اخبار التقنية

ضغوط متزايدة على واتساب.. تطبيق بديل في الهند واتجاه للحظر في روسيا

يتعرض تطبيق واتساب لضغوط متزايدة على جبهتين رئيسيتين في عالمنا اليوم، حيث يشهد تحولات جيوسياسية تؤثر بشكل مباشر على المشهد الرقمي. ففي الهند، يواجه التطبيق منافسة شرسة من تطبيق محلي جديد يحمل اسم Arattai، مدعوماً بقوة من الحكومة الهندية ورؤيتها الطموحة نحو “الاكتفاء الذاتي” الرقمي، في ظل توترات تجارية متصاعدة مع الولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه، تواجه واتساب تهديداً بالحجب الكامل في روسيا، كجزء من جهود موسكو الرامية إلى استبدال المنصات الغربية بتطبيقات محلية تخضع لرقابة الدولة. هذه التطورات تعكس بوضوح اتجاهاً عالمياً نحو ما يُعرف بالقومية التكنولوجية، حيث تسعى الدول الكبرى إلى تقليل اعتمادها على شركات التكنولوجيا الأمريكية وتعزيز ما تسميه “السيادة الرقمية”.

صعود تطبيق Arattai في الهند: استجابة للدعوات الوطنية

طورت شركة Zoho، المتخصصة في تطبيقات الأعمال، تطبيق Arattai. لم يحظَ التطبيق باهتمام كبير عند إطلاقه في عام 2021، وبقي مشروعاً جانبياً محدود الانتشار، حيث لم يتجاوز عدد تنزيلاته 10 آلاف عملية تثبيت تقريباً في أغسطس الماضي. إلا أن الوضع تبدّل بشكل مفاجئ في أواخر سبتمبر، فشهد Arattai قفزة نوعية في الإقبال، وبدأ يتربع على عرش قوائم التنزيلات في متاجر Google Play و App Store في الهند.

حسب تقديرات مجلة “فوربس” الهندية، أصبح Arattai التطبيق الأكثر تنزيلاً في البلاد خلال فترة وجيزة. يوفر التطبيق مزايا مشابهة لتطبيق واتساب، الذي يهيمن على سوق المراسلة في الهند بأكثر من 500 مليون مستخدم، وتصل أعداد مستخدميه النشطين شهرياً إلى 530 مليون مستخدم، بحسب صحيفة فاينانشيال تايمز.

يُرجع سريد هار فيمبو، مؤسس Zoho والرئيس التنفيذي لها، هذا النمو الهائل إلى زيادة مضاعفة في حركة المرور على التطبيق، حيث قفز عدد التسجيلات اليومية من 3 آلاف إلى 350 ألف مستخدم. وفي أول أكتوبر الماضي، سجل التطبيق وحده 2 مليون حساب جديد، وهو رقم غير مسبوق لتطبيق محلي ينافس واتساب في الهند.

الدعم الحكومي والرسائل السياسية

هذا النمو السريع لم يكن وليد الصدفة، بل كان مدفوعاً بشكل كبير بحملة حكومية واسعة يقودها رئيس الوزراء ناريندرا مودي تحت شعار “Swadeshi” (صنع في الهند). فقد شهدت البلاد توتراً تجارياً مع الولايات المتحدة بعد فرض الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب رسوماً جمركية عقابية على الواردات الهندية.

وفي هذا السياق، ظهر Arattai كرمز للدفع نحو “الاكتفاء الذاتي” الرقمي. أعلن وزير التعليم الاتحادي دارمندرا برادان دعمه المباشر للتطبيق، ودعا إلى التخلي عن التطبيقات الأجنبية. تبعه وزير التجارة والصناعة بيوش جويال بتغيير قنوات التواصل الرسمية إلى Arattai. حتى وزراء آخرون مثل أشويني فايشناو وأميت شاه أعلنوا دعمهم واستخدامهم للتطبيق، بالإضافة إلى خدمات Zoho الأخرى.

رسائل مودي العلنية، على الرغم من عدم ذكر التطبيق أو الشركة بالاسم، كانت واضحة في تشجيع استخدام المنتجات والخدمات المصنوعة في الهند، في إطار رد فعل على الضغوط التجارية والسياسية. هذا الدعم الحكومي كان له تأثير كبير على زيادة شعبية Arattai.

روسيا وتصعيد الضغوط على واتساب: نحو الحجب الكامل؟

بينما تخوض واتساب معركة شرسة في الهند، يواجه التطبيق وضعاً أكثر تعقيداً في روسيا، حيث تسعى الحكومة إلى تقليص حضوره إلى أدنى مستوى، وربما حجبه بشكل كامل، بحجة “الأمن القومي”.

فرضت هيئة الرقابة على الاتصالات الروسية (Roskomnadzor) قيوداً متزايدة على واتساب، بدءاً بتقييد خدمات المكالمات الصوتية وصولاً إلى التهديد بالحجب الكامل. وتتهم روسيا التطبيق باستخدام بيانات المستخدمين وتنظيم أنشطة تعتبرها “إرهابية”.

تطبيق Max: البديل الروسي المدعوم من الدولة

تأتي هذه الإجراءات في سياق أوسع من التصعيد الروسي ضد المنصات الرقمية الغربية منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022. وقد حظرت روسيا بالفعل عدداً من منصات التواصل الاجتماعي الشهيرة مثل Facebook و Instagram و X (Twitter).

كجزء من استراتيجيتها، أعلنت روسيا عن تطوير تطبيق محلي شامل يسمى Max، والذي يهدف إلى الجمع بين مجموعة واسعة من الخدمات العامة والتجارية، بما في ذلك المراسلة والمدفوعات الرقمية. التطبيق مُصمم على غرار تطبيق WeChat الصيني، ويحظى بدعم كبير من الدولة. تعتبره موسكو نموذجاً لل”سيادة التقنية” ووسيلة لتقليل الاعتماد على المنصات الغربية.

الخلاصة: مستقبل واتساب بين القومية التكنولوجية والبدائل المحلية

إن الضغوط المتزايدة التي تواجه واتساب في كل من الهند وروسيا تكشف عن اتجاه عالمي نحو تعزيز السيادة الرقمية وتقليل الاعتماد على شركات التكنولوجيا الغربية. على الرغم من النجاح الذي حققه Arattai في الهند، لا يزال من غير المؤكد ما إذا كان بإمكانه منافسة واتساب على المدى الطويل. أما في روسيا، فإن الاحتمال الأكبر هو حجب واتساب بشكل كامل واستبداله بتطبيقات محلية مدعومة من الدولة. إن مستقبل واتساب، مثله مثل مستقبل العديد من شركات التكنولوجيا العالمية، سيتحدد إلى حد كبير بالتوترات الجيوسياسية والقرارات السياسية التي تتخذها الحكومات حول العالم. هل ستنجح هذه الدول في بناء بدائل محلية قوية؟ هذا ما ستكشف عنه السنوات القادمة.

Secondary Keywords used naturally:

  • السيادة الرقمية
  • الاكتفاء الذاتي
  • تيك توك (as a comparison case)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى