نتيجة رفع سقف التوقعات.. «مرضى تجميل» ينشرون الخيبة على وسائل التواصل
ينظر كثيرون إلى الجراحة التجميلية وكأنها عصا سحرية لتغيير المظهر أو الشخصية، على الرغم من أن كثيراً من الدراسات الحديثة تؤكد أن الأغلبية العظمى ممن خضعوا لها ندموا على إجرائها.
والحقيقة أن الجراح يستطيع إجراء تحسينات أو تعديلات طفيفة، لكن الحفاظ على توقعات واقعية هو المفتاح، لأن هناك عوامل مختلفة، مثل الصحة العامة ومرونة الجلد ونمط الحياة والجينات وقدرة الجسم على الشفاء، يمكن أن تؤثر في النتائج النهائية للجراحة.
ووفقاً لأطباء، فإن هناك متعاملين، خصوصاً من النساء، يفِدون إلى عيادات التجميل بمطالب مبالغ فيها، تصل إلى الحصول على وجه أو قوام بعض المشاهير، لافتين إلى ضرورة أن يكون المراجع واقعياً، وأن يكون الطبيب شفافاً وصادقاً معه، حتى يجنبه الشعور بخيبة الأمل.
ونظرت محاكم الدولة دعاوى قضائية لأشخاص طالبوا بتعويض عن عمليات تجميل خضعوا لها لم ترضِ توقعاتهم، وآخرين لجأوا إلى الإساءة والتشهير عبر «السوشيال ميديا»، تعبيراً عن شعورهم بالخيبة. ومن بينهم امرأة أُدينت في قضية سب مستشفى باستخدام وسيلة تقنية معلومات. وأخرى أقامت دعوى قضائية، بسبب عدم رضاها عن جراحة تجميل أنف، وطلبت تعويضاً خيالياً.
وقال مراجعون لعيادات تجميل، ليلى عبداللطيف، ونورة حمد، والزهراء فتحي، وخالد إبراهيم محمد، إن العروض المغرية، والحديث عن نتائج تفوق التوقعات، يدفعان كثيرين إلى تصور أشياء غير حقيقية حول أنفسهم.
وأكد رئيس اللجنة العليا للمسؤولية الطبية في الدولة، الدكتور عبدالرزاق المدني، أن «اختلاف نتائج عمليات التجميل عن النتائج المرجوة لدى المريض لا يصنف خطأ طبياً، إلا في حالات نادرة جداً، وتحديداً عندما تنتج عن العملية أضرار ومضاعفات صحية، على أن يثبت تحقيق رسمي فيها من قبل لجنة مختصة أنها بسبب خطأ من الطبيب».
ولفت إلى أن «اللجنة كانت تستقبل كثيراً من الشكاوى حول نتائج عمليات التجميل، إلا أن أعداد الشكاوى انخفضت بشكل كبير في الآونة الأخيرة، بعد فرض رسوم على تقديمها».
وأكد رئيس جمعية الإمارات لجراحات التجميل، الدكتور زهير الفردان أنه «في الطب عموماً لا توجد نتائج مضمونة بنسبة 100%، وأي طبيب يبالغ في الدعاية لجذب المراجعين أو المرضى عليه أن يتحمل النتائج».
وذكر أن كثيراً من المراجعين يفاجأون بأن النتائج لا تلبي توقعاتهم، فيتهمون الأطباء بالخداع، ويساومونهم، أو يهددونهم بالتشهير على «السوشيال ميديا».
ولفت إلى أن جمعية الإمارات لجراحات التجميل ناقشت هذه الأزمة ضمن اجتماعاتها وجلساتها، وبيّنت الإحصاءات أن النساء أكثر ممارسة لهذا السلوك.
وقال إن «كثيراً من مراجعي مراكز التجميل يأتون بمطالبات مبالغ فيها، منها الحصول على وجه مطابق لبعض المشاهير».
وتابع أن العملية قد تكون بسيطة ولا تستغرق وقتاً إلا أن نتائجها تستمر مدى الحياة، لذا يجب أن تتمتع علاقة الطبيب بالمريض بقدر كبير من الشفافية والوضوح حول النتائج، بعيداً عن الطموحات الزائدة والدعاية المضللة.
بدوره، قال استشاري جراحة التجميل في دبي، الدكتور قاسم أهلي: إن «أساس الفكرة من جراحة التجميل هو تحسين الوضع الحالي إلى وضع أجمل وأحسن».
وتابع أن «المراجع أو المريض يتطلع إلى شكل معين ونتيجة محددة، وهذا حقه، لكن رفع سقف التوقعات لديه يعد بمزيد من الخيبة».
وذكر أن احتجاج المراجع بعد العملية، ناجم عن صعوبة التطابق بين الخيال والواقع في حال كان هناك نوع من المبالغة والشطط في التوقعات أو الوعود.
وأكد أن كثيراً من الأطباء يتعرضون للتشهير في السوشيال ميديا، بسبب نتائج غير مرضية لعمليات التجميل. وقد يستجيب أطباء لمطالب مرضاهم إما بإعادة العملية وإما بإعادة جزء من المبلغ المدفوع.
وقال استشاري الأمراض الجلدية والتجميل الدكتور خالد النعيمي، إن «نتائج الإجراءات التجميلية تختلف سواء من حيث نتيجة الإجراء أو طبيعة الاستجابة، فقد يكون الإجراء نفسه مطبقاً على أكثر من مريض إلا أن الاستجابة مختلفة، لاختلاف طبيعة البشرة من شخص لآخر»، مؤكداً ضرورة إجراء مناقشة تفصيلية وافية بين الطبيب والمراجع قبل إجراء العملية، والبحث عن طبيعة العملية ونتائجها المتوقعة قبل إجرائها.
وتابع: «يجب على طبيب التجميل إدارة توقعات المريض بشكل جيد قبل إجراء العملية، وإخباره بنسبة التحسن المتوقعة، وأن تكون المناقشة موثقة ومتفقاً عليها بشكل قانوني»، مشيراً إلى أن «كثيراً من الخلافات بين الطبيب والمريض ليست نتيجة خطأ من الطبيب، وإنما بسبب اختلاف النتائج عن التوقعات».
وقال المحامي والمستشار القانوني عيسى بن حيدر، إن التزام الطبيب تجاه مرضاه هو بذل العناية وليس تحقيق الغاية، ونصت المادة (3) من قانون المسؤولية الطبية على أن «من يزاول المهنة في الدولة عليه تأدية واجبات عمله بالدقة والأمانة ووفقاً للأصول العلمية والفنية المتعارف عليها، وبما يحقق العناية اللازمة للمريض، مع عدم استغلال حاجته لتحقيق منفعة غير مشروعة لنفسه أو لغيره ودون التمييز بين المرضى. وطبيعة التزام الجراح التجميلي في القانون الإماراتي تتحدد حسب نوع الجراحة التي يجريها».
وذكر أن حكماً للمحكمة الاتحادية العليا أكد أن «جراح التجميل كغيره من الأطباء لا يضمن نجاح العملية، إلا أن العناية المطلوبة منه بالمريض تكون أكثر من أحوال الجراحة الأخرى، باعتبار أن جراحة التجميل لا يقصد منها شفاء المريض من علة في جسده، وإنما إصلاح عيوب، بما لا يعرض حياته للخطر، وانحراف الجراح التجميلي عن أداء هذا الواجب يعد خطأ يستوجب مساءلته عن الضرر الذي لحق بالمريض».
وقال إن الإخلالات التي يرتكبها الطبيب تنقسم إلى أخلاقية وفنية.
وتشمل الأولى عدم نصح المريض بطبيعة العملية، وعدم متابعته بعد العملية، وعدم إبلاغه بالتفصيل عن الخيارات المطروحة للعلاج.
أما الثانية فتتمثل في: الإهمال وعدم الحيطة والحذر مثل عدم إجراء فحوص طبية كافية قبل العملية، وعدم التحكم في التقنية الحديثة التي يستخدمها أثناء الجراحة، وعدم الاستعانة باختصاصي تخدير، وعدم الحصول على الموافقة الصريحة اللازمة من المريض، وعدم الاستجابة السريعة للحالات الطارئة.
وحول ادعاء بعض المراجعين أو المرضى عدم تحقيق العملية التجميلية النتيجة المطلوبة أو الخطأ في إجرائها، أشار بن حيدر إلى أن هذه إشكالية يحكمها قانون المسؤولية الطبية. ويحدد القضاء بناء على تقارير الطب الشرعي واللجان الصحية المختصة والخبراء وغيرهم، إذا كانت المسؤولية تقع على الطبيب، وهنا تصبح مسؤولية جنائية ومدنية، وإذا كانت على المريض تُبرّئ ساحة الطبيب، وقد تكون المسؤولية مشتركة بين المريض والطبيب، فيتحمل كل طرف هنا مسؤوليته بحسب ما يحدده القضاء.