براءة رجل من تعريض حياة طليقته للخطر عقب مشادة كلامية

قضت محكمة العين الابتدائية مؤخرًا ببراءة رجل اتُهم بتعريض حياة الآخرين للخطر، في قضية أثارت جدلاً محليًا. تعود تفاصيل القضية إلى بلاغ تقدمت به طليقته، تتهمه بملاحقة مركبتها والقيام بفرملة مفاجئة أمامها، وذلك أثناء مغادرتها مركز رؤية للمحضونين في مدينة العين. هذه الحادثة، التي أدت إلى توجيه اتهام خطير، انتهت بحكم البراءة بناءً على أدلة قدمها الدفاع، مما يسلط الضوء على أهمية الإثبات في القضايا الجنائية، وخصوصًا تلك المتعلقة بالنزاعات الأسرية.
تفاصيل القضية والاتهامات الموجهة
بدأت القضية ببلاغ من السيدة، حيث زعمت أن طليقها تعمد اعتراض طريقها بعد تسليم أحد الأبناء في مركز رؤية معتمد. وادعت أنه انحرف بمركبته بشكل مفاجئ أمامها، ثم ضغط بقوة على المكابح، مما عرض حياتها وحياة مرافقتها لخطر جسيم. وأشارت المشتكية إلى أن هذا الفعل جاء بعد مشادة كلامية نشبت بينهما داخل مركز الرؤية.
وبناءً على هذا البلاغ، قامت النيابة العامة بتوجيه تهمة تعريض حياة الآخرين للخطر إلى المتهم، وذلك استنادًا إلى المادة (399/1) من قانون الجرائم والعقوبات الاتحادي. وطالبت النيابة بتوقيع العقوبة القانونية المقررة على هذا الفعل. هنا تظهر أهمية فهم قانون الجرائم والعقوبات وتطبيقاته في مثل هذه الحالات.
دفاع المتهم وإنكار التهم
في المقابل، أنكر المتهم بشكل قاطع جميع التهم الموجهة إليه. وأفاد بوجود خلافات أسرية سابقة مع طليقته، بما في ذلك شكاوى متبادلة. وذكر أن الواقعة جاءت بعد أن رفض ابنان الذهاب مع والدتهما، مما أدى إلى قيامها بالتعدي عليه بالسب أمام موظفي مركز الرؤية. وأكد أن ابنه الآخر كان برفقة والده وغادر في اتجاه معاكس، مما يشير إلى كيدية الاتهام.
كما قدم والد المتهم شهادة مهمة، حيث أوضح أنه هو من اصطحب الطفل بعد انتهاء الزيارة، وأنه كان يقود السيارة، وأن الحادثة لم تحدث على النحو الذي وصفته المدعية. هذه الشهادة كانت بمثابة نقطة تحول في القضية.
حجج الدفاع القوية وطلب البراءة
قدم محامي المتهم دفوعًا قوية أمام المحكمة، مؤكدًا كيدية الاتهام وعدم صحته. وأوضح أن الواقعة جاءت في سياق نزاع أسري مستمر بين الطرفين، يتعلق بشكل خاص بخلافات حول الحضانة وترتيبات زيارة الأبناء. وأشار إلى أن تقديم الشكوى تأخر ثلاثة أيام بعد الواقعة المزعومة، ولم يرفق بها أي دليل فني أو مادي يدعم الادعاءات.
وأضاف الدفاع أن رواية الشاكية كانت متناقضة مع شهادة مرافقتها، خاصة فيما يتعلق بموقع الطفل داخل السيارة وطبيعة حركة المرور. كما لفت إلى عدم وجود أي تقرير مروري أو محضر ضبط، أو تسجيلات كاميرات مراقبة من محيط مركز الرؤية، على الرغم من وجود كاميرات في الموقع. بالإضافة إلى ذلك، لم يتم تسجيل أي إصابات أو أضرار مادية نتيجة للحادثة المزعومة.
وأكد الدفاع عدم توافر الركن المادي لجريمة تعريض حياة الآخرين للخطر، موضحًا أن مجرد الادعاء بالقيادة المتهورة أو الفرملة المفاجئة لا يكفي للإدانة، إلا إذا تحقق خطر حقيقي أو وقع ضرر. كما استند الدفاع إلى أن تحريات الشرطة لم تسفر عن دليل قاطع يدعم الاتهام، وأن أقوال الشاكية كانت مرسلة وغير مدعومة ببينة.
وبناءً على هذه الحجج، طلب محامي المتهم الحكم ببراءة موكله من التهمة المسندة إليه، لعدم ثبوت الواقعة، وكيدية الاتهام، وتناقض الأقوال، وخلو الأوراق من أي دليل قاطع. هذا التركيز على الإثبات في القضايا الجنائية كان أساسيًا في طلب البراءة.
حيثيات حكم البراءة
بعد دراسة جميع الأدلة والشهادات المقدمة، توصلت محكمة العين الابتدائية إلى حكم البراءة. وأوضحت المحكمة في حيثيات حكمها أن الأصل في القضايا الجنائية هو براءة المتهم، وأن عبء الإثبات يقع على عاتق من يدعي خلاف ذلك. وأكدت أن الإدانة الجنائية لا يمكن أن تستند إلا إلى الجزم واليقين، وأن الشك يجب أن يفسر لصالح المتهم.
وأشارت المحكمة إلى أن المدعية لم تقدم أي دليل مادي أو فني يدعم ادعاءها بتعرض حياتها للخطر، وأن أقوالها كانت مرسلة وغير مؤكدة. كما بينت المحكمة أنها لا تطمئن إلى شهادة الشاهدة، لكونها من أقارب المدعية، واعتبرت شهادتها ظنية.
وبناءً على ذلك، خلصت المحكمة إلى عدم ثبوت التهمة في حق المتهم، وحكمت حضورياً ببراءته من التهمة المسندة إليه. هذا الحكم يؤكد على أهمية الحيادية في جمع الأدلة، وضرورة وجود إثبات قاطع للإدانة في القضايا الجنائية.
الخلاصة وأهمية الإثبات
تُظهر هذه القضية أهمية الإثبات في القضايا الجنائية، وخصوصًا تلك التي تنشأ عن نزاعات أسرية. فالادعاءات وحدها لا تكفي للإدانة، بل يجب أن تدعمها أدلة قاطعة ومادية. كما تؤكد على ضرورة الحيادية في جمع الشهادات، وتجنب الاعتماد على شهادات قد تكون متحيزة. إن فهم القانون الإماراتي المتعلق بالجرائم والعقوبات، والحرص على تقديم دفاع قوي ومستند إلى الأدلة، هما مفتاح الحصول على حكم عادل. هذه القضية تعتبر سابقة مهمة في التأكيد على مبدأ العدالة وسيادة القانون.












