اخبار الامارات

استراتيجية العقوبات الغربية ضد الخصوم ليست فعالة دائماً

اندلعت الحرب بين روسيا وأوكرانيا في فبراير 2022، وكانت الاحتمالات غير متوازنة. وكان لروسيا ثاني أقوى جيش في العالم، بينما احتلت أوكرانيا المرتبة بين فيتنام وتايلاند، وتوقع العديد من المحللين حرباً قصيرة ووحشية وضماً روسياً للأراضي. وما رأينا كان حرباً دموية طويلة، حيث كان الجانبان أكثر تكافؤاً.

وليس من باب الاحتمال، الآن، أن ينتهي المطاف بأوكرانيا باستعادة السيطرة، ليس فقط على نهر دونباس، بل ربما حتى شبه جزيرة القرم. واعتمدت الولايات المتحدة وحلفاؤها في أوروبا وآسيا بشدة على أشكال الضغط غير العسكرية. وفرض الغرب واحدة من أكثر حزم العقوبات الاقتصادية شمولاً في التاريخ.

قيود

وشمل ذلك تجميد الأصول الروسية، مثل احتياطي النقد الأجنبي الذي يحتفظ به البنك المركزي الروسي في البنوك المركزية الأجنبية، وإخراج البنوك الروسية من شبكة المدفوعات بين البنوك «سويفت»، كما تم فرض قيود كبيرة على تجارة السلع والخدمات. ومن الواضح أن العقوبات لم توقف الحرب، لكن احتمالات نجاحها وفشلها باتت متكافئة. ويبدو أن الأيام التي كانت تأمل فيها قوة متوسطة الدخل مثل روسيا في تحقيق الاكتفاء الذاتي في الإنتاج العسكري، قد ولت، لاسيما بالنظر إلى المتطلبات التكنولوجية للأسلحة الحديثة. وشلت العقوبات الغربية قدرة روسيا على تجديد ترسانتها، بينما أحدث هذا فرقاً حقيقياً لأوكرانيا.

الحد من العمليات

ومن المحتمل، الآن، أن تضطر روسيا إلى الحد من العمليات للحفاظ على الذخيرة. وبدأ التأثير متوسط المدى لنظام العقوبات على قطاعات حيوية، مثل الطيران، في الظهور. ويمكن رؤية العواقب طويلة المدى لفصل روسيا عن التبادل العالمي للتكنولوجيا في تقديرات نمو الناتج المحلي الإجمالي المحتمل، ويبدو أن روسيا تواجه مستقبلاً قاتماً، بنسبة نمو 1%، في حين أن سكانها يشيخون ويتقلصون. في المقابل، كشفت الاضطرابات في أسواق السلع العالمية، حيث تم الاستغناء عن الغاز الروسي، أن فصل بلد كبير عن الاقتصاد العالمي له عواقب وخيمة.

قد يظهر هذا التحليل أنه يمكن التفكير في هذه العواقب في حال نشوب نزاع مسلح، مثل غزو صيني لتايوان على سبيل المثال، ولكن لا ينبغي أن تصبح أداة منتظمة للحكم. ولسوء الحظ، هذا هو بالضبط ما يضعه صانعو السياسات الآن موضع التنفيذ، وغالباً ما تُعتبر ضوابط التصدير ظاهرة منفصلة تماماً عن العقوبات، لكنها من الناحية الاقتصادية متشابهة جداً. وتم وضع ضوابط على المنتجات «الحساسة» لمنع التكنولوجيا «الغربية» من الوصول إلى الصين.

رادع مالي

لا تكتفي واشنطن بفرض الحظر الخاص بها، إذ تقوم بدعم وحث حلفائها بقوة للامتثال لمجموعة من القيود بعيدة المدى. في المقابل، ردت بكين، على سبيل المثال، بتسريع خطط تطوير صناعة أشباه الموصلات. ويُقال أحياناً إنه قد يكون من الممكن وضع نظام منظم للعقوبات لردع السلوك الذي يُنظر إليه على أنه سلوك سيئ لا حاجة بالضرورة إلى وضعه «رادع نووي مالي»، ولكن منطق الحرب الباردة الذي أعيد إحياؤه، للدمار المتبادل المؤكد، لا يُترجم بدقة إلى منطق العقوبات الاقتصادية.

وإذا كان أحد الخصوم المحتملين للولايات المتحدة على دراية بالإجراءات المحتملة التي قد تتخذها واشنطن في حال حدوث صراع – مثل الاستيلاء على احتياطاتها المالية الموجودة في الخارج – فإن الدولة المعادية ستبذل قصارى جهدها لتجنب مواجهة هذه العقوبات قبل اندلاع الصراع. وبعض التكاليف لا مفر منها، ولكن يمكن تخفيف الضرر من خلال التحضير، وإذا أصبحت العقوبات وضوابط التصدير أداة مبتذلة للمنافسة بين الدول، فإنها لن تفقد قوتها فحسب، بل ستضر بالنظام العالمي الذي من المفترض أن تحميه.

نهج جديد

وتقول إدارة بايدن إن نهجها الجديد، الذي يجمع بين السياسة الصناعية العدوانية في الداخل والتدابير الاقتصادية القسرية القوية في الخارج، على حد تعبير مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان «سيبني نظاماً اقتصادياً عالمياً أكثر عدلاً واستمرارية». وفي حين أنه من المشروع التفكير في استخدام العقوبات في سيناريو تلجأ فيه الصين إلى الوسائل العسكرية لحل مسألة تايوان، فإن ضوابط التصدير التي يفرضها الغرب، ليس لها قيمة رادعة تذكر.

حرية الحركة

والمنطقة الأكثر خسارة من هذا السيناريو هي آسيا، التي تقع في قلب الاقتصاد العالمي المبني على حرية حركة السلع ورؤوس الأموال، باتباع المنطق الاقتصادي وليس المنطق السياسي. وقد تستفيد بعض الدول من نقل الاستثمار الأجنبي بعيداً عن الصين، نحو مناطق أكثر ملاءمة من الناحية السياسية.

ولكن النظام الاقتصادي الذي تحكمه الجغرافيا السياسية سيجعل المنطقة، التي تعتمد على نموذج إنتاج يعتمد على سلاسل دولية معقدة، أكثر فقراً.

كان الإنجاز العظيم الذي لم يحظ بالتقدير الذي حققته اتفاقية «بريتون وودز»- مؤتمر النقد الدولي الذي انعقد في 1944، وحضره ممثلون عن 44 دولة، أنهم وضعوا الخطط من أجل استقرار النظام العالمي المالي، وتشجيع إنماء التجارة بعد الحرب العالمية الثانية، وفصل المخاوف الأمنية عن الاقتصادية. وتم دمج اليابان في الاقتصاد العالمي من خلال نظام من القواعد الواضحة التي كانت في صالح كل من اليابان، كقوة اقتصادية صاعدة، والقوى الراسخة لأوروبا والولايات المتحدة.

وكان المسعى لدمج اليابان في النظام القائم على القواعد ناجحاً للغاية. ومن المسلم به أن التحدي المتمثل في إيجاد طريقة مؤقتة دائمة بين الصين والولايات المتحدة هو أمر آخر من حيث الحجم، ولكن كارثة سنوات ما بين الحربين هي تذكير بما يحدث عندما ينهار نظام قائم على القواعد.

ولا يمكن لمجموعة من القواعد المؤسسية أن تمنع أي بلد من التصرف بشكل غير عقلاني، كما فعلت روسيا، ولكن يمكن تنظيم النظام الاقتصادي حول المبادئ التي تزيد من فوائد المشاركة السلمية، وبالتالي فإن إحياء هذا النظام وتعزيزه هو أبرز مهمة تواجه آسيا والعالم.

توم ويستلاند باحث وزميل غير مقيم في مكتب شرق آسيا للبحوث الاقتصادية.


ليس من باب الاحتمال، الآن، أن ينتهي المطاف بأوكرانيا باستعادة السيطرة ليس فقط على نهر دونباس، بل ربما حتى شبه جزيرة القرم.

تم دمج اليابان في الاقتصاد العالمي من خلال نظام من القواعد الواضحة التي كانت في صالح كل من اليابان، كقوة اقتصادية صاعدة، والقوى الراسخة لأوروبا والولايات المتحدة.

المنطقة الأكثر خسارة عند استخدام العقوبات في سيناريو تلجأ فيه الصين إلى الوسائل العسكرية لحل مسألة تايوان هي آسيا، التي تقع في قلب الاقتصاد العالمي المبني على حرية حركة السلع ورؤوس الأموال.

يبدو أن الأيام التي كانت تأمل فيها قوة متوسطة الدخل مثل روسيا في تحقيق الاكتفاء الذاتي في الإنتاج العسكري، قد ولت، لاسيما بالنظر إلى المتطلبات التكنولوجية للأسلحة الحديثة.

1 ٪

فقط هي نسبة النمو المتوقع في روسيا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى