين الحِمة، وبات هذا المستوطن يستفزنا يومياً، ويسيطر على المنطقة، وسلب أراضي الفلسطينيين ذات الملكية الخاصة، حتى هذه اللحظة».

ويلفت الحاج (أبومهيوب) إلى أن 21 عائلة فلسطينية تسكن إلى جانبه في قريته المهجرة، منوهاً بأنهم يعيشون داخل خيام، إذ تمنعهم قوات الاحتلال من البناء فوق أرضهم.

ويضيف: «إن المستوطنين في مسكيوت وسلعيت يواصلون سياسة وضع اليد على أراضي السكان الفلسطينيين، إلى جانب توسعة حدود البؤرة الاستيطانية جفعات ساليت، على حساب ممتلكاتنا التي ورثناها على مر الأزمنة والعصور».

حرمان طويل

منذ عام 1967 يمنع الاحتلال إقامة أي بنية تحتية أو خدمات للمنطقة، ما جعل الأهالي يواجهون جملة من المتاعب، منها تعليم أبنائهم الذين يضطرون إلى التنقل بطرق خطرة للوصول إلى بلدة عين البيضاء المجاورة، حيث يدرس نحو 20 من أطفال الحمة فيها في ظروف صعبة.

ويضيف الحاج (أبومهيوب): «منذ عام 1978 تتعرض ماشيتنا للسرقة من قبل المستوطنين، ومنذ عام 1990 تواجه منازلنا وحظائر الحيوانات عمليات الهدم والإزالة على يد قوات الاحتلال، رغم امتلاكنا وثائق ثبوتية عثمانية وأخرى أردنية، تؤكد ملكيتنا لأرضنا ومنازلنا، إلى جانب أوراق ترخيص بالبناء منذ عام 1972».

ويبين أن سكان «عين الحِمة» محرومون دخول أراضيهم، واستخدام مراعيهم الخضراء لرعي ماشيتهم، ويتعرضون لملاحقة مستمرة من قبل المستوطنين وجنود الاحتلال الإسرائيلي، لمنعهم من الوصول إلى ممتلكاتهم، إلى جانب مصادرة رؤوس الماشية دون رجعة، وعمليات هدم ومصادرة الخيام.

• (أبومهيوب) يجلس دائماً وهو يرتدي الزي التقليدي الفلسطيني في ساحة صغيرة أمام منزله العتيق، يراقب عن كثب دونماته الزراعية، وحظائره الرعوية، خشية تعرضها لاعتداءات المستوطنين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى