بايدو تطرح إصدارا جديدا من Ernie 5.0 ورقائق ذكاء اصطناعي وحوسبة فائقة

في مشهد يتسارع فيه التطور التكنولوجي، كشفت شركة بايدو (Baidu)، عملاق الإنترنت والذكاء الاصطناعي في الصين، عن سلسلة من الابتكارات الطموحة التي تهدف إلى تعزيز مكانتها الرائدة في سوق الذكاء الاصطناعي. شملت هذه الإعلانات إصدار نموذجها اللغوي الجديد Ernie 5.0، وتطوير شرائح ذكاء اصطناعي متطورة، بالإضافة إلى حلول حوسبة فائقة، في خطوة تعتبر بمثابة استجابة للتحديات المتزايدة والمنافسة الشرسة في هذا المجال الحيوي. هذه الابتكارات تأتي في وقت حرج، حيث تسعى الصين لتعزيز قدراتها التكنولوجية وتقليل اعتمادها على الرقائق والتكنولوجيا الغربية.
مؤتمر Baidu World 2025: نقطة تحول في استراتيجية بايدو للذكاء الاصطناعي
جاء الكشف عن هذه الابتكارات خلال فعاليات مؤتمر Baidu World 2025، وهو الحدث التقني السنوي الأبرز للشركة الذي استضافته العاصمة بكين. أكد روبن لي، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة بايدو، أن الذكاء الاصطناعي نفسه هو “التطبيق الأهم” وأن “سرعة التطوير هي الحاجز الحقيقي الوحيد” أمام تحقيق التقدم المنشود. وأضاف أن استثمارات الشركة ستستمر في التدفق نحو تطوير النماذج اللغوية المتقدمة، بهدف الوصول بمستويات الذكاء إلى آفاق جديدة. هذا التصريح يعكس التزام بايدو القوي بالريادة في مجال الذكاء الاصطناعي، ورؤيتها الطموحة للمستقبل.
Ernie 5.0: نموذج لغوي متعدد الوسائط يطمح للمنافسة العالمية
يُعد نموذج Ernie 5.0 الحدث الأبرز في إعلانات بايدو، فهو نموذج لغوي متعدد الوسائط يتميز بقدرته “الفطرية” على فهم ومعالجة مختلف أنواع البيانات، بما في ذلك النصوص، والصوت، والصور، ومقاطع الفيديو. هذا التعدد في الوسائط يجعله قادراً على التفاعل مع المستخدمين بطرق أكثر طبيعية وفعالية.
أداء تنافسي ومواجهة عمالقة التكنولوجيا
تهدف بايدو من خلال Ernie 5.0 إلى منافسة أقوى نماذج الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم، مثل DeepSeek، وجيميناي من جوجل، وGPT-5 من OpenAI. وقد قدمت الشركة نتائج اختبارات أداء لمقارنة قدرات Ernie 5.0 في فهم وتحليل المحتوى اللغوي، والصوتي، والبصري. على الرغم من أن Ernie 5.0 لم يتصدر جميع المؤشرات، إلا أنه أظهر أداءً تنافسياً قوياً، مما يؤكد على قدرته على مجاراة اللاعبين الرئيسيين في السوق العالمية.
هذا التطور مهم بشكل خاص في سياق المنافسة الشديدة في مجال تطوير نماذج اللغة الكبيرة، حيث تتسارع وتيرة الابتكار باستمرار.
شرائح الذكاء الاصطناعي الجديدة: استجابة للقيود الغربية
في ظل التوترات الجيوسياسية المتصاعدة والقيود التي فرضتها الولايات المتحدة على تصدير رقائق الذكاء الاصطناعي المتقدمة إلى الصين، اتخذت بايدو خطوة استراتيجية نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي من خلال تطوير شرائح الذكاء الاصطناعي الخاصة بها. أعلنت الشركة عن تصميم واختبار شريحتين جديدتين:
- M100: شريحة مخصصة لعمليات الاستدلال، ومن المتوقع أن يتم إطلاقها في أوائل عام 2026.
- M300: شريحة أكثر تطوراً، قادرة على إجراء كل من عمليات التدريب والاستدلال، وستظهر في أوائل عام 2027.
بدأت بايدو في تصميم الشرائح الخاصة بها منذ عام 2011، بهدف توفير حلول حوسبة قوية وفعالة من حيث التكلفة للشركات الصينية، مع الحفاظ على التحكم المحلي في هذه التقنيات الحيوية. هذا الجهد يمثل جزءاً من استراتيجية أوسع تهدف إلى تقليل الاعتماد على التكنولوجيا الأجنبية وتعزيز القدرات التكنولوجية المحلية. الاستثمار في تطوير الشرائح يساعد بايدو على تجاوز قيود التصدير المفروضة على الرقائق المتقدمة.
“العقد الفائقة” والحوسبة عالية الأداء
لم تقتصر جهود بايدو على تطوير الشرائح فحسب، بل امتدت أيضاً إلى تطوير منصات حوسبة فائقة، والمعروفة باسم “العقد الفائقة”. تعتمد هذه المنصات على ربط شرائح متعددة عبر شبكات متقدمة من الوصلات البصرية، مما يزيد من الأداء العام ويساعد على التغلب على محدوديات الأداء في الشريحة الواحدة. تستعد بايدو لإطلاق نظامين جديدين من فئة “العقد الفائقة”:
- Tianchi 265: سيتم إطلاقه في النصف الأول من عام 2026، ويعتمد على دمج 256 شريحة من طراز P800.
- نسخة محسنة: سيتم إطلاقها في النصف الثاني من عام 2026، وستتكون من 512 شريحة من طراز P800.
هذه التطورات في مجال الحوسبة عالية الأداء تعزز قدرة بايدو على تدريب وتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي المعقدة، وتسريع عملية الابتكار.
توسّع بايدو في التطبيقات الصناعية والأسواق العالمية
إدراكاً لأهمية تنويع استخدامات الذكاء الاصطناعي، أطلقت بايدو أداة جديدة للاستخدامات الصناعية، مع التركيز على تطبيقات مثل إدارة إشارات المرور. بالإضافة إلى ذلك، تعمل الشركة على توسيع نطاق حضورها الدولي من خلال طرح منتجاتها في أسواق جديدة. من بين هذه المنتجات:
- أفاتار رقمي: أداة للبث المباشر تستهدف وسائل الإعلام والمؤثرين.
- منصة تطوير برمجيات بدون أكواد: تسمح للمستخدمين غير المتخصصين بتطوير التطبيقات بسهولة.
تحديات ومستقبل بايدو في عالم الذكاء الاصطناعي
على الرغم من التقدم التكنولوجي الملحوظ، تواجه بايدو تحديات كبيرة، بما في ذلك المنافسة المتزايدة من النماذج مفتوحة المصدر مثل DeepSeek، وتغير تفضيلات المستخدمين نحو تطبيقات الذكاء الاصطناعي الجديدة. وقد أدى التراجع في عائدات الإعلانات، وهي إحدى أهم مصادر دخل الشركة، إلى توقعات بانخفاض إيرادات الربع الثالث بنسبة 8%، وهو أكبر انخفاض منذ ما يقرب من عقد من الزمان.
يعزو روبن لي هذا الوضع إلى “الهيكل غير الصحي وغير المستدام” للصناعة، حيث تستحوذ شركات تصنيع الرقائق على الجزء الأكبر من الأرباح، بينما لا يحقق مطورو النماذج والتطبيقات عوائد كافية. ويؤكد على ضرورة أن تولد النماذج والتطبيقات قيمة أكبر بكثير من قيمة الشرائح، لضمان تحقيق نظام صناعي متوازن ومستدام. ويشدد على أن تحقيق الريادة في مجال الذكاء الاصطناعي يتطلب الاستثمار المستمر في البحث والتطوير.
في الختام، تواصل بايدو جهودها لدفع حدود الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي، وتجاوز التحديات التي تواجهها. من خلال الاستثمار في تطوير النماذج اللغوية المتقدمة، وشرائح الذكاء الاصطناعي، والحوسبة عالية الأداء، والتوسع في الأسواق العالمية، تسعى بايدو إلى ترسيخ مكانتها كقوة رائدة في هذا المجال الحيوي، والمساهمة في تشكيل مستقبل التكنولوجيا في الصين والعالم.












