اخبار الامارات

محللون: تغيّر موقف ترامب من حرب أوكرانيا «تكتيكي»

بعد فشله في إقناع نظيره الروسي فلاديمير بوتين بالجلوس إلى طاولة المفاوضات، يبدو أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب بدأ يعيد النظر في موقفه من الحرب في أوكرانيا، متجهاً نحو تجاهل تدريجي للصراع، بما يشبه الانسحاب غير المعلن من القضية الأوكرانية.

وبعد مرور أكثر من ثمانية أشهر على بداية ولايته الثانية، أدلى ترامب بتصريحات متضاربة بشأن أوكرانيا، عكست نهجاً غامضاً يشبه في تقلبه مواقف سلفه جو بايدن. ففي تصريح أدلى به أخيراً، قال ترامب إن أوكرانيا، بدعم من أسلحة حلف شمال الأطلسي «الناتو»، وبفضل شجاعة قواتها، قادرة على إجبار روسيا على الانسحاب من الأراضي التي احتلتها منذ بدء الحرب، قبل ثلاث سنوات ونصف السنة.

ورغم هذه اللهجة الحماسية، إلا أن الأجواء في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، كشفت عن تراجع حقيقي في موقف ترامب تجاه الصراع الأوكراني، وهو ما بدا واضحاً من سعيه إلى التنصل من المسؤولية الأميركية في هذا الملف، خصوصاً بعد فشله في لعب دور الوسيط الفعال بين موسكو وكييف.

غضب وانفعال

ويقول بعض مساعدي ترامب السابقين، إن الرجل معروف بتقلباته، وغالباً ما تصدر مواقفه السياسية الخارجية عن مشاعر الغضب والانفعال، أكثر مما تصدر عن تحليل استراتيجي دقيق، الأمر الذي يجعل من الصعب التنبؤ بما إذا كان موقفه الأخير حول قدرة أوكرانيا على النصر يعكس قناعة حقيقية، أم مجرد ردة فعل عابرة.

حتى أقرب مستشاريه، أبدوا استغرابهم من القناعة التي عبّر عنها ترامب بأن أوكرانيا، وبعد سنوات من الحرب والدمار، قادرة فجأة على استعادة 20% من أراضيها التي تسيطر عليها روسيا. وفي الوقت نفسه، كرر وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، الذي يشغل أيضاً منصب مستشار الأمن القومي، موقف الإدارة السابق بأن «الحرب في أوكرانيا لا يمكن أن تُحسم عسكرياً، وإنما لابد أن تنتهي عبر المفاوضات».

وفيما امتنعت إدارة ترامب عن تقديم توضيحات رسمية بشأن استراتيجيتها الجديدة تجاه أوكرانيا، نقل أحد كبار مسؤولي البيت الأبيض رأياً مفاده أن إدارة بايدن السابقة لم تكن تملك سوى خيار وحيد، وهو دعم أوكرانيا مالياً وعسكرياً من غير سقف واضح، دون وجود مفاوضات حقيقية مع روسيا. ولفت إلى أن ترامب منفتح على فرض رسوم جمركية ضد موسكو، وليست عقوبات تقليدية، شريطة أن توافق أوروبا على وقف شراء الطاقة الروسية.

 موقف تكتيكي

ويرى محللون أن هذا التغير في موقف ترامب ليس جوهرياً بقدر ما هو تكتيكي. وبحسب المدير التنفيذي لمركز الأمن الأميركي الجديد، ريتشارد فونتين، فإن مواقف ترامب تتأرجح دائماً بين طرفي النقيض، من التشكيك الكامل في قدرة أوكرانيا، إلى المبالغة في تصور إمكانية انتصارها الكامل.

واعتبر فونتين أن ترامب لم يطرح أي مبادرات فعلية جديدة، لا في السياسة الأميركية تجاه الحرب، ولا في دعم عسكري إضافي لكييف، ولا حتى في شكل خريطة طريق لوقف إطلاق النار أو بدء مفاوضات سلام.

هذا الغموض والتذبذب في موقف ترامب لم يمر مرور الكرام على حلفاء الولايات المتحدة. فقد أعرب رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، خلال مؤتمر صحافي مع ترامب في لندن قبل أسبوع من الاجتماعات الأممية، عن قناعته بأن بوتين لا يستجيب إلا لضغط قوي تقوده واشنطن، معتبراً أن وقوف ترامب في موقع «الحياد» لن يؤدي إلى تغيير في مسار الحرب.

انتقادات مبطنة

من جهته، أصدر السيناتور الجمهوري ميتش ماكونيل، بياناً رحّب فيه بدعم ترامب الظاهري لأوكرانيا، لكنه سرعان ما وجّه انتقادات مبطنة لإدارته، مشيراً إلى أن تصريحات مسؤولين في وزارة الدفاع حول تقليص التدريبات العسكرية والمساعدات للدول المتأثرة بالنفوذ الروسي، تقوّض الجهود الرئاسية لإنهاء الحرب. وقال إن استمرار إلقاء اللوم على حلفاء «الناتو» أو تجميد التعاون الأمني مع أوكرانيا قد يضعف الدور الأميركي في دعم كييف.

وعلى الرغم من حرص ماكونيل على عدم الخوض في التفاصيل، بدا أنه يشير إلى تصريحات وزير الدفاع بيت هيغسيث وكبار مساعديه. وقد دفع ذلك بعض الخبراء إلى الحث على التركيز على ما تنفقه الإدارة، بدلاً مما يقوله الرئيس، من أجل قياس الدعم الأميركي لأوكرانيا.

تراجع الدعم

وأكدت المسؤولة السابقة عن ملف روسيا وأوكرانيا في وزارة الدفاع الأميركية، لورا كوبر، أن الدعم الأميركي لأوكرانيا شهد تراجعاً ملحوظاً مقارنة بالسنوات الأولى من الحرب، حيث باتت أوروبا تتحمل العبء الأكبر في تقديم الدعم الأمني، فيما لم يعد واضحاً كيف يمكن لهذا الدعم أن يؤدي إلى تسوية نهائية للصراع في ظل تراجع الدور الأميركي.

وقالت: «اليوم، اختفت حصة الولايات المتحدة من المساعدات. يستطيع الأوروبيون وحدهم المساعدة في إبقاء الأوكرانيين في القتال، لكن من غير الواضح كيف يمكنهم مساعدتهم فعلاً لتحقيق السلام دون مساعدة الولايات المتحدة».

انتصار سياسي

من جانبه، بدا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي متفائلاً بتحول لهجة ترامب، واصفاً إياها بأنها «مغيّرة لقواعد اللعبة». وبالنسبة لزيلينسكي، فإن توقف ترامب عن الضغط من أجل التنازل عن الأراضي مقابل السلام يُعد انتصاراً سياسياً، خصوصاً في ظل تصاعد التوتر مع روسيا واستمرار الحرب.

وكان لدى زيلينسكي سبب وجيه للاحتفال، فقد أثمرت جهوده الطويلة لاستعادة ود ترامب، بعد مواجهتهما الشهيرة في المكتب البيضاوي فبراير الماضي. وعلاوة على ذلك، ربما كان ترامب، الذي أعلن عن انزعاجه من بوتين، يضغط على الرئيس الروسي لتقديم تنازلات، وليس على زيلينسكي.

لكن ذلك لا يرضي موسكو، حيث قال المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، إن التصور القائل إن أوكرانيا قادرة على الانتصار عسكرياً «خاطئ تماماً»، مشدداً في تصريحات لـ«راديو روسيا»، على أن روسيا ليست «نمراً من ورق»، بل «دبّاً»، في إشارة إلى قوتها وثباتها في وجه العقوبات والضغوط الغربية.

حرب استنزاف

وبعد مغادرة ترامب نيويورك، اتضح أنه ترك زيلينسكي في الموقف ذاته الذي كان عليه، بحاجة ماسّة إلى المال، والتكنولوجيا، والدعم الاستخباراتي، والعتاد العسكري، من أجل مواصلة حرب استنزاف تقترب مدتها من المدة التي شاركت فيها أميركا في الحرب العالمية الثانية.

وفي كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أشار زيلينسكي إلى أن الصراع مع روسيا أصبح أكثر تعقيداً، بسبب انهيار النظام الدولي، وضعف مؤسساته، في انتقاد ضمني للأمم المتحدة نفسها. وقال إن الأمن الحقيقي لا يصنعه القانون أو القرارات الأممية، بل «الأصدقاء والأسلحة»، حسب تعبيره.  عن «نيويورك تايمز»

خط الدفاع الأول

حذّر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أخيراً، من تمدد الخطر الروسي، مشيراً إلى حوادث الطائرات المسيّرة الروسية التي اخترقت الأجواء البولندية، ليؤكد أن أوكرانيا ليست فقط ضحية، بل هي «الخط الأول في الدفاع عن أوروبا».

• مساعدو ترامب يرون أن مواقفه السياسية غالباً ما تصدر عن مشاعر الغضب والانفعال، أكثر مما تصدر عن تحليل استراتيجي دقيق.

• الرئيس الأوكراني بدا متفائلاً بتحول لهجة ترامب، واصفاً إياها بأنها «مغيّرة لقواعد اللعبة».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى