اخبار الامارات

تصاعد إضراب المعلمين في الضفة الغربية يعكـــس أزمة فلسطينية عميقة

في جميع أنحاء العالم وصل التلاميذ إلى منتصف الفصل الدراسي الثاني، لكن في مخيم للاجئين الفلسطينيين جنوب القدس، يستيقظ الأطفال في الواحدة ظهراً، فيلعبون كرة القدم، ويتنقلون بين صالونات الحلاقة، ويتابعون بلا هدف كل ما يحدث على تطبيق «تيك توك»، ثم يشاهدون التلفزيون حتى الفجر، ليبدأوا يوماً جديداً من القيام بلاشيء مجدٍ، وبلا دراسة.

أغلقت المدارس الحكومية الفلسطينية في الضفة الغربية أبوابها منذ الخامس من فبراير، في واحد من أطول إضرابات المعلمين، أخيراً، ضد السلطة الفلسطينية التي تعاني ضائقة مالية.

وتصاعدت مطالب المعلمين بزيادة رواتبهم لتصبح حركة احتجاجية تقف كشوكة في حلق الحكومة الفلسطينية التي تغرق أكثر فأكثر في أزمة اقتصادية.

لكن الإضراب لا يتعلق بالرواتب فقط، فبصفتهم يمثلون أكبر فئة من موظفي الحكومة في الضفة الغربية، يطالب المعلمون أيضاً بنقابة منتخبة ديمقراطياً. ولم تستجب لهم السلطة خوفاً من أن تستخدم منافستها، حركة «حماس»، هذه التحركات ضد حركة «فتح» الحاكمة.

وقالت شيرين العزة، وهي إخصائية اجتماعية وأم لخمسة أطفال، يقيمون في مخيم العزة للاجئين في مدينة بيت لحم بالضفة الغربية: «كل شيء في فوضى». ولأنها مصممة على استمرار أطفالها في التعليم فقد جمعت مدخراتها (200 دولار) لإعطاء أبنائها دروساً خصوصية، ولإرسال ابنها الأكبر إلى دروس تقوية. وتقول إنه «أمر مستحيل بالنسبة لمعظم سكان المخيم».

احتجاز رهائن

تشبّه السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس، التي تحكم أجزاء من الضفة الغربية غير خاضعة لسيطرة إسرائيل، إضراب المعلمين وكأنه احتجاز رهائن، هم نحو مليون تلميذ، حتى تلبى مطالبهم بتحسين الأجور.

لكن المعلمين يقولون إنه ليس أمامهم خيار سوى الإضراب. فيقول محمد برجية (44 عاماً)، وهو مدرس لغة عربية منذ 23 سنة: «أشعر بالفزع بشأن مصير الأطفال، لكن الطريقة التي تعاملنا بها السلطة الفلسطينية مهينة. أريد أن أعيش ببعض الكرامة».

لسنوات كافح المعلمون في جميع أنحاء الضفة الغربية لتغطية نفقاتهم من خلال رواتب تبلغ نحو 830 دولاراً شهرياً، وهو أقل بكثير من مهن أخرى تتطلب الدرجة العلمية نفسها. والآن بعد عام ونصف العام من خفض السلطة الفلسطينية لرواتب موظفي الحكومة بنسبة 20% لمواجهة عجز في الموازنة، يقول المعلمون إن «الكيل فاض وإنهم ضاقوا ذرعاً».

بداية الأزمة

بدأت الأزمة في يناير عندما توقع المعلمون أن يحصلوا على زيادة في الرواتب بنسبة 15%، إضافة إلى الحصول على رواتبهم المتأخرة، وذلك وفق اتفاق أنهى إضراباً قصيراً في مايو الماضي. كما قضى الاتفاق بتعديلات في نظام تمثيلهم، بما يسمح بإجراء انتخابات نقابية طال انتظارها. لكن مستهل العام ألقى المعلمون نظرة على قسيمة رواتبهم، فتحطمت ثقتهم بالمسؤولين.

ويقول يوسف أغا (37 عاماً) مدرس التاريخ في بيت لحم: «كذبوا علينا». ويضغط أغا ومعلمون آخرون من أجل تشكيل نقابة معلمين مستقلة منتخبة، ولا يعترفون بالنقابة الجارية المكدسة بمؤيدي «فتح». وقد أسست حركتهم قناة على تطبيق «تليغرام» يتابعها نحو 20 ألف شخص، وانضمت إليهم حشود غاضبة ضخمة، وصدرت دعوة عبر القناة لتنظيم اعتصامين في رام الله، مقر السلطة الفلسطينية.

وهددت السلطة الفلسطينية – في ردها على ذلك – بعمليات فصل جماعي، بل وباعتقالات، ما لفت الأنظار إلى ما وصفه منتقدون بحملة السلطة القمعية ضد المجتمع المدني وحرية التعبير.

وتضم دعوى أقامتها وزارة التربية والتعليم في 13 مارس أسماء 151 معلماً مهددين بالفصل في حال واصلوا إضرابهم، وبالاعتقال في حال أظهروا مزيداً من المقاومة.

ويقول أغا، الذي ورد اسمه في القائمة: «لا يكفيهم أننا لا نتقاضى رواتبنا، بل بتنا حرفياً غير مسموح لنا بالكلام».

قبل تظاهرة في رام الله في وقت سابق من الشهر، أقامت قوات الأمن الفلسطينية نقاط تفتيش وحواجز طرق في الطريق إلى المدينة، وفق ما ذكر معلمون تم تحويل مسارهم عبر تلال صخرية. وضربت هذه الإجراءات الأمنية المشددة على وتر حساس لدى الفلسطينيين الذين يرزحون تحت نير الاحتلال الإسرائيلي.

ويقول مدرس مادة العلوم، عمر محيسن ( عاماً): «جعلونا نشعر وكأننا مجرمون»، بعد أن ذكر أن «الشرطة الفلسطينية أوقفته وأجبرته على إبراز بطاقة هويته وهو يقود سيارته قادماً من مدينة الخليل».

يرى محللون أن السلطة الفلسطينية – التي لا تحظى بشعبية بشكل متزايد – تخشى سيطرة جماعات منافسة لها، مثل «حماس»، على نقابة المعلمين إذا كانت منتخبة انتخاباً حراً، وأن تكون لها حينئذ سلطة على قطاع واسع وحيوي من القوى العاملة الحكومية.

يشار إلى أن «حماس» انتزعت السلطة في قطاع غزة من حركة «فتح» عام 2007.

وأكد مفاوض السلام الفلسطيني السابق والوزير السابق، غسان الخطيب، أن قدرة المعارضة على تحقيق انتصار هي نتيجة تراجع قدرة السلطة الفلسطينية على الوفاء بالتزاماتها.

وبعدما رفضت حركة المعلمين عرضاً، أخيراً، من السلطة الفلسطينية بتقديم تعويضات تدريجياً عن خفض رواتبهم، وذلك على مدار فترة زمنية غير محددة، أعلنت وزارة التربية والتعليم أنها تستعد لتوظيف أكثر من 45 ألف معلم بعقود مؤقتة ليحلوا محل جميع المضربين، الشهر المقبل.

وناشد رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد اشتية، المعلمين العودة إلى المدارس، وقال في اجتماع لمجلس الوزراء: «يجب أن نقوم بمسؤوليتنا بضمان حق التعليم لأبنائنا وبناتنا».

وتقول الحكومة، التي تكافح من تباطؤ اقتصادي وديون متزايدة، إنها غير قادرة على سداد رواتب جميع موظفيها. وفي وقت سابق من العام، وجهت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، اليمينية المتطرفة ضربة إضافية إلى السلطة عندما قررت خصم 50 مليون شيكل أخرى (أكثر من 14 مليون دولار) شهرياً من عائدات الضرائب التي تجمعها نيابة عن السلطة الفلسطينية، من بين إجراءات عقابية أخرى.

وقال المتحدث باسم الحكومة، إبراهيم ملحم: «لقد قمنا بكل ما في وسعنا.. نحن نواجه خطر تراجع دعم المانحين، وعدواً ينكر وجودنا ويطيل أمد أزمتنا المالية باستقطاعات ظالمة».

لم تقتنع حركة المعلمين ولم تهدأ، بل حذرت من أنها ستنصب خياماً في ساحة رام الله الرئيسة لبقية شهر رمضان.

ومع تصاعد الأزمة يشعر الآباء بالقلق من أن أبناءهم لن يكونوا مستعدين لاختبارات الالتحاق بالجامعة أو حتى الفصل الدراسي المقبل. فيقول (أحمد – محام – 43 عاماً) وأب لستة أطفال، ذكر اسمه الأول فقط خشية التنكيل به: «هذا هو جيلنا الضائع».

كانت الساعة قد تجاوزت فترة الظهيرة، وكان أطفاله يفركون أعينهم وقد استيقظوا للتو، ودخلوا المطبخ وبدأوا اللعب على هواتفهم النقالة.

ولأنه وزوجته يعملان طوال اليوم ويتركان الأطفال بمفردهم، قال أحمد: «إنه لا يستطيع إلزامهم بجدول مهام محددة، أوحتى تحديد وقت النوم والاستيقاظ». وأضاف: «أنا كأب أعاني».

أما ابنه البالغ من العمر 15 عاماً فسعيد تماماً، ويقول: «لا أريد العودة إلى المدرسة أبداً».

• تشبّه السلطة الفلسطينية إضراب المعلمين وكأنه احتجاز رهائن، هم نحو مليون تلميذ، حتى تلبى مطالبهم بتحسين الأجور.

• لسنوات كافح المعلمون في جميع أنحاء الضفة الغربية، لتغطية نفقاتهم من خلال رواتب تبلغ نحو 830 دولاراً شهرياً، وهو أقل بكثير من مهن أخرى تتطلب الدرجة العلمية نفسها.

• بعدما رفضت حركة المعلمين عرضاً، أخيراً، من السلطة الفلسطينية بتقديم تعويضات تدريجياً عن خفض رواتبهم، على مدار فترة زمنية غير محددة، أعلنت وزارة التربية والتعليم أنها تستعد لتوظيف أكثر من 45 ألف معلم بعقود مؤقتة ليحلّوا محل جميع المضربين، الشهر المقبل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى