لماذا تحتفي واشنطن بالزعيم الهندي ناريندرا مودي؟
بي بي سي
تكتسب زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي للولايات المتحدة أهمية كبيرة إذ تأتي في وقت تعصف فيه رياح اقتصادية وجيوسياسية عاتية بالعالم.
يبذل البيت الأبيض قصارى جهده للترحيب بمودي الذي يقوم بزيارة دولة، وهي أعلى مستوى من البروتوكول الدبلوماسي الذي تتفق عليه الولايات المتحدة مع القادة الزائرين.
سيتم استقبال مودي رسميا في البيت الأبيض يوم الخميس قبل إجراء محادثات مباشرة مع الرئيس جو بايدن.
وتقام مأدبة عشاء رسمية على شرف الضيف الزائر ويعقد لقاء بينه وبين رؤساء كبريات الشركات الأمريكية، ويلقي مودي خطاباً في جلسة مشتركة لمجلسي الشيوخ، وكلمات يوجهها الزائر إلى الأمريكيين من أصول هندية والتي كانت أبرز ما قام به مودي خلال زياراته السابقة إلى الولايات المتحدة.
ولكن وراء الاحتفالات المخطط لها بعناية ستجري مناقشات يمكنها ليس فقط أن تضخ طاقة جديدة في العلاقات الهندية الأمريكية ولكن أيضًا سيكون لها تأثير على النظام العالمي.
منطقة المحيطين الهندي والهادئ هي المكان الذي من المحتمل أن تحتاج فيه الولايات المتحدة إلى نفوذ الهند أكثر من أي مكان آخر في الوقت الحالي.
لطالما نظرت الولايات المتحدة إلى الهند على أنها قوة موازنة لنفوذ الصين المتنامي في المنطقة، لكن دلهي لم تكن أبدًا مرتاحة تمامًا بأن توصف بذلك.
قد تكون لا تزال مترددة في القيام بذلك، لكن الصين لا تزال واحدة من المحفزات الرئيسية التي تدفع العلاقات الهندية الأمريكية إلى الأمام.
لكن الهند لم تتردد في اتخاذ قرارات تثير غضب الصين. وأجرت تدريبات عسكرية مع القوات الأمريكية العام الماضي في ولاية أوتاراخاند، التي تشترك مع الصين في مجاورة الهيمالايا. واصلت دلهي أيضاً المشاركة بنشاط في مجموعة الرباعية التي تضم أيضًا الولايات المتحدة وأستراليا واليابان على الرغم من ردود الفعل الغاضبة من جانب بكين.
لقد أصبحت الدبلوماسية الهندية أكثر حزماً في إبراز موقف الهند القائل إن هذه هي لحظة البلد على المسرح العالمي. وهناك سبب وجيه لذلك إذ أن الهند هي واحدة من عدد قليل من النقاط الاقتصادية المضيئة في العالم في الوقت الحالي، والجغرافيا السياسية في صالحها أيضًا.
معظم دول العالم تريد بديلاً صناعيًا للصين، والهند لديها أيضًا سوق ضخمة مع طبقة وسطى متنامية. وهذا يجعلها خيارًا جيدًا للدول والشركات العالمية التي تنتهج سياسة “الصين زائد واحد”.
تقول تانفي مادان، مديرة مشروع الهند في معهد بروكينغز بواشنطن العاصمة، إن ما يهم الولايات المتحدة هو ما تفعله الهند وليس ما تقوله علنًا عن الصين.
وأوضحت: “في نهاية المطاف، سواء تبنت الهند دور موازنة النفوذ الصيني علنًا أم لا، فمن الواضح جدًا أن الحكومات الهندية ترى أن العلاقات الأمريكية مفيدة لها في تعاملها مع الصين”.
ويقول مايكل كوغلمان، مدير معهد جنوب آسيا في مركز ويلسون للأبحاث في واشنطن، إن البلدين باتا “يملكان نفس النظرة إلى مسرح المحيطين الهندي والهادئ الأوسع”.
“لقد بدأنا نرى الولايات المتحدة تدرك أهمية المكونات الغربية لمنطقة المحيط الهندي. ولسنوات عديدة، كان اهتمام الهند الرئيسي ولسبب وجيه منصباً على منطقة المحيط الهندي. بينما بالنسبة للولايات المتحدة كانت تركز اهتمامها على المحيط الهادئ والجنوب من بحر الصين. سينظر الطرفان في أمن الملاحة البحرية في المنطقة الآن”.
قد لا يذكر البيان المشترك الصين بشكل مباشر ولكنها ستكون على رأس جدول الأعمال حيث يناقش الزعيمان سبل تعزيز وجود بلديهما في المحيطين الهندي والهادئ.
في حين أنهما يتفقان في موقفهما من الصين، لكن للبلدين نهجين مختلفين تجاه الحرب في أوكرانيا.
ولم تنتقد دلهي روسيا بشكل مباشر. ويقول محللون إن ذلك يرجع إلى حد كبير إلى اعتمادها الكبير على وارداتها الدفاعية من روسيا و”علاقتهما التي خضعت لاختبار الزمن”.
تعتمد الهند على موسكو في ما يقرب من 50 في المئة من حاجاتها الدفاعية، لكن هذا ليس السبب الوحيد. لطالما كانت الهند فخورة باتباعها سياسة عدم الانحياز أو الاستقلال الاستراتيجي، كما تم تسميتها في السنوات الأخيرة. لا تريد أن تكون محصورة في محور قوة معين في النظام العالمي، الأمر الذي أغضب دبلوماسيي واشنطن في الأشهر الأولى من الغزو الروسي لأوكرانيا.
لكن الولايات المتحدة خففت من موقفها في الأشهر الأخيرة حتى أنها تغاضت عن شراء الهند المستمر للنفط الخام من روسيا.
و خطت الهند أيضًا خطوة إلى الأمام من خلال الدعوة العلنية إلى إنهاء الحرب.
وأضافت مادان إن تباين رد فعل البلدين على الغزو لم تتحول إلى مسألة محورية في علاقاتهما. وقالت “عندما يكون هناك تقارب استراتيجي يكون هناك حافز لدى البلدين لإدارة خلافاتهما. ربما لا يتم تبديدها ولكن إدارتها. وأعتقد أن هذا ينطبق على مواقفهما المتباينة بشأن روسيا”.
والمجالات الرئيسية الأخرى التي ستجري مناقشتها تشمل التكنولوجيا والدفاع وإدارة سلسلة التوريد العالمية.
وقع البلدان على ما يسميانه مبادرة التكنولوجيا الحاسمة الناشئة. ستسمح الاتفاقية للشركات والجامعات الأمريكية والهندية بالعمل معا في مختلف القطاعات بما في ذلك تكنولوجيا المعلومات والفضاء والدفاع والذكاء الاصطناعي والتعليم والرعاية الصحية.
قد يعلن القادة أيضًا عن مزيد من التعاون في مجال التكنولوجيا خاصة في مجال تصنيع أشباه الموصلات حيث تعد الصين أكبر لاعب في هذا المجال.
والدفاع هو نقطة التقاء رئيسية بين البلدين.
تشير البيانات التي تم تحليلها للفترة بين عامي 2017 و 2022 إلى أن الهند هي أكبر مستورد للأسلحة في العالم ولا تزال روسيا تستحوذ على جزء كبير من هذه الواردات إذ تبلغ حصتها 45 في المئة. لكن ما يلفت الانتباه هو أن حصة موسكو كانت 65 في المئة حتى عام 2016 وهذا ما ترى فيه الولايات المتحدة فرصة سانحة لها.
نمت حصة واشنطن لكنها ما زالت 11 في المئة فقط وتأتي بعد فرنسا التي تبلغ حصتها 29 في المئة. لذا فإن توقيع بعض الصفقات الدفاعية باهظة الثمن أمر لا مفر منه. من المرجح أن يعلنوا عن شراء الهند للطائرات بدون طيار من طراز (MQ-9A “ريبر”) التي تم اختبارها في المعركة وعن اتفاق بين جنرال إلكتريك وشركات حكومية هندية لتصنيع محركات نفاثة للطائرات المقاتلة في الهند.
يقول كوغلمان إن التعاون الدفاعي بين البلدين “قطع شوطا بعيداً”.
وقال “إذا نظرت إلى تعاون البلدين في السنوات الأخيرة، يمكن للمرء أن يقول إن المعاملة التي تتلقاها الهند من جانب الولايات المتحدة لا تختلف عما تقدمه الأخيرة لكثير من حلفائها”.
في حين أن مجالي الدفاع والتكنولوجيا سيشهدان على الأرجح بعض الإعلانات الكبيرة، لا يمكن توقع نفس الشيء في مجال التجارة.
تعد الولايات المتحدة الآن أكبر شريك تجاري للهند حيث تبلغ قيمة التجارة بين البلدين 130 مليار دولار لكن المحللين يقولون إنه لا تزال هناك إمكانات هائلة غير مستغلة.
هناك خلافات كبيرة بين البلدين حول التعريفات الجمركية وضوابط الصادرات، فقد وقعت الهند اتفاقية تجارة حرة مع أستراليا ودبي وتناقش التوصل إلى صفقات مماثلة مع دول أخرى بما في ذلك كندا والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، ولا توجد مؤشرات إلى بحث صفقة مماثلة خلال هذه الزيارة ولكن قد يناقش القادة أو على الأقل يمهدون الطريق لحل القضايا المتعلقة بالتجارة في المستقبل.
ويقول كوغلمان إن الخلافات لم يتم تجاهلها ولكن تم وضعها جانبا لمصلحة مجالات التعاون ذات المنفعة المتبادلة.
إن التجارة بين الشركات الهندية والأمريكية ازدهرت في السنوات الأخيرة على الرغم من الخلافات بين الحكومات.
قد لا تكون هذه هي الأولوية القصوى، لكن التجارة ستظهر بالتأكيد عندما يناقش الزعيمان قضايا سلسلة التوريد العالمية التي تأثرت بالوباء واحتكار الصين لها.
وتوضح مادان: “التجارة مسألة خلافية بين البلدين، لكنني أعتقد أن الجانبين يقاربان السياسة التجارية بشكل مختلف اليوم. لكن لا يمكنك النظر إلى مشاكل سلسلة التوريد العالمية دون مناقشة التجارة في نهاية المطاف”.
توقيت الزيارة مثير للاهتمام أيضًا حيث سيجري كلا البلدين انتخابات العام المقبل وسيتطلع الزعيمان إلى عناوين يمكن بيعها لجماهيرهما في الداخل.
لذا فإن بعض الصفقات الكبيرة التي تتحول إلى عناوين رئيسية أمر لا مفر منه.
كانت العلاقات بين الولايات المتحدة والهند معقدة دائمًا حيث شهدت عقوداً من عدم الثقة تلتها عملية إعادة بناء الثقة وصعود التوتر بينهما بين الحين والآخر.
لكن يبدو أن الرئيس جو بايدن مصمم على جعل العلاقات الهندية الأمريكية تتألق على الرغم من أن البعض في بلاده قد يشكك في سجل الهند في مجال حقوق الإنسان في عهد مودي.
البيان الأخير لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن يوضح الكثير عن علاقة البلدين: “نعلم أن الهند والولايات المتحدة دولتان كبيرتان ومعقدتان. لدينا بالتأكيد عمل يجب القيام به لتعزيز الشفافية، وتعزيز الوصول إلى الأسواق، وتعزيز ديمقراطياتنا لإطلاق العنان لإمكانات شعبنا. لكن مسار هذه الشراكة جلي وزاخر بالآمال”.