اخبار التقنية

“ليست الصين”.. تايوان تحقق في تسريب أسرار تكنولوجيا رقائق إلكترونية

بدأت تايوان تحقيقات في تسريب أسرار تجارية في قطاع صناعة الرقائق وأشباه الموصلات الحيوي لديها، وهو ما أثار جدلاً واسعاً وتساؤلات حول الجهات المستهدفة. التحقيقات، التي تجري بموجب قوانين الأمن القومي الموسّعة حديثاً، لم تستهدف الشركات الصينية كما كان متوقعاً، بل شركات من أقرب حلفاء تايوان، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة “فاينانشيال تايمز”. هذا التحول في مسار التحقيقات يلقي بظلال من الشك حول العلاقات التجارية والسياسية المعقدة التي تربط تايوان بدول مثل اليابان والولايات المتحدة.

تسريب أسرار الرقائق: تحقيقات تايوان تكشف عن مفاجآت

الأسبوع الماضي، وجهت النيابة العامة التايوانية اتهامات للفرع المحلي لشركة “طوكيو إلكترون” اليابانية، المتخصصة في صناعة معدات الرقائق، بالتقصير في منع سرقة أسرار تجارية مزعومة من شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات (TSMC)، أكبر شركة لتصنيع الرقائق في العالم. هذه الخطوة جاءت بعد أسبوع من مداهمة منازل لو وي جين، المدير التنفيذي السابق في TSMC، والذي انضم إلى شركة “إنتل” بعد مغادرته الشركة التايوانية في يوليو الماضي. التحقيق يركز على ما إذا كان لو قد شارك “تكنولوجيا وطنية أساسية حيوية” مع جهة عمله الجديدة.

دور لو وي جين وانتقاله إلى إنتل

التحقيق في قضية لو وي جين يمثل نقطة محورية في هذه الأزمة. رفعت TSMC دعوى قضائية ضد لو بتهمة “انتهاك اتفاقية عدم المنافسة”، مدعية أنه من المرجح جداً أنه “يستخدم أو يُسرّب أو يُفصح أو يُسلّم أو ينقل أسرار TSMC التجارية ومعلوماتها السرية إلى شركة إنتل”. حتى الآن، لم يتم توجيه أي تهم رسمية للو، لكن المراقبين يشيرون إلى إمكانية تدخل واشنطن في أي قضية قانونية تايوانية.

قوانين الأمن القومي الجديدة وحماية التكنولوجيا

تأتي هذه التحقيقات في أعقاب تعديلات على قانون الأمن القومي في تايوان عام 2022، والتي تجرم نقل “التكنولوجيا الوطنية الأساسية الحيوية” إلى كيان أجنبي دون ترخيص. هذه التعديلات، التي كانت تهدف في المقام الأول إلى التصدي للتهديدات الصينية، زادت من المخاطر القانونية المتعلقة بنقل التكنولوجيا الحساسة. أمن الرقائق أصبح الآن قضية وطنية عليا في تايوان، مع التركيز على حماية التكنولوجيا التي جعلت الجزيرة ركيزة أساسية للاقتصاد العالمي.

ردود فعل الخبراء والصناعيين

أعرب خبراء قانونيون وصناعيون في تايوان عن ارتياحهم لرؤية المحققين يأخذون حماية التكنولوجيا على محمل الجد. ومع ذلك، فإن توجيه الاتهامات لشركات يابانية وأمريكية، بدلاً من الشركات الصينية، أثار دهشة الكثيرين. هذا التطور يثير تساؤلات حول الأولويات الحقيقية للتحقيقات وأهدافها النهائية.

مفارقة استهداف الحلفاء بدلاً من المنافسين

المفارقة تكمن في أن أولى قضايا الأسرار التجارية بموجب قوانين الأمن القومي لم تستهدف الشركات الصينية، التي لطالما اعتُبرت المتهم الرئيسي في سرقة التكنولوجيا وأكبر تهديد لأمن تايوان. بدلاً من ذلك، استهدفت الشركتان “طوكيو إلكترون” (مورد) و”إنتل” (عميل ومنافس)، وهما تنتميان إلى دول تعتبر من أقرب شركاء تايوان. هذا الأمر أثار قلقاً في تايبيه بشأن مصداقية داعمها الأمني ​​الرئيسي، خاصة في ظل رغبة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في عقد “صفقة” مع الصين، وتصريحاته حول “سرقة” تايوان لقطاع الرقائق الإلكترونية.

الضغوط الأمريكية وتأثيرها على التحقيقات

تتعرض تايوان لضغوط متزايدة من إدارة ترمب لزيادة استثماراتها في الولايات المتحدة. صناعة أشباه الموصلات أصبحت ساحة تنافس جيوسياسي، حيث تسعى الولايات المتحدة إلى استعادة ريادتها في هذا المجال. تحت ضغط إدارة ترمب، رفعت TSMC التزامها الاستثماري في الولايات المتحدة إلى 165 مليار دولار، لكن واشنطن أوضحت أن هذا غير كافٍ.

تداعيات التحقيقات على العلاقات الدولية

التحقيقات قد تؤثر سلباً على العلاقات بين تايوان والولايات المتحدة واليابان. مسؤول تنفيذي في شركة تايوانية لتصنيع الرقائق الإلكترونية في الولايات المتحدة شبّه التحقيقات بـ”معاناة مُضاعفة”، قائلاً إنها “تُناقض الرواية القائلة بأن بكين تستقطب الكفاءات التايوانية، وموقف ترمب بأن تايوان قد انتزعت الريادة التكنولوجية من الولايات المتحدة”. كما حذر مسؤول تنفيذي أميركي في صندوق استثماري مُتخصص في شركات أشباه الموصلات من أن تشديد تايبيه لحماية أمنها الاقتصادي قد يُعرّض أمنها الجيوسياسي للخطر.

قضايا سابقة: انتقال الكفاءات إلى الصين

ليست هذه هي المرة الأولى التي تثير فيها قضايا انتقال الكفاءات التايوانية إلى الصين قلقاً في تايبيه. في عام 2017، انضم ليانج مونج سونج، المدير التنفيذي السابق للبحث والتطوير في TSMC، إلى شركة SMIC، أكبر شركة لتصنيع الرقائق في الصين، ويشغل الآن منصب الرئيس التنفيذي المشارك فيها. يُنسب إليه، هو والعديد من مهندسي TSMC الذين تبعوه، الفضل في مساعدة SMIC على تضييق الفجوة التكنولوجية مع TSMC.

مستقبل التحقيقات وتأثيرها على صناعة الرقائق

لم تستهدف TSMC ولا النيابة العامة شركة “إنتل” بشكل مباشر، ولم تُلمّحا إلى تورطها في سرقة التكنولوجيا المزعومة. ومع ذلك، فإن هذه التحقيقات تثير تساؤلات حول مستقبل الابتكار في مجال الرقائق وحماية الملكية الفكرية في تايوان. الوضع معقد ويتطلب حلاً دبلوماسياً يراعي مصالح جميع الأطراف المعنية. من المرجح أن تستمر هذه القضية في التطور، وستكون لها تداعيات كبيرة على صناعة الرقائق العالمية والعلاقات الدولية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى