اخبار الامارات

الدبلوماسية الأميركية تعاني «أزمة ثقة» في علاقاتها الدولية

فريد زكريا

بينما كنت أتابع الانتخابات العامة الأخيرة في تركيا، أصابتني صدمة عندما سمعت أحد كبار المسؤولين في البلاد، وهو وزير الداخلية سليمان صويلو، يتحدث إلى حشد من الشرفة، وبابتهاج، ويقول لقد وعد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان «بالنيل من كل من يسبب المشاكل لتركيا»، مضيفاً: «وهذا يشمل بالطبع الجيش الأميركي».

وفي وقت سابق، أعلن صويلو أن أولئك الذين «يتبعون نهجاً موالياً لأميركا سنعتبرهم خونة»، هذا إذا وضعنا في الاعتبار أن تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي لديه قواعد أميركية في البلاد منذ نحو 70 عاماً.

خطاب معاد للغرب

غالباً ما يستخدم أردوغان بشدة، الخطاب المعادي للغرب. وقد يكون أردوغان من أكثر الزعماء تطرفاً في مثل هذا الموقف، لكنه ليس بمفرده. وكما لاحظ العديد من المعلقين، فإن معظم سكان العالم ليسوا متحالفين مع الغرب في صراعه ضد الحرب الدائرة في أوكرانيا. والحرب نفسها سلطت الضوء فقط على ظاهرة أوسع: العديد من أكبر وأقوى الدول في العالم النامي يتزايد عداؤها للغرب ولأميركا.

لولا دا سيلفا ينتقد أميركا

عندما انتخبت البرازيل لويس إيناسيو لولا دا سيلفا للرئاسة في أكتوبر الماضي، تنفس الكثيرون الصعداء لأن الزعيم الشعبوي الزئبقي جايير بولسونارو، قد تم استبداله بشخصية تقليدية مألوفة من يسار الوسط. لكن في الأشهر القليلة التي قضاها في المنصب، فضّل لولا أن ينتقد الغرب بشدة، ويصب جام غضبه على هيمنة الدولار، ويدعي أن روسيا وأوكرانيا تتحملان اللوم على حد سواء، عن نشوب واستمرار الحرب.

قبل أيام استضاف لولا الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، الذي دفع حكمه الوحشي الملايين إلى الفرار من بلاده. وأشاد لولا بالديكتاتور وانتقد واشنطن لإنكارها شرعية مادورو وفرضها عقوبات على نظامه.

اتجاه نحو روسيا والصين

يتمتع رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا بسمعة طيبة باعتباره معتدلاً عملياً، وصديقاً للأعمال التجارية، وله علاقات قوية مع الغرب، لكن جنوب إفريقيا تحت قيادته انحرفت وصارت أقرب إلى المدار الروسي والصيني. ورفضت الدولة إدانة الحرب الروسية في أوكرانيا، واستضافت البحرية الروسية والصينية لإجراء تدريبات مشتركة، وتتهمها الولايات المتحدة الآن بتزويد روسيا بالأسلحة، وهي مزاعم نفتها جنوب إفريقيا.

دلهي لن تؤازر واشنطن في أزمتها مع بكين

ثم هناك الهند التي أوضحت منذ بداية حرب أوكرانيا، أنها لا تنوي الوقوف ضد روسيا، التي لا تزال المزود الرئيس للأسلحة المتطورة للجيش الهندي. كانت تصريحات الهند حول رغبتها في الحفاظ على توازن في علاقاتها بين الغرب وروسيا (وحتى الصين) كثيرة جداً، لدرجة أن أحد أكثر الباحثين احتراماً في العلاقات الأميركية الهندية، آشلي جي تيليس، كتب مقالًا يحذر واشنطن من معارضة ذلك، ويقول إن واشنطن يجب ألا تفترض أن نيودلهي ستقف إلى جانبها في أي أزمة مستقبلية مع بكين.

التابع ينهض

ما الذي يجري؟ لماذا تواجه الولايات المتحدة الكثير من المشاكل مع العديد من أكبر الدول النامية في العالم؟ هذه المواقف متجذّرة في ظاهرة وصفتها في عام 2008 بأنها «صعود البقية». فعلى مدى العقدين الماضيين حدث تحول كبير في النظام الدولي. البلدان التي كانت مكتظة بالسكان ولكنها فقيرة، انتقلت من الهامش إلى مركز الصدارة، و«الأسواق الناشئة» التي كانت تمثل حصة ضئيلة من الاقتصاد العالمي، تشكل الآن نصف الكعكة بالكامل. ولهذا ينبغي أن نقول إن ما تبقى من دول العالم قد صعدت.

ونظراً لأن هذه الدول أصبحت قوية اقتصادياً، ومستقرة سياسياً، وفخورة ثقافياً، فقد أصبحت أيضاً أكثر قومية، وغالباً ما يتم تعريف قوميتها على عكس الدول التي تهيمن على النظام الدولي؛ أي الغرب. العديد من هذه الدول كانت مستعمرة من قبل الدول الغربية، ولذلك فهي تحتفظ بنفور غريزي من الجهود الغربية لحصرها في تحالف أو تجمع.

لا تصدق

وبالتأمل في هذه الظاهرة في سياق حرب أوكرانيا، تشير الخبيرة الروسية فيونا هيل، إلى أن العامل الآخر في عدم الثقة هذا، هو أن هذه الدول لا تصدق الولايات المتحدة عندما تسمع أنها تتحدث لصالح نظام دولي قائم على القواعد. وتقول هيل إنهم يرون واشنطن ملأى «بالغطرسة والنفاق». وتطبق أميركا القواعد على الآخرين لكنها تخرقها في تدخلاتها العسكرية العديدة والعقوبات أحادية الجانب، وهي تحث الدول على الانفتاح على التجارة، لكنها تنتهك هذه المبادئ عندما تختار ذلك.

صعود وانحدار

هذا هو العالم الجديد. إنه لا يتسم بانحدار أميركا «بل بصعود أشخاص آخرين» (كما كتبت في عام 2008). أصبحت أمم كثيرة الآن لاعبة نشطة على الكرة الأرضية، بعد أن كانت في يوم من الأيام بيادق على رقعة الشطرنج، وتتخذ خطواتها الخاصة التي غالباً ما تكون مبنية على مصالح ذاتية. لن يتم إقناعها بعد ذلك أو التملق لها بسهولة، ولكن يجب إقناعها بالسياسات التي تمارس في الداخل، وليس فقط بالوعظ في الخارج، ويمثل الإبحار في هذه الساحة الدولية التحدي الأكبر للدبلوماسية الأميركية، فهل واشنطن على مستوى المهمة؟

 صحافي ومؤلف أميركي


فريد زكريا:

• «على مدى العقدين الماضيين حدث تحول كبير في النظام الدولي، فالبلدان التي كانت مكتظة بالسكان ولكنها فقيرة، انتقلت من الهامش إلى مركز الصدارة، و«الأسواق الناشئة» التي كانت تمثل حصة ضئيلة من الاقتصاد العالمي، تشكل الآن نصف الكعكة بالكامل».

• «نظراً لأن الدول النامية أصبحت قوية اقتصادياً، ومستقرة سياسياً، وفخورة ثقافياً، فقد أصبحت أيضاً أكثر قومية، وهي تحتفظ بنفور غريزي من الجهود الغربية لحصرها في تحالف أو تجمع».

• «تطبق أميركا القواعد على الآخرين، لكنها تخرقها في تدخلاتها العسكرية العديدة والعقوبات أحادية الجانب، وهي تحث الدول على الانفتاح على التجارة، لكنها تنتهك هذه المبادئ عندما تختار ذلك».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى