البوست المُدور.. نصب مستمر بتعاطف وصورة
04:30 م
الجمعة 23 يونيو 2023
كتب- عبدالله عويس:
تبدو القصة مأساوية. طفل صغير في أحضان سيدة، وعلى وجهها علامات أسى وحزن، فيما تستعطف الكلمات مشاعر المتابعين، بعبارات مثل «أبوس جزمتكم ساعدوني.. الولد بيموت»، ليحظى المنشور بمئات المشاركات والتعليقات، والدعوات للتبرع عن طريق تحويل مبالغ لرقم له محفظة إلكترونية مالية.
على أن ذلك المنشور وتلك الصورة، التي تخاطب «جميع أصحاب القلوب الرحيمة»، جرى مشاركتها غير مرة، وفي فترات زمنية متباعدة، وبأرقام هواتف لها محافظ إلكترونية مختلفة، لكن الثابت فيها، العبارات المكررة وسعر الأمبول الخاص بالكبد، دون توضيح طريقة مساعدة إلا من تحويل مبالغ مالية.
تم تداول المنشور في أكثر من صفحة ومجموعة، خلال الشهر الجاري بأكثر من رقم هاتف مختلف، وتزعم صاحبة كل منشور من حسابات مختلفة، أن الطفل في الصورة ابنها والمسألة حياة أو موت، وبعض تلك الحسابات يغلق التعليقات على المنشور، خشية كشف زيف تلك المعلومات، بتعليق يوضح الأمر، أو يضع قيودا على الحساب تمنع الوصول للمعلومات فيه إلا بعد إضافة الحساب.
بالسؤال عن سعر الأمبول الموضح في الصور المنشورة، بعدد من الصيدليات بالقاهرة والجيزة، تبين نقصها في بعض الصيدليات، لكنها كانت موجودة في أحد سلاسل الصيدليات الشهيرة بـ962 جنيها، وهو ما لا يستقيم مع المنشور المعاد تدويره عشرات المرات، من عشرات الحسابات، بأرقام تتبع محافظ إلكترونية مالية مختلفة.
وبالاتصال بثلاثة أرقام هواتف مختلفة مرفقة مع منشورات عدة، وفي أوقات متتابعة، كانت جميعا مغلقة أو غير متاحة، وتشترك جميعا في أنها غير مشتركة في تطبيق الرسائل الشهير «واتساب».
بضعة حسابات على موقع فيسبوك، نشرت قوائم لحسابات، تقول الصفحة إنها تستخدم في النصب، كان الرابط بين أكثرهم أنها حسابات مغلقة على الأصدقاء فقط، فلا يرى محتواها إلا أصدقاء تلك الحسابات، ومن بينها كان حساب باسم «زهراء رمضان»، وهو أحد الحسابات التي تروج للمنشور الخاص بتبرعات الدواء اللازم للطفل.
تبدو التفاصيل داخل ذلك الحساب متناقضة، فصاحبته مدونة ضمن معلوماتها أن زوجها عبدالله عارف، ناشرة دعوات له، معرفة إياه أنه زوجها، لكن الحساب نفسه وفي 2020 نشر تفاصيل عن علاقة حساب زهراء بعبدالله، تقول فيه إنه ابن خالتها، وهو وصف طالما كررته، في حين أن حساب عارف نفسه، يتضمن معلومة أنه أعزب، وقد يكون ذلك حقيقيا أو أن صاحب الحساب الذي لم يعد ينشر أية مواد لم يحدث تلك المعلومة فحسب.
حساب آخر يحمل نفس اسم زهراء رمضان، وكافة المعلومات التي فيه، باختلاف نقطة الزواج، شاركت صورة من الحساب المروج للمنشور المزيف. تقول صاحبته إنها تلقت رسائل مختلفة، ولم تعرف السبب إلا بعدما اطلعت على المنشور في الحساب الذي بحمل نفس اسمها وبضعة معلومات عنها، فيما كانت التفاصيل الأخرى غير حقيقية أو لا تخصها.
صيغة ذلك المنشور موجودة منذ عام ٢٠٢٢، على موقع فيسبوك، باختلاف الشهور، وباختلاف الأرقام أيضا، لكنها غير موجودة قبل ذلك. وعلى أحد التطبيقات التي تستخدم في كشف هوية المتصل، كتب البعض تقييمات تخص رقم الهاتف بأنه يستخدم في أعمال نصب مختلفة، فيما علق البعض بأن حساب فيسبوك الذي نشر الصور مؤخرا بأنه مسروق. ولم يصل «مصراوي» لصاحبة تعليق يفيد بأن الحساب المسروق يخصها.
كان لافتا تغيير رقم الهاتف المرفق في المنشور، وتعديل المنشور لتغيير الرقم، حتى أصبحت عدد مرات تغيير الرقم المرتبط بمحفظة مالية 4 مرات، ثلاث مرات منهما في 4 أيام فقط. وبالبحث عن أحد الأرقام المرفقة، كان موجودا في كثير من منشورات تتعلق بمرض أطفال وضرورة علاجهم قبل فوات الأوان.
ومع انتشار كبير للمنشور، وتدوين كثيرين بشأن معلوماته المزيفة، دون آخرون بأن ذلك يفقد مواقع التواصل الاجتماعي إحدى ميزاتها، القائمة على مساعدة البعض، وهو أمر تلاحظه مؤسسات وجميعات خيرية.
يقول هيثم التابعي، المدير التنفيذي لمؤسسة أبواب الخير للرعاية والتنمية، وتقوم على «خدمة حالات مسكينة و فقيرة تحتاج مساعدة وصعب الوصول لها» كما تعرف نفسها على موقعها الرسمي، إنه يصادف حالات كثيرة مشابهة مزيفة، تقوم على دغدغة مشاعر البعض، والابتزاز العاطفي. قائلا إن هذا المنشور ليس الأول ولن يكون الأخير.
يوضح التابعي بحكم خبرته في المجال الخيري، بضعة تفاصيل عن الحالات المزيفة، فيعتبر أن المنشور إذا لم يتضمن وسيلة للوصول للأسرة المحتاجة، وفيه فقط وسيلة التبرع فهو « محض نصب». وعن تلك الحالة نفسها، فإن مؤسسة أبواب الخير حاولت الوصول للأم، لكنها لم تجد أي وسيلة.
وقد يكون ذلك الحساب قد تلقى آلاف الجنيهات من تبرعات خرجت بنوايا صادقة، لكنها لم تصل لأياد أمينة، بحسب التابعي، وهي في رأيه تحرم آخرين ممن هم في حاجة حقيقية للمساعدات. ناصحا المتبرعين بالتعامل مع المؤسسات حتى لو بشأن حالات بعينها، لقدرة المؤسسة على اكتشاف صدق المنشور من عدمه.
هذا المنشور وما على شاكلته، نشر البعض تفاصيل حول وفاة الطفل، وأن الصورة باتت تستخدم في خداع كثيرين، وأن والدة الطفل نفت صحة تلك المنشورات، بحسب ما نشرته مواقع إخبارية ولم يتسن لـ«مصراوي» التثبت من صحة تلك المعلومات.