اخبار التقنية

الاتحاد الأوروبي يتراجع عن تعهده بالريادة في تقنين الذكاء الاصطناعي

الاتحاد الأوروبي يراجع خططه لتنظيم الذكاء الاصطناعي وسط ضغوط أمريكية وصناعية

يشهد الاتحاد الأوروبي تحولاً في استراتيجيته المتعلقة بتنظيم الذكاء الاصطناعي، حيث يعتزم التراجع عن خططه الأصلية للسيطرة على تقنيات “محفوفة بمخاطر عالية” في هذا المجال. يأتي هذا التراجع في مواجهة ضغوط مكثفة من الولايات المتحدة وعمالقة التكنولوجيا، وذلك في خضم سباق عالمي محتدم لكسب النفوذ والسيطرة على سوق الذكاء الاصطناعي المتنامي. هذا التحول يثير تساؤلات حول مستقبل تنظيم الذكاء الاصطناعي في أوروبا وتأثيره على الابتكار وحقوق المستخدمين.

تأجيل القيود التاريخية على الذكاء الاصطناعي

وفقاً لتقرير نشرته مجلة “بوليتيكو”، من المتوقع أن تؤجل المفوضية الأوروبية تطبيق القيود التاريخية على الذكاء الاصطناعي لمدة عام على الأقل. هذا التأجيل يأتي كجزء من تغييرات شاملة في القواعد الرقمية، بهدف تعزيز القدرة التنافسية لأوروبا في مواجهة القوى الصاعدة مثل الولايات المتحدة والصين.

كان الاتحاد الأوروبي قد تبنى قانون الذكاء الاصطناعي بعد سنوات من التفاوض، إلا أنه لم يتم تطبيقه بشكل كامل حتى الآن. وخلال عام 2025، تصاعدت الدعوات من الحكومات وشركات التكنولوجيا وجماعات الضغط الصناعية لتأجيل تطبيق بعض بنود القانون، مما جعل القضية محوراً لمعركة أوسع في بروكسل حول الموازنة بين التنظيم والابتكار.

ضغوط أمريكية وصناعية تدفع بالاتحاد الأوروبي للتراجع

لا يمثل هذا التأجيل مجرد تعديل فني، بل هو استجابة مباشرة للضغوط القوية التي مارستها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بالإضافة إلى جماعات الضغط التابعة لشركات التكنولوجيا في بروكسل. في فبراير الماضي، هدد ترامب باستهداف أوروبا رداً على الغرامات التي فرضها الاتحاد على الشركات الأمريكية.

ورغم أن المفوضية الأوروبية تصف الاقتراح بأنه تعديل تقني يهدف إلى تحسين فعالية اللوائح، إلا أن العديد من المراقبين يرون أنه تنازل كبير لصالح الشركات. تعتبر هذه الخطوة بمثابة إشارة إلى أن أوروبا مستعدة للاستماع إلى مطالب شركات التكنولوجيا والدول الأخرى، وهو ما قد يضر بمصداقيتها.

تطبيقات الذكاء الاصطناعي “عالية المخاطر” مستفيدة من التأجيل

بموجب الخطط المقترحة، ستستفيد مجموعة من تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي تصنف على أنها “عالية المخاطر” من هذا التأجيل. وتشمل هذه التطبيقات استخدام الذكاء الاصطناعي في التوظيف، وتقييم الجدارة الائتمانية، وحتى في عمليات تسجيل الامتحانات. لن تخضع هذه التطبيقات لالتزامات تنظيمية صارمة لمدة عام إضافي على الأقل.

يعزى هذا القرار بشكل كبير إلى المخاوف من أن اللوائح الصارمة قد تعيق قدرة أوروبا على المنافسة في مجال الذكاء الاصطناعي، خاصة وأنها تحتاج إلى تسريع وتيرة الابتكار. كما أن جماعات الضغط التقنية قد انتقدت الجدول الزمني الأصلي باعتباره “غير قابل للتطبيق”.

ردود الفعل المتباينة على القرار

القرار لم يخلُ من ردود الفعل المتباينة. فقد أعلنت ألمانيا وفرنسا دعمهما للتأجيل لمدة عام واحد، وانضمت إليهما دول أخرى مثل السويد وبولندا وجمهورية التشيك والدنمارك. وزير التكنولوجيا الرقمية الألماني كارستن فيلدبرجر أعرب عن اعتقاده بأن “رفع القدم عن المكابح” وإعطاء الابتكار فرصة أكبر هو ما تحتاجه أوروبا.

ومع ذلك، أثار هذا التحول معارضة قوية في صفوف منظمات المجتمع المدني. دانيال لوفر، المحلل السياسي في منظمة Access Now، انتقد بشدة هذا التراجع، معتبراً أنه “يهدد بتدمير ضمانات الحقوق الأساسية” ويؤدي إلى “خلافات داخلية وغرابة قانونية” دون تحقيق أي مكاسب حقيقية في القدرة التنافسية.

تحديات فنية ومواعيد نهائية قادمة

بالإضافة إلى الضغوط السياسية، يواجه الاتحاد الأوروبي تحديات فنية تتعلق بتطوير المعايير اللازمة لضمان امتثال الشركات للوائح الجديدة. لقد فوتت هيئات توحيد المقاييس الموعد النهائي لتسليم هذه المعايير مرتين، ولا يتوقع أن تكون جاهزة حتى عام 2026.

على الرغم من التأجيل، لا يزال هناك موعد نهائي صارم لتطبيق القواعد، وهو أغسطس 2026. وسيحتاج الاقتراح الجديد إلى موافقة دول الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي قبل أن يصبح نهائياً.

مستقبل تنظيم الذكاء الاصطناعي في أوروبا

يثير هذا التراجع تساؤلات حول مستقبل تنظيم الذكاء الاصطناعي في أوروبا. هل ستستمر المفوضية الأوروبية في التنازل عن خططها الأصلية تحت ضغط الولايات المتحدة وشركات التكنولوجيا؟ أم ستتمكن من إيجاد توازن بين تشجيع الابتكار وحماية حقوق المستخدمين؟

تبقى الأيام والشهور القادمة حاسمة لتحديد مسار تنظيم الذكاء الاصطناعي في أوروبا، وعلى أصحاب المصلحة كافة التعاون لإيجاد حلول مستدامة تضمن تحقيق أقصى استفادة من هذه التقنية الثورية مع الحفاظ على القيم الأوروبية الأساسية. من المهم متابعة التطورات في هذا المجال، والبحث عن معلومات إضافية حول قانون الذكاء الاصطناعي الأوروبي وتأثيراته المحتملة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى